صِفَة “السيادية” في لبنان، كما في سائر الدول، تُطلق على المؤسسات ذات الإرتباط المُباشر بالكيان الوطني العام للدولة، وكما أن هناك وزارات سيادية، هناك أيضاً على سبيل المثال “صندوق سيادي” للأموال العامة الناجمة عن استثمار ثروة قومية كصندوق عائدات الغاز والنفط المُزمع إنشاؤه في لبنان، كذلك هناك “ديون سيادية ” مُترتِّبة على الدولة سواء كانت داخلية أم خارجية، وتكاد تُناهِز المئة مليار دولار.
وفي حمأة التنافس السياسي، راق للبعض في لبنان إطلاق كلمة وزارة سيادية على كل وزارة حقَّقت إنجازات مُمَيَّزة، أو نَقَلها وزير مُعيَّن من وزارة منكوبة بالخسائر الى وزارة متوازنة بالمصاريف والمداخيل، وهذا إنجاز محمود ومُقدَّر إذا كان يكفل وقف النزف في المال السياديّ العام، لكن أن تغدو مثلاً وزارة الأشغال شبه سيادية، ويُفاخر الفريق الذي ينالها أنه سوف يُحقِّق انجازات في منطقة نفوذه الشعبي أو الحزبي أو السياسي، فإننا والله نكون قد انحدرنا من قِمَّة السيادة للدولة وعُدنا الى مناطقية الجغرافيا والى منطق الزواريب!
ولأننا بحاجة للإرتقاء من الزواريب الى رحاب سيادة الدولة على كافة مرافقها، جاءت فكرة “وزارة التخطيط” التي طرحها سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، هذه الوزارة السيادية بامتياز، سبق إنشاؤها في لبنان تحت مُسمَّى “وزارة التصميم” عام 1954، وكانت تضمّ ضمن دوائرها وأقسامها المختلفة، “مجلس التصميم والإنماء” برئاسة الوزير المختض ومعه اعضاء من ذوي العلم والخبرة في حقول الاقتصاد والعلوم الاجتماعية والإنماء.
كانت مهام هذه الوزارة، إعداد خطط عامة شاملة وتصاميم متعاقبة للتنمية، ورَسم سياسات إقتصادية وإجتماعية ومالية موحَّدة تنسجم مع خطة النهوض المُستدامة، ولكن للأسف تمّ إلغاء هذه الوزارة عام 1977 واستُبدلت بمجلس الإنماء والإعمار، وباتت الدولة بلا وزارة تصميم وتخطيط، يدفع المواطن اللبناني اليوم أثمان تغييبها مشاكل لا تُعَدّ ولا تُحصى في حياته اليومية، لأن الدولة غابت عن تخطيط المرافق، ونُعطي مثالاً مبسَّطاً عن سلبيات غياب وزارة بهذا المستوى، المُعاناة التي نواجهها بدءاً من قطاع البُنى التحتية (طرقات وكهرباء وماء وصرف صحي ومعالجة نفايات) وصولاً الى قطاعات التنمية وغياب التنسيق بين الوزارات نتيجة غياب السلطة السيادية والرقابية على الوزارات في التخطيط والتنفيذ وتحقيق انسيابية العمل للمنفعة العامة والشاملة.
وإذا كانت وزارة الداخلية يُفترض أن تكون مؤتمنة على الأمن القومي الداخلي، و”الدفاع” لأمن الحدود، و”الخارجية” للعلاقات الديبلوماسية الندِّية مع الدول والمنظمات الأممية ورعاية شؤون المغتربين اللبنانيين، و”المالية” لضبط الأموال السيادية وإعداد الموازنات العامة ومراقبة وضبط حركة قطع حساب الوزارات، و”العدل” لتحقيق سيادة القضاء، فإن وزارة التخطيط يُفترض أن تكون أمّ الوزارات و”سيِّدتها الأولى” متى أعطِيت الدور والدعم في رسم السياسات التنموية العامة التي على أساسها يتم إعداد الموازنات وضبط الأموال العامة وحمايتها من الفساد.
في جلسةٍ إجتماعية لمواطنين لبنانيين عاديين، ضمَّت تلاوين من شرائح الشعب اللبناني، وكادت تكون صورة مُصغَّرة عن قاعدة 6 و 6 مكرَّر، أجمع الكثيرون خلال تقييم الكتل النيابية التي نشأت بعد الإنتخابات، أن هذه الكُتل ليست مضمونة بوحدتها التي جمعت نواباً مستقلِّين لا يحملون برامج عملٍ واضحة، وأن الحياة الحزبية هي الضمانة لإدارة الحكم، سواء كانت أحزاباً حاكمة أو شريكة في الحكم ضمن إئتلاف، وأجمعت الآراء في النهاية أن بعض الأحزاب لديها سيرة صدقية ومسيرة مصداقية، وأن وزارة التخطيط التي طالب بها سماحة السيد نصرالله هي خطوة واعدة وكبيرة وداعمة للعهد في بدء بناء الدولة وتكريس سيادتها على مرافقها، وهي الضامنة للمستقبل في تأمين استمرارية الخطط التنموية كائناً من كان في الحكم، وستكون وزارة ريادية لو تسنَّى لها – الى جانب دورها في التخطيط والرقابة- وضع الخطط الإستثمارية الجاذبة للرساميل وتفعيل قطاعات الإنتاج، وستكون سيادية بامتياز لأنها تحفظ كيان الدولة وموجوداتها المالية السيادية وتمنع عنها مدّ يد الإقتراض والتسوُّل والإرتهان للآخرين وهذا هو مفهومنا لسيادة دولة على أرضها بما يليق بوطن السيادة…
المصدر: موقع المنار