ارتفعت الأصوات المعارضة داخل جيش العدو الإسرائيلي ضد حرب الإبادة التي يشنّها رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، فـ”تَمرّد” عشرات الضباط والعناصر في سلاح الجو والبحرية والمدرعات، مشدّدين على رفض هذه الحرب العبثية التي قد تؤدي إلى مقتل جميع الأسرى الصهاينة في قطاع غزة، ما دفع برئيس الأركان في جيش العدو، إيال زامير، إلى فصل نحو ألف جندي من الخدمة.
ورغم أن كثيرين ممّن رفعوا الصوت في وجه الحكومة الصهيونية المتطرّفة هم من ضباط وجنود الاحتياط، وبعضهم من الأفراد السابقين في جيش العدو، إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية هذه الخطوة، لما تعكسه من وجود حالة رفض في الرأي العام الإسرائيلي لمواصلة الانجرار خلف مصالح شخصية، يتصدرها نتنياهو ومن معه من اليمين الصهيوني المتطرف، في إطار استمرار حرب الإبادة التي لا تظهر لها نتائج عملية حقيقية تصبّ في مصلحة الكيان.
فرغم مرور وقت طويل على انطلاق العدوان الواسع وغير المسبوق على قطاع غزة، ورغم الحصار الخانق، ما تزال المقاومة الفلسطينية قادرة على إطلاق الصواريخ باتجاه غلاف غزة. ووفقًا لرسالة الجنود والضباط الصهاينة، فإن “استئناف القتال يعيق إطلاق سراح الرهائن، ويعرّض الجنود للخطر، ويتسبب في إلحاق الأذى بالمدنيين”.
وهنا تُطرح تساؤلات جدّية: ماذا يجري في كيان العدو؟ وبشكل أكثر تحديدًا، ماذا يجري في جيش العدو الإسرائيلي؟ هل نشهد حالة من التمرّد على قرارات السلطة السياسية أم أن الأمر مجرّد ظاهرة عابرة لا أثر فعليًا لها، في ظل موجة التطرّف العارمة التي يعيشها الصهاينة بدعم غربي وأميركي واضح؟ وهل ما يجري في الكيان والجيش الإسرائيلي يشكّل حالة يمكن البناء عليها لتراكمات قد تُفضي في نهاية المطاف إلى انفجار داخلي في هذا الكيان المؤقت؟ وهل يمكن اعتبار هذه الاعتراضات مؤشّرًا على حرب داخلية صهيونية تلوح في الأفق؟
حول كل ذلك، قال الباحث في الشأن الصهيوني علي علاء الدين إن “طول مدة المعركة وضع الجيش الإسرائيلي في حالة استنزاف، خاصةً أنه يعتمد بشكل كبير على قوات الاحتياط”. ولفت إلى أن “مشكلة الجيش الإسرائيلي اليوم تتكون من عاملين: أولًا، أنه يقاتل منذ فترة طويلة بدون راحة (رغم تلقيه مساعدات مفتوحة من الغرب وواشنطن)، وثانيًا، أن هناك تساؤلات فعلية في أروقة الجيش والمخابرات حول اليوم التالي، ومتى ستنتهي الحرب؟”.
وأوضح علاء الدين في حديث لموقع قناة المنار الإلكتروني أن “الجيش الإسرائيلي يقاتل منذ مدة طويلة بدون أفق وبدون أهداف جدّية قابلة للتحقق، خاصة أن الأهداف التي أُعلنت منذ بداية الحرب فشلت، ومنها القضاء على حماس واستعادة الأسرى ومنع إطلاق الصواريخ”. وأكّد أن “غياب الأفق يزيد من إرباك الجيش الإسرائيلي”، وأضاف “كل ذلك يترافق مع وجود مشاكل داخلية أخرى، ما يزيد الأمر تعقيدًا وصعوبة”.
وأشار علاء الدين إلى أن “بروز هذه المشكلة الجديدة في صفوف الجيش، هو امتداد للأزمة السياسية القائمة أصلًا في الكيان”، وأضاف “الجيش هو جزء من هذا الكيان، حيث توجد أصوات معترضة كثيرة ترفض الحرب، وترفض أداء الحكومة ونتنياهو، واليوم نسمع صداها داخل الجيش”. وأشار إلى أن “الاعتراضات اليوم تتركز في القوات الجوية، التي لا يهيمن عليها اليمين المتطرف بشكل كبير، بل ينتمي أفرادها إلى الطبقة الأرستقراطية في الكيان، بخلاف القوات البرية التي تضمّ نسبة كبيرة من الفقراء”.
أما في ما يتعلق بإمكانية أن تؤدي هذه الاعتراضات إلى تغيّر جذري في كيان العدو، فقال علاء الدين “لا يمكن القول إن هذا الأمر مستحيل، ولكن في ظل الحرب القائمة، من الصعب حصوله لأن ذلك سيؤثر على معنويات الجيش ومسار الحرب، وبالتالي فإن حدوثه في المرحلة الراهنة غير مرجّح”. وأشار إلى أن “الكيان يعيش أزمة سياسية كبيرة، خاصة أن نتنياهو متهم بالفساد مع عدد من مساعديه، وهناك دعاوى قضائية ضدهم، ما يجعل مصيره السياسي مرتبطًا باستمرار الحرب”. واعتبر أن “الحرب تساهم في تماسك الجيش الإسرائيلي، رغم أنه يعاني من أزمة سابقة تتعلق بخدمة الحريديم الرافضين للتجنيد”.
وشدّد علاء الدين على أن “صدور الرسالة الاعتراضية من قوات الاحتياط لا يقلل من أهميتها، فالجيش الإسرائيلي يعتمد بشكل كبير على هذه القوات التي شكّلت عماد الحرب”، وأكّد أن “الكيان اليوم يمرّ بأزمة إضافية، إذ إن الكيان بأكمله عبارة عن جيش، وكل مستوطن مدرّب ليكون عسكريًا”.
المصدر: موقع المنار