لأسباب عديدة، يجد أشخاص يعيشون في فرنسا، سواء من المواطنين الأصليين أو المهاجرين، أنفسهم في الشارع الذي يتحول إلى منزل لهم، لكنّه ليس كأيّ منزل، بل الطريق الأقرب إلى الموت والنسيان
تُقدر الجمعيات المهتمة بمساعدة المشردين في فرنسا عددهم بـ 200 ألف شخص. وكان آخر تحقيق أجراه المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية (إنسي) سنة 2012، قد تحدّث عن 143 ألف مشرد في عموم فرنسا، من بينهم 30 ألف قاصر.
وضْع هؤلاء الصعب في فصلي الخريف والشتاء، دفع السلطات إلى فرض ما يسمى بـ”الهدنة” التي توفّر لبعضهم سكناً مؤقتاً، وتحول دون طرد الساكنين الذين لا يدفعون الإيجار، أو الذين صدر في حقهم أمر قضائي بالإخلاء. لكنّ الوضع سيئ في جميع الفصول؛ إذ “يتربص الموت بهؤلاء المساكين، صيفاً وشتاء. ما يفرض علينا مضاعفة الجهود للاهتمام بهم” كما يقول جورج لوغران، لـ”العربي الجديد”، وهو أحد موظفي جمعية “إيماييس” التي أسسها القس الراحل بيير، قبل 55 عاماً، لتُعنى بالمشردين.
قررت بلدية باريس إحصاء مشرّديها، فكانت النتائج مثيرة للقلق على الرغم من الجهود المبذولة في هذا المجال، خصوصاً جهود فتح مقرات للإسكان، حتى في بعض المؤسسات الحكومية، في فترات الشتاء. وأعلنت بلدية باريس عن 3622 مشرداً في شوارعها، وفق إحصاء أجري ليلة 7 – 8 فبراير/شباط الماضي، نحو نصف هؤلاء المشردين يوجدون في الشارع منذ أكثر من سنة. وكانت إحصاءات السنة الماضية قد أعلنت عن 2952 شخصاً في الشارع، وكان الرقم سيكون أعلى لولا أنّ السلطات البلدية أسكنت قبيل الإحصاء نحو 672 شخصاً.
لكنّ ما لا يراه المواطنون في فرنسا، كثيراً، وما لا يعلمونه حق العلم، هو أنّ “الشارع يقتل” في كلّ الفصول. وهذه المآسي هي التي كانت وراء تأسيس “تجمع موتى الشارع” سنة 2002، وهو تجمع يضم نحو خمسين جمعية قريبة من المشردين، وقد أعلنت عن مهامها الأساسية المتمثلة في مساءلة المسؤولين، وفي التذكير بأنّ العيش في الشارع يؤدي إلى الموت، ويتولى التجمع إحصاء الموتى وشرح الظروف التي أدت إلى موتهم. كذلك، يعمل على مرافقة الموتى، إذ يبلغ أهاليهم ويدعم الجنازات، ويرافق جنازات الأشخاص الذين ماتوا في عزلة، وليس لهم أحد، بالتعاون مع البلديات. ويحرص التجمع على مرافقة الأحياء، عبر تقديم المساعدة لهم وإبلاغ الأصدقاء والعائلات والجمعيات والجيران.
من جهته، كشف أحد المسؤولين عن الإحصاء أنّ 132 من بين الموتى الـ566، ماتوا في العاصمة باريس. ومن خلال كشف أسماء الموتى التي استطاعت الجمعية الحصول عليها، كثيراً من الموتى لا أسماء لهم. العديد منهم من أصول عربية، كما هي الحال مع رأس القائمة، وهو “أرزقي” (63 عاماً) وقضى في باريس في الأول من يناير/كانون الثاني 2018، وبعده كثيرون، يتجاوزون 70 شخصاً، إلى جانب أسماء إسلامية من أفريقيا غير العربية، بعضها ذكر الاسم الشخصي، وآخرون ذكرت أسماؤهم الشخصية والعائلية، فيما ظل كثيرون مجهولين، وقد لا تُعرَف، أبداً، أسماؤهم.
الشارع يقتل الجميع، ويواصل عملية القتل، فقد مات في الشهرين الأولين من 2019 الجاري 80 شخصاً، بحسب “تجمع موتى الشارع” وهو رقم مؤقت. وبينما لا يميز القتل بين الجنس واللون والعمر، فالأغلبية الساحقة من الموتى المجهولين تنحدر من أصول مهاجرة، عربية وأفريقية وبدرجة أقل آسيوية، فالفرنسيون ينتهي بهم الأمر إلى معرفة موتاهم، فيما المهاجرون، لا يجدون من يسأل عنهم.
المصدر: العربي الجديد