ركزت افتتاحيات الصحف المحلية الصادرة في بيروت صباح اليوم الثلاثاء 29 ايار 2018 على مواضيع عديدة كان ابرزها الرئيس المكلف… ومرحلة تأليف الحكومة بعد يوم استشاري نيابي طويل.
* البناء
قاعدة التنف في كفة موازية لتفاهم جنوب سورية… شرط أن يتسلّم الجيش السوري الحدود
القوات تضع الحريري بين خيارات: الاعتكاف أو تصريف الأعمال أو حكومة أقطاب فيها جعجع
العقد الحكومية في المالية والداخلية والتمثيل الدرزي والسني قابلة للحلحلة… وفق قاعدة التمثيل
كتب المحرّر السياسي
تقدّم المشهد السوري مجدّداً على الملفين الإيراني والكوري الشمالي، مع تبادل المقترحات الأميركية والروسية علناً، فبعد نشر مبادرة نائب وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد وما تضمّنته من إقرار بحتمية انتشار الجيش السوري حتى الحدود مع الأردن، وفتح المعبر الحدودي وسحب آلاف المسلحين إلى إدلب، مقابل تأكيد أميركي وأردني على عدم انتشار قوات إيرانية أو من حزب الله في المنطقة الحدودية، أجاب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف علناً، مؤكداً ما سبق تأكيده مع تفاهم منطقة خفض التصعيد بأنّ الجيش السوري وحده سينتشر على الحدود ومنطقتها، مضيفاً أنّ القضية التي يجب حلّها هي مصير قاعدة التنف الأميركية التي يشكّل تفكيكها عاملاً مساعداً على التهدئة آملاً أن يظهر الأميركيون نيّة حسنة للمساعدة على بلوغ التفاهم.
التفاوض يبدو الطريق المطروح حالياً لتأمين استعادة الجيش السوري مناطق سيطرة الجماعات المسلحة في الجنوب بعد الإعلان عن الاستعداد لخوض المواجهة العسكرية إذا فشل التفاوض، ومثلها تجري الأمور في شمال غرب سورية، حيث الجيش السوري يستعدّ لدخول مناطق ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، والأتراك يعدون بإبعاد الجماعات المسلحة عن الطريق الدولي لعشرات الكيلومترات لتأمين فتحه وصولاً للحدود التي يفترض أن ينتشر الجيش السوري وتتولّى المؤسسات السورية الحكومية تسلّم المعبر الحدودي مع تركيا في نهايتها.
لبنان يواصل مساره الدستوري وقد بلغ النقطة الأشدّ تعقيداً، رغم النيات الإيجابية التي تؤكد الحاجة للإسراع بتشكيل الحكومة وتذليل العقبات التي تعترضها، فالواضح كما قالت مقدّمة نشرة أخبار «أم تي في» بلسان «القوات اللبنانية» أنّ الاستعصاء يحكم التشكيل من دون أن تكشف عن حقيقة موقف «القوات» كسبب لهذا الاستعصاء بالتأكيد حاملة للرئيس المكلف سعد الحريري بشارات سلبية واضحة أقرب للتهديد منها للتحليل والاستكشاف، لتقول إنّ الرئيس المكلّف بين خيارات مواصلة تصريف الأعمال لفترة طويلة أو الاعتكاف، أو السير بخيار وحيد يخرج التشكيلة الحكومية من المطالب والمطالب المقابلة ويكون رداً على التحديات يتمثل بحكومة أقطاب، مستعيدة حكومة ما بعد مؤتمرَيْ لوزان وجنيف ومشاركة الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل والرئيس نبيه بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى جانب الرئيسين رشيد كرامي وسليم الحص في حكومة أقطاب مصغرة، وتسويقها كطاولة حوار دائمة يتخذ فيها القرار أصحاب القرار، ورأت مصادر مطلعة ربطاً بين طرح حكومة الأقطاب وما قاله الرئيس الحريري عن طرح البعض لحكومة من ستة عشر وزيراً، والأقرب هو أربعة عشر وزيراً وفقاً للتوزيع الطائفي والمذهبي، وقالت المصادر يبدو بذلك إنّ «القوات» هي صاحبة الطرح، في محاولة لملاقاة حصر التمثيل الدرزي بتوزير وليد جنبلاط، والتمثيل السني برئيس الحكومة ووزير من المستقبل والرئيس نجيب ميقاتي، وحلّ معضلة التمثيل المسيحي، بثلاثة موارنة هم جبران باسيل وسمير جعجع وسليمان فرنجية، وتساوي التمثيل القواتي مع التيار الوطني الحر أرثوذكسياً مقابل وزير كاثوليكي يختاره رئيس الجمهورية ووزير أرمني للطاشناق، مقابل تمثيل شيعي بثلاثة وزراء معلوم سلفاً توزيعهم بين حركة أمل وحزب الله بشخصيات قيادية من الصف الأول. وفيما وجدت المصادر أنّ هذا الطرح الحكومي لا يتناسب مع مرحلة ما بعد الانتخابات، ويقول ببساطة إن لا قيمة لكلّ العملية الانتخابية، كأنّ البلاد تخرج من حرب أهلية وتحتاج لحكومة تمسك خطوط التماس وتحلّ الميليشيات، لا حكومة تستند إلى ما قالته صناديق الاقتراع.
ورأت المصادر أنّ حكومة ثلاثينية بزيادة إثنين للعلويين والأقليات إذا اتفق على تمثيلهم تشكل موضع الإجماع إذا حُلّت عقدة تمثيل «القوات» وتهديدها بإنتاج أزمة حكومية، وإنّ هذه الحكومة يمكن أن تنطلق من مسودّة التمثيل الحكومي الراهن، كما يبدو ميل رئيس الحكومة المكلف، لتدخل التعديلات على هذه المسودة، وفقاً للقاعدة التي ستعتمد في تمثيل الكتل النيابية، ونسبية توزيعها وفقاً لعدد المقاعد النيابية، مستبعِدة إمكانية ولادة حكومة لا تلحظ التعدّدية داخل الطوائف التي أثبتت الانتخابات سقوط حصرية تمثيلها بطرف واحد أو تقاسم ثنائي بين طرفين، وهذا التفاهم على قاعدة التمثيل يفتح باب حلحلة العقد في التمثيل السني والدرزي ومسيحيّي الثامن من آذار وفي طليعتهم تيار المردة وحلفاؤه، وكذلك نوعية تمثيل الحزب السوري القومي الاجتماعي.
مسار التأليف والعقد مسيحية
أوحت المشاورات غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف سعد الحريري في المجلس النيابي أمس، بأن لا عقد تعجيزية تعرقل التشكيل طالما تمّ الاتفاق بين الرؤساء الثلاثة على عناوينها العامة، أي أن تكون وحدة وطنية وثلاثينية أو 32 كحد أقصى لتمثيل الأقليات وعلى القواعد التي تحكم توزيع الحصص والحقائب المستندة الى قانون النسبية والتناسب بين الأحجام النيابية والتمثيل الوزاري مع مراعاة التوازن الطائفي والسياسي. لكن وفق المعلومات فإن العقد الرئيسية تنحصر في الساحتين المسيحية والدرزية. ومن المرجّح أن يزور الحريري رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في الساعات المقبلة لإطلاعه على أجواء المداولات وللتشاور معه في موضوع تشكيل الحكومة.
ونقلت مصادر الرئيس المكلف لـ «البناء» ارتياحه إزاء المشاورات مع الكتل النيابية الذي لمس منها نية جدية لتسهيل التأليف ولم تخرج مطالب الكتل عن المألوف رغم شهية الاستيزار التي ظهرت عند معظم الكتل. ومن الطبيعي أن يرفع كل طرف سقف مطالبه للحصول على حصة أكبر، وبرأي المصادر فإن الحريري سيعكف على دراسة المطالب ويضع تصوراً أولياً للتشكيلة ويعرضها على رئيس الجمهورية. وفي حال لم تبرز أي مطالب جديدة معرقلة فإن عملية التأليف ستأخذ مسارها الطبيعي ولن يطول أمد خروج الحكومة الى النور بعكس ما حصل في الحكومة الماضية، مشيرة الى أن «كل العقد قابلة للحل». وقالت مصادر كتلة المستقبل لـ»البناء» إن «المستقبل متمسك بجميع الحصة الوزارية السنية، لكن في حال رست الأمور في نهاية المطاف على توزيعة تفرض أن يتخلى المستقبل عن وزير سني لصالح رئيس الجمهورية، فإنه لن يعارض ذلك مقابل الحصول على وزير مسيحي انطلاقاً من أن تيار المستقبل عابر للطوائف»، مشدّدة على أن «التيار يؤيّد حكومة وفاق وطني، كما أنه يفصل النيابة عن الوزارة ويعمل، لأن تتمثل المرأة في الحكومة».
وفي التوازنات السياسية داخل الحكومة، واستناداً الى نتائج الانتخابات فإن فريق 8 آذار التقليدي سينال ثلث الحكومة أي 11 وزيراً إذا كانت ثلاثينية أو يوضع الوزير الحادي عشر في عهدة رئيس الجمهورية وبالتالي يبقى الثلث الضامن عند الرئيس، أما حاصل حصة 8 آذار والتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية فتشكل أكثرية الحكومة، بينما لن تقارب حصة 14 آذار من دون النائب وليد جنبلاط الثلث في حين كان هذا الفريق يملك أكثرية نيابية كبيرة في المجالس النيابية والحكومات بين العامين 2005 و2009.
وكان يوم المشاورات بدأ بلقاء بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف، وقد أظهرت حصيلة المشاورات مطالبة كتلة «المستقبل» بتمثيل عادل للمناطق وبحكومة ثلاثينية بالحدّ الأقصى وباعتماد المداورة وتفعيل المشاركة النسائية.
وطالبت كتلة «التنمية والتحرير» التمثل بـ4 وزارات من بينها حقيبة سيادية ومحسوم بأنها المالية من خلال ذكر الكتلة «التزام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني»، فيما أكد وزير الزرعة غازي زعيتر من المجلس النيابي بأن الوزير علي حسن خليل باقٍ في وزارة المال، فيما رفض تكتل «لبنان القوي» تكريس أي حقيبة لأي طرف، برز طلب الوزير جبران باسيل الذي قد يخلط أوراق اللعبة الحكومية إذ طالب باسيل بالحصول على المالية او الداخلية، كما طالب بوضع سياسة وطنية لمعالجة أزمة النزوح، مع تأكيده أن التمثيل الوزاري يجب أن ينطلق من نتائج الانتخابات». وفي سياق ذلك، نقلت قناة «أو تي في» عن مصادر في «التكتل» تأكيدها «الفصل يبن حصتي التكتل ورئيس الجمهورية في الحكومة »، في ما بقي مبدأ الفصل بين النيابة والوزارة محطّ نقاش وخلاف داخل التيار الوطني الحر. وأكد النائب شامل روكز في حديث تلفزيوني «أنني مع فصل النيابة عن الوزارة وكلام الرئيس ميشال عون سيد الكلام، ويمكن كثير أن يكون القرار لدينا فصل النيابة عن الوزراة». وأما اللافت فهو ترجمة شهية حزب «القوات اللبنانية» على الوزارات، بتمسك تكتل «القوات» بحصة موازية لتمثيل التيار الوطني الحر». وقال النائب جورج عدوان «نتعهّد أن نكون حصّة رئيس الجمهورية في الحكومة، لأننا لعبنا دوراً أساسياً في انتخابه»، مشيراً الى أن «مَن يحاول عزل القوات يرفض إرادة الناس ويرفض محاربة الفساد ويرفض السيادة». وكانت مصادر «القوات» هدّدت بكشف وثيقة تظهر توقيع الرئيس عون عليها مضمونها تقاسم الحصص بين التيار والقوات. غير أن النائب الياس بو صعب ردّ بالقول: «إننا مع مراجعة الاتفاق مع القوات اللبنانية لنرى من أخلّ به، إن كان في السياسة أو كتلة العهد»، مشيراً إلى أنه «يحق لهم المطالبة بموقع نائب رئيس الحكومة، ولكن لا يمكنهم القول إنه لهم تحصيل حاصل، فربما أخطأوا بالتعبير ورئيس الجمهورية هو مَن يبتّ بهذا الموضوع».
كما استقبل الحريري الكتلة القومية الاجتماعية وتحدّث النائب أسعد حردان بعد اللقاء، فقال: «نريد حكومة ترعى الشأن الاجتماعي والاقتصادي في لبنان وتكون شريكة مع المواطن، مع رجال الأعمال والعمال ليكون ثلاثي هذا التكوين هو قاعدة الاستقرار الاجتماعي في لبنان، لذلك نريد أن يكون عنوان الحكومة يطمئن المواطنين ويطمئن أصحاب الدخل المحدود في إطار الرعاية الاجتماعية. وهذا الجانب فيه الكثير من موجبات أساسية وأسباب موجبة، وكيف نطرح اللامركزية الإدارية وبالكاد البلديات نراها ونتابعها. وطرحنا على الرئيس الحريري أنه تجب إعادة تفعيل دور وزارة البلديات، لأن أمامها مسألة مهمة جداً هي موضوع اللامركزية الإدارية. وطرحنا أيضاً موضوع الانتخاب في الاغتراب، لجهة إعادة العمل بوزارة المغتربين وإعادة تفعيلها لتستطيع القيام بواجباتها لمتابعة قضايا الاغتراب، كما هناك بند أساسي اسمه الإنماء المتوازن وفقدانه يتسبّب بأحداث، وتجب إعادة تفعيل العمل بوزارة التصميم والتخطيط بحيث تكون هذه الوزارة موجودة على طاولة مجلس الوزراء».
وللمرة الأولى في تاريخ تشكيل الحكومات في لبنان طالبت كتلة «الوفاء للمقاومة» بـ«وزارة وازنة هي من حقنا». ما تعني ترجمة وعد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بأن مشاركة حزب الله في الحكومة ستكون فعّالة من باب مكافحة الفساد وبناء الدولة واعتبارها «العقوبات الاقتصادية شأناً خارجياً».
وأكد النائب محمد رعد بعد اللقاء أننا «أكدنا استعدادنا للتعاون الإيجابي مع الحريري، وعرضنا لبعض شؤون البلاد لا سيما على المستوى الاقتصادي». أكدنا ضرورة اعتماد وزارة التخطيط العام للبلاد».
وتمسّك «التكتل الوطني» بـ «المشاركة في الحكومة عبر مقعدين مسيحي ومسلم لكون التكتل عابراً للطوائف»، ومطالبته «بحقيبة الاشغال او الطاقة او الاتصالات مع حقيبة أخرى خدماتية». كما تمسكت كتلة «ضمانة الجبل» برئاسة النائب طلال ارسلان بـ«تمثيل درزي صريح احتراماً لنتائج الانتخابات».
أما اللافت والذي خرج عن رتابة المشهد، فكان اللقاء الذي يحصل للمرة الأولى والذي يحمل أبعاداً سياسية فهو بين الحريري والنائب جميل السيد الذي طالب بتكامل بين الدولة والمقاومة في البيان الوزاري، وبإسناد حقيبة العدل إلى «فريقنا السياسي كنوع من رد الاعتبار لما تعرّضنا له لأن هذه الوزارة شهدت تركيب شهود الزور»، وقال السيد: «رأيت استعداد ولطافة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في الاستشارات، وكأنه قال صفحة ماضية وانطوت بيننا».
وحافظ الرئيس الحريري في ختام استشاراته على تفاؤله، فقال «الكل متوافق على تسريع التشكيل بسبب التحديات»، مضيفاً رداً على سؤال عن حصة رئيس الجمهورية «للجميع الحق بالمطالبة بما يريد ولا شك في أن للرئيس حصة وأعتقد ألا أحد يريد وضع العصي في الدواليب. أنا متفائل واشكر الجميع على التعاون». واعتبر ان لا شيء يعيق التأليف والمشاورات بدأت وسنصل الى تفاهم وأرى ضرورة للتسريع قدر ما يمكننا ومن الضروري الوصول الى تفاهمات ويجب أن نعوّل ونبني على الإيجابيات للوصول الى حكومة في اسرع وقت».
وفي انتقاد للكتل دونما استثناء غرّد رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط عبر تويتر قائلاً: «من التقاليد العريقة في عملية تشكيل الوزارات، تضاف اليها حصة الرئيس والصهر والعديل ولبنان القوي والجمهورية القوية والخرزة الزرقة والمصالحة والوسط المستقل والمردة وقلب القرار والتحرير والوفاء والضمانة وحدة بعبدا ونواب الأرمن والكتائب. اعذروني اذا كنت قد نسيت أحد وممثل فتوش».
* اللواء
باسيل ينتقم من التاريخ: نصف الحكومة للتيار والرئيس والأقليات!
الحريري يختتم يوم «المطالب المتضخمة» بالتفاؤل.. و«القوات» تحذّر من العزل
خارج المطالب «المتضخمة» التي دوّنها الرئيس سعد الحريري، مبتسماً، وهو يستمع إلى ممثلي الكتل والنواب المستقلين يطرحونها أمامه، بوصفها، من وجهة نظرهم، حقوقاً تكاد أن تكون مكتسبة، بدا ان التيار الوطني الحر يواجه على جبهات عدَّة، لتحويل الحكومة المنشودة إلى حكومة للوزير جبران باسيل الكلمة الأولى والاخيرة فيها تحت اعتبارات لا يخفيها.
ولذا، يتصرَّف التيار الوطني الحر، من زاوية، ان الكلمة في ما يتعلق بالوزراء المسيحيين، وحتى الاقليات: الدرزية، الأرمنية، والعلوية والسريانية، مع فصل مصطنع بين ما يسمى بحصة تكتل «لبنان القوي» وحصة رئيس الجمهورية، بحيث يكون ثلث الحكومة أو نصفها من لون واحد، وباقي الكتل ورئيس الحكومة النصف الآخر..
وعليه، يواجه التيار الوطني الحر «القوات اللبنانية» من موقع اقصاء عن الحصة الوزارية التي تطالب بها، بذرائع عدَّة، الأمر الذي يُفاقم من تعقيد الموقف التأليفي، ولو ان الرئيس المكلف حافظ على تفاؤله، واصفاً طريقة طرح المطالب، بأن الكل يرفع السقف للوصول إلى مكان تفاوضي.
وكشفت معلومات «اللواء» ان الرئيس ميشال عون يطالب بوزير سني مقابل ارثوذكسي لرئيس الحكومة.
وأضافت ان حصة الرئيس الحريري ستكون خمسة وزراء بينهم أربعة سنّة، موزعين بالاضافة إليه على بيروت (محمّد شقير، رئيس غرفة الصناعة والتجارة) ود. مصطفى علوش (طرابلس)، وثالث من صيدا أو الإقليم، قد يكون اللواء إبراهيم بصبوص.
بالمقابل، نفت «المعلومات توزير كريمة الرئيس عون ميراي عون الهاشم».
شهية استيزار
ومع ان الرئيس الحريري لم يظهر أي تخوف من بلوغ مهمته في تشكيل الحكومة العتيدة حدود «ازمة تأليف» وبقي محافظاً على تفاؤله، فإن حصيلة الاستشارات التي أجراها أمس في المجلس النيابي، مع الكتل النيابية والنواب المستقلين (127 نائباً) أظهرت شهية كل الكتل الكبيرة والصغيرة على التوزير والمطالبة بحقائب أساسية، ما دفع بعض المتابعين إلى التعليق على هذه الشهية بالقول ان «استجابة الحريري بما سمعه من مطالب يوجب حكومة توازي نصف عدد أعضاء المجلس النيابي وربما اكثر»، في حين هزأ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، من مطالب الكتل النيابية في الاستشارات، وقال مغرداً عبر حسابه الخاص على «تويتر» ساخراً: «من التقاليد العريقة في عملية تشكيل الوزارات، يضاف اليها حصة الرئيس والصهر والعديل ولبنان القوي والجمهورية القوية والخرزة الزرقاء والمصالحة والوسط المستقل والمردة وقلب القرار والتحرير والوفاء والضمانة وحدة بعبدا ونواب الارمن والكتائب. اعذروني اذا كنت قد نسيت احدا وممثل فتوش».
في كل الأحوال، ومهما كانت المواقف المعلنة للكتل والتي لا تخلو من كونها ضمن لعبة التفاوض حيث يجري عادة رفع سقف المطالب للحصول على ما دونها، بحسب تعبير الرئيس المكلف، فإن مصادر مطلعة أوضحت لـ «اللواء» ليلا، ان العمل الجدي في موضوع تشكيل الحكومة الجديدة يفترض ان ينطلق بعد اللقاء المنتظر بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف.
ولفتت المصادر إلى ان موعد هذا اللقاء لم يُحدّد لكنه سينعقد كي يضع الرئيس الحريري في أجواء مشاوراته مع الكتل النيابية.
ولاحظت انه في انتظار ذلك ما من عوامل جديدة. مشيرة إلى ان ما من تصوّر نهائي بعد وان كان هناك كلام يرمى شمالا ويميناً، لكنه لا يمت إلى الحقيقة بصلة.
ورأت ان هناك مواقف أعلنت ولا مجال للتراجع عنها، لافتة إلى ان هناك مفاوضات ستجري مع الأطراف وفي الواقع فإن جميع الكتل تريد حصصاً وازنة وحقائب، ومعلوم ان عدد الحقائب معروف ايضا وكذلك الأمر بالنسبة إلى عدد الكتل.
عقد وعراقيل
وإذا كانت «شهية الاستيراز» بطبيعة الحال، متعذرة لأكثر من سبب منطقي ومعقول، طالما ان الرئيس المكلف وضع سقفاً لحكومته من 30 أو 32 وزيراً في أقصى الاحتمالات، فإن ما طرح في «يوم الاستشارات الطويل»، كشف عن مجموعة عقد وعراقيل ستواجه عملية التأليف، حتى ولو كان الحريري تحدث عن «تعاون» الكتل معه، من باب امتصاص العقد أو «تفتيت الحصى بـ«لايزر التفاؤل» الذي أبداه في غير إشارة أو محطة كلام.
ومن أبرز ما سجل على هذا الصعيد من مواقف تؤشر إلى ان عملية التأليف ستكون اصعب مما يتم تداوله بأن تكون مثل «كرجة مي»، حديث نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي عن ضرورة وجود معارضة للحكومة، يعني ضمناً استبعاد كتل نيابية معنية عن ان تمثل بالحكومة، الأمر الذي يُؤكّد هاجس «القوات اللبنانية» باحتمال عزلها بحجة تعذر تحقيق مطالبها، خاصة وانه سبق وتم استبعادها من هيئة مكتب المجلس.
وتذكركثيرون، وهم يستمعون إلى نظرية الفرزلي، كلام الرئيس عون، قبل اجراء الانتخابات النيابية، عن حكومة أكثرية وأقلية معارضة، مما يوحي ان هذا الكلام ليس مجرّد فكرة أو اجتهاد، بقدر ما هو «خطة» يجري تنفيذها بدقة.
يضاف إلى هذه المشكلة رفض رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، باسم «تكتل لبنان القوي» تكريس أي حقيبة لأي طرف، مطالبا بحقيبة المالية أو الداخلية، الأمر الذي يعني عودة الاشتباك مع الرئيس نبيه برّي، الذي سبق ان جاهر بالمطالبة بالمالية لشخص الوزير علي حسن خليل، من دون ان يعني ذلك اشتباكا مع كتلة «المستقبل» التي لم تعلن صراحة انها لا تريد الداخلية، الا ان هذا الأمر قديحصل في حال أراد باسيل الاحتفاظ بالحقائب السيادية لنفسه أو لتكتله او من حصة رئيس الجمهورية.
وفي الموازاة، كان البارز مطالبة كتلة « القوات اللبنانية» بحصة وزارية مساوية لحصة تكتل «لبنان القوي» برغم فارق عدد نواب الكتلتين لمصلحة التيار الحر وحلفائه، لكن مصادر مسؤولة في «القوات» قالت لـ«اللواء»: ان تفاهم معراب نص على التساوي في الحقائب والتوزير، والحديث عن حصة وزارية للتيار وحصة لرئيس الجمهورية هو امر نراه غير منطقي، فحصة الرئيس عند التكتل. فبحسب ما حصل بعد اتفاق الطائف رئيس الجمهورية لم تكن عنده كتلة نيابية، فكان يأخذ حصة وزارية تعويضا بينما الرئيس عون عنده كتلة نيابية كبيرة.
اضافت المصادر: اذا اخذ التكتل ستة وزراء والرئيس خمسة، ماذا يبقى للاخرين؟ نحن نريد شراكة اساسية بين التيار والقوات لتشكل صمام امام للعهد ومرتكزا اساسيا لحكمه، وكلما كان الجو المسيحي مرتاحا كلما شكل ذلك راحة أكبر للرئيس في حكمه.
واوضحت المصادر انه لم تطرح افكار ولا شيء مقررا بعد، وما يطرح في الاعلام نرد عليه، ونحن نحدد رؤيتنا للحكومة، ونحن لا مشكلة بيننا وبين الرئيس عون لكننا نختلف مع الوزير جبران باسيل في طريقة مقاربته للامور، وحتى الان لا وساطة ولا اتصالات بيننا وبينهم.
تفاؤل الحريري
غير ان الرئيس الحريري، وفي ختام استشاراته التي امتدت من الحادية عشرة قبل الظهر ولغاية الرابعة والدقيقة العاشرة، عصرا، حافظ على تفاؤله، ملاحظاً ان التعاون كان كبيراً من الكتل لتسهيل تشكيل حكومة وفاق وطني»، مشيرا إلى ان الكل «متوافق على تسريع التشكيل بسبب التحديات التي تواجهها البلاد، ولا سيما التحدي الاقتصادي، آملاً ان تكون الحكومة حكومة وفاق وطني مع تحصين الساحة الداخلية، واصفاً الوضع الاقتصادي بأنه «الاخطر»، لافتا إلى ان هناك فرصة للخروج من هذا الوضع الخانق من خلال إصلاحات تحد من الهدر والفساد.
ولاحظ الحريري رداً على سؤال عن حصة رئيس الجمهورية ان للجميع الحق بالمطالبة بما يريد، ولا شك ان للرئيس حصة، مبدياً اعتقاده ان لا أحد يريد وضع العصي في الدواليب، ومن دون ان يستغرب طريقة طرح المطالب، على اعتبار ان الكل يرفع السقف للوصول الىمكان تفاوضي، معتبرا ان لا شيء يعيق التأليف طالما ان التشاورات بدأت وسنصل إلى تفاهم، ومن الضروري الوصول إلى تفاهمات ويجب ان نعول ونبني على الإيجابيات للوصول إلى حكومة في أسرع وقت».
وليلاً، غرد الرئيس الحريري عبر حسابه على «تويتر» قائلاً: «لقد كان يوماً حافلاً باللقاءات حيث حضرت كل الكتل النيابية، وأنا اشكرهم على ذلك، وكان هناك تعاون كبير بين الجميع لتسهيل تشكيل الحكومة، كما كان الجميع متوافقاً على انه علينا التسريع مع تشكيل الحكومة بسبب التحديات الإقليمية والاقتصادية التي نواجهها في البلد».
مطالب الكتل
أما أبرز المطالب التي تمخضت عنها استشارات الرئيس المكلف، فقد أتت على الشكل الآتي:
تمسّك كتلة «التنمية والتحرير» بالمحافظة على ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، واشارتها الى ان من حقها التمثل بـ4 وزارات ومن بينها حقيبة سيادية «باتت معروفة»، بحسب تعبير أمين سر الكتلة النائب أنور الخليل، والمقصود بها طبعاً حقيبة المالية.
واعلان تكتل «الجمهورية القوية» أن معايير التمثيل الحكومي يجب ان تنطلق من نتائج الانتخابات، «وبعد ان اختار المسيحيون كتلتين لتمثيلهم، يجب ان يكون تمثيل القوات في الحكومة موازيا لتمثيل التيار الوطني الحر». وقد برز قول النائب جورج عدوان باسم الكتلة «إننا كقوات، نتعهد ان نكون حصّة رئيس الجمهورية في الحكومة، لأننا لعبنا دورا أساسيا في انتخابه»، مشيرا الى ان «من يحاول عزل القوات يرفض ارادة الناس ويرفض محاربة الفساد ويرفض السيادة».
رفض تكتل «لبنان القوي» تكريس اي حقيبة لأي طرف، معلناً بلسان رئيسه الوزير جبران باسيل ان «منذ العام 2005 نحن محرومون من الحصول على المالية او الداخلية وقد آن الاوان اليوم ليحصل تكتلنا عليهما لأنه يحق لنا الحصول على احدى الحقائب السيادية»، ومطالبته بوضع سياسة وطنية لمعالجة ازمة النزوح، مع تأكيده ان التمثيل الوزاري يجب ان ينطلق من نتائج الانتخابات.
مطالبة كتلة «المستقبل» بتمثيل عادل للمناطق وبحكومة ثلاثينية بالحد الاقصى وباعتماد المداورة وتفعيل المشاركة النسائية».
مطالبة كتلة «الوفاء للمقاومة» بـ«وزارة وازنة هي من حقنا» واعتبار «العقوبات الاقتصادية شأنا خارجيا» مع التأكيد على مبدأ التعاون مع الرئيس المكلف.
مطالبة كتلة «اللقاء الديمقراطي» بلسان رئيسها النائب تيمور جنبلاط بحكومة وحدة وطنية تراعي نتائج الانتخابات، بما يعني ان تمثل الكتلة كامل الوزراء الدروز الثلاثة.
تمسّك «التكتل الوطني» بـ«المشاركة في الحكومة عبر مقعدين مسيحي ومسلم كون التكتل عابرا للطوائف»، ومطالبته «بحقيبة الاشغال او الطاقة او الاتصالات مع بحقيبة أخرى خدماتية».
تمسك كتلة «ضمانة الجبل» برئاسة النائب طلال ارسلان بـ«تمثيل درزي صريح احتراما لنتائج الإنتخابات» علماً ان الكتلة تضمه مع ثلاثة نواب موارنة من تكتل «لبنان القوى».
مطالبة النائب جميل السيد بتكامل بين الدولة والمقاومة في البيان الوزاري، وبإسناد حقيبة العدل الى «فريقنا السياسي كنوع من رد الاعتبار لما تعرّضنا له لأن هذه الوزارة شهدت تركيب شهود الزور».
مطالبة نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي بـالحفاظ على وجود «المعارضة»، وتمنيه على الحريري «أخذ هذا المطلب في الاعتبار والا يعيش عقدة حكومة أكثرية ساحقة لعدم تعطيل العمل الرقابي».
اقتراح كتلة نواب الارمن بلسان رئيسها النائب هاغوب دمرجيان بحكومة من 32 وزيراً من ضمنهم وزيران أرمن وبعدم تكريس وزارات لطوائف.
مطالبة كتلة «الوسط المستقل» بحقيبة وزارية من دون تحديدها.
وفيما اعتذر النائب ميشال المرّ عن المشاركة في الاستشارات، تريث النائب سامي الجميل، بلسان كتلة نواب الكتائب في أي موقف أو المطالبة بشيء، على اعتبار انه سيكون له جلسة أخرى مع الرئيس الحريري عندما يصبح لديه تُصوّر بشكل الحكومة والمشاركين فيها، في حين اكتفى النواب المنفردون بطرح وجهات نظر لم تتجاوز المطالبة بحقائب لمناطقهم.
* الجمهورية
التأليف محاصر بكثرة المطالب… والراعي يُسلِّم ماكرون ملفاً مكتوباً
لا شيء متوقعاً قريباً على مستوى ولادة الحكومة الجديدة، فالاستشارات النيابية غير الملزمة بنتائجها التي أجراها الرئيس المكلّف سعد الحريري في مجلس النواب أمس سيستتبعها بمشاورات سياسية، هي في الحقيقة جارية بطريقة غير رسمية منذ مدة ولكنه سيستكملها ربما قبل أن يَشدّ الرحال الى الرياض، ومنها الى مكة لأداء حج العمرة خلال الايام العشرة الأواخر من شهر رمضان، علماً أنّ كثيراً من الاطراف يبدون رغبة في ان تُبصر الحكومة النور قبل عيد الفطر السعيد منتصف حزيران المقبل. ولكنّ المؤشرات في هذا الاتجاه غير مشجّعة بعد في ظل الكم الكبير من المطالب التي تلقّاها الحريري حتى الآن، على رغم الرهان على معالجتها خلال المفاوضات الجارية، ومن خلال دالّة هذا الرئيس او ذاك على هذا الفريق السياسي او ذاك، لتأتي الحكومة مقبولة لدى الجميع وهي على الأرجح ستكون ثلاثينية، وربما أكثر…
لم تتّضِح معالم الحكومة العتيدة بعد، الّا انّ الكتل النيابية قد رمت بمطالبها وشروطها امام الرئيس المكلف سعد الحريري، بعضها لكي يأخذها في الاعتبار، وبعضها لإسماع المنافسين على الأحجام والحقائب.
وقد بدا واضحاً من كمية مطالب الاستيزار انّ التأليف الحكومي ليس مُيسّراً بعد، لأنّ هناك استحالة في تحقيق كل هذه المطالب «إلّا اذا شاء المطالبون والمعنيون بالتأليف نقل مقاعد مجلس النواب الى مقاعد مجلس الوزراء»، على حد تعبير احد السياسيين، الذي لاحظ «انّ المتميّزين المُنضوين في كتل نيابية قدِموا الى الاستشارات بمفردهم، كالنائبين نعمة افرام و رئيس «حركة الاستقلال» ميشال معوّض وغيرهما، الأمر الذي سيفرض على الرئيس المكلف، الذي أنهى استشاراته النيابية امس، إجراء استشارات سياسية مع رؤساء الكتل والمرجعيات، لعل المطالب تدخل في خرم التأليف، علماً أنّ الاستشارات السياسية ستُبرز ما اذا كانت أسباب التعقيدات داخلية ام تنطوي على خلفيات خارجية. على انّ زيارة الحريري المرتقبة للسعودية هي في حد ذاتها إعلان عن التداخل بين الخارج والداخل في عملية التأليف.
خلف الاضواء
وقالت مصادر متابعة للتأليف الحكومي لـ«الجمهورية»: «انّ الرئيس المكلف لم يتخذ بعد اي قرار، لا لجهة شكل الحكومة ولا لجهة التوزيع. فهو دَوّن ملاحظاته خلال اجتماعه مع الكتل والنواب، لكنّ المشاورات الفعلية التي سيجريها ستكون بعيداً من الاضواء، وفي ضوئها سيعطي نفسه بعض الوقت لكي يحدد طبيعة الحكومة وسيسير وفق الأولويات: بداية شكل الحكومة، ثم ايّ قاعدة سيتّبعها في توزيع الحقائب، ومن ثم عرض هذه الحقائب على الكتل النيابية لنيل موافقتها قبل ان يصل الى المرحلة الاخيرة، وهي إسقاط الاسماء على الحقائب». واعتبرت المصادر انّ كل ما قيل في هذا الصدد حتى الآن «يبقى كلاماً مبدئياً الغاية منه رفع السقف وتقوية الاوراق التفاوضية، قبل وضع كل هذه الاوراق على الطاولة للتفاوض».
الحريري
في أي حال إنّ الرئيس المكلف، وبعد استطلاعه آراء الكتل والنواب المستقلين في التشكيلة الوزارية العتيدة، أبدى تفاؤله وشدد على «ضرورة تأليف حكومة وفاق وطني لتحصين ساحتنا الداخلية أمام التحديات الاقليمية، بالاضافة الى الوضع الاقتصادي الذي نواجهه». واكد انه «كان هناك تعاون من الجميع لتسهيل تشكيل الحكومة، والجميع متوافق على الإسراع في التأليف».
وتعليقاً على حصة رئيس الجمهورية من الحقائب الوزارية، قال الحريري: «من حق الجميع أن يطلب ما يريد حالياً، ولكن في المرحلة المقبلة لا أتصوّر أنّ أحداً سيضع العصي في الدواليب ويعرقل تأليف الحكومة»، لافتاً إلى «أنّ الإنتخابات النيابية كانت بمثابة إنجاز لمصلحة المواطن، ويجب أن يُبنى على الإيجابيات من أجل تأليف الحكومة». وختم: «الآن نحن في مرحلة مشاورات، والبعض ينصح بحكومة كبيرة أو صغيرة، وسنصل إلى توافق كما جرى في الحكومة السابقة».
مطالب الكتل والنواب
وفي استعراض لأبرز مطالب الكتل والنواب، طالبت كتلة «الوفاء للمقاومة» بـ«وزارة وازنة» وكذلك باعتماد وزارة للتخطيط. وقال رئيس الكتلة النائب محمد رعد لـ«الجمهورية»، لدى سؤاله عن تعليقه على ما نُقل عن رأي الحريري من أنّ «حزب الله» لن يسمّي وزراء له مشمولين في العقوبات الاميركية: «نحن أصلاً لسنا معترفين بالعقوبات، ولن نعترف بحكومة تتعاطى مع العقوبات».
إلى ذلك اعتبر تكتل «لبنان القوي» الذي يجتمع اليوم برئاسة الوزير جبران باسيل أن «لا أحقية لأحد بالتمسّك بحقيبة معينة، وأنه حان الوقت لحصوله على «وزارة المال او وزارة الداخلية الى جانب حقائب اخرى اساسية». وطالبَ بتمثيل الطائفتين العلوية والسريانية في الحكومة وتوزيع الحقائب السيادية على الطوائف الصغرى.
في حين شدّد تكتل «الجمهورية القوية» على «انّ تمثيل «القوات اللبنانية» يجب أن يوازي تمثيل «التيار الوطني الحر»، مُتعهداً بأن يكون «حصة رئيس الجمهورية في الحكومة المقبلة».
من جهتها أصرّت كتلة «التنمية والتحرير» على إعطائها وزارة سيادية، معتبرة أنه يحق لها بـ ٤ وزراء من ضمنهم وزارة سيادية «وهي وزارة المال، إذا كان المعيار أنّ لكل كتلة من ٤ نواب، وزيراً».
واستعجلت كتلة «المستقبل» ولادة الحكومة، وطالبت بأن تكون ثلاثينية.
وفي حين لم تكشف كتلة «اللقاء الديموقراطي» عن مطالبها، مؤيدة تأليف حكومة وحدة وطنية. أكدت كتلة «ضمانة الجبل» من جهتها حقّها في أن تتمثّل في الحكومة بنحو صريح.
وطالبت كتلة «الوسط المستقل» بحقيبة وزارية من دون تحديدها. كذلك طالبت كتلة «الوطن المستقل» بحقيبة اساسية: إمّا وزارة الاشغال وإما وزارة الطاقة أو الاتصالات، وبحقيبة خدماتية اخرى.
وطالبت كتلة «نواب الأرمن» بحكومة من ٣٢ وزيراً تتمثّل فيها الطائفة الأرمنية بوزيرين. واوضحت كتلة نواب «الكتائب» انها ستعقد جلسة أخرى مع الحريري «لأنّ ما يهمها، قبل النظر الى الاشخاص، النظر الى البرنامج والاولويات التي بناء عليها سنتّخذ الموقف المناسب».
السيّد
وفي إطار استشارات التأليف، كان لافتاً لقاء الرئيس المكلّف مع النائب جميل السيّد، الذي اعتبر انّ اللقاء «كان طبيعياً»، مشيراً الى انه تخلله استعراض موجَز عن المحطة الماضية التي طَغت على العام 2005. واشار الى «انّ الحريري أبدى كل تفهّم للمرحلة السابقة والظروف التي رافقتها»، وقال: «الحريري تعاطى معي وكأنه لم يكن بيننا شيء». وطلب السيّد من الحريري أن تُسند حقيبة وزارة العدل إلى فريقه السياسي «كنوع من رّد الاعتبار، ولأنّ هذه الوزارة شهدت تركيب شهود زور».
الراعي ـ ماكرون
الى ذلك، تتجه الانظار الى باريس اليوم حيث يتوّج البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي زيارته لها بلقاء يعقده بعد ظهر اليوم مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في قصر الايليزيه، وُصف بأنه «مهم جداً».
وعلمت «الجمهورية» انّ الراعي يحمل معه ملفاً مكتوباً سيسلّمه الى ماكرون، ويحتوي على مواضيع عدة أبرزها:
• أولاً، العلاقات الفرنسية ـ اللبنانية عموماً والفرنسية ـ المسيحية خصوصاً.
• ثانياً، دور فرنسا في الحفاظ على كيان لبنان في المرحلة التي تَتفتّت فيها كيانات الشرق الاوسط.
• ثالثاً، موضوع النازحين السوريين ودور باريس في معالجة هذا الملف.
• رابعاً، الدور الثقافي والتربوي لفرنسا في لبنان والشرق الاوسط.
وقبَيل سفره الى باريس، اكد الراعي أنّ «لفرنسا والدول في الأسرة الدولية إيماناً بأنّ لبنان يشكل قيمة كبيرة في هذا الشرق، ويقولون انه اذا تمّت حمايته وأصبح قوياً بمؤسساته سيكون مساعداً للسلام، ليس في الشرق فقط وإنما في أوروبا».
وكرّر الراعي دعوته إلى «ضرورة الإسراع في الإصلاحات في القطاعات». وقال: «نصلّي لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون حتى تتحقق أمنياته مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في تأليف الحكومة اليوم قبل غد».
روسيا وإيران
دولياً، برز الى العلن مجدداً الخلاف الروسي ـ الايراني حيال الملف السوري، فبعدما كانت ايران قد أعلنت انه لا يمكن لأحد أن يخرج قواتها من سوريا، وانّ وجودها فيها سيستمر ما دام هناك طلب من الحكومة السورية، وذلك في ردّ منها على روسيا، جَدّدت موسكو امس دعوتها طهران الى سحب قواتها من سوريا، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: «انّ الاتفاق على إنشاء منطقة لخفض التوتر جنوب غربي سوريا نَصّ منذ البداية على أنّ القوات السورية فقط يجب أن تبقى على تلك الحدود»، آملاً في «انسحاب القوات الأميركية من التنف في جنوب شرق سوريا».
إسرائيل
وفي وقت يتوجّه وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان إلى موسكو غداً للاجتماع مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، ومناقشة الوجود العسكري الايراني في سوريا، أشار رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى أنه سيزور أوروبا الأسبوع المقبل، للقاء المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وربما التقى ايضاً رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، للبحث في «صَد الطموحات النووية الإيرانية وصَد التمدد الإيراني في الشرق الأوسط». وقال: «نؤمن أن لا مكان لأيّ وجود عسكري إيراني في أيّ جزء من الأراضي السورية. هذا يعكس ليس موقفنا فحسب، بل يمكنني أن أقول بكل ثقة إنّ هذا الموقف يعكس أيضاً مواقف أطراف أخرى في الشرق الأوسط وخارجه. هذا سيكون المحور الرئيسي للمناقشات التي سأجريها هناك».
* الاخبار
كوابيس الحريري
بات سعد الحريري في الفترة الأخيرة مسكوناً بهاجس التفرد بالزعامة السنية. لهذه الغاية، استبعد كل الرموز «المستقبلية» التي تشكل بالنسبة إليه تهديداً حقيقياً، فيما تمكنت شخصيات سنية من خارج التيار الأزرق من ترسيخ حضورها في الانتخابات النيابية الأخيرة. هي لا تشكّل مصدر قلق للحريري وحسب، بل إنها أقرب ما تكون إلى الكوابيس التي تلاحقه. ففيما هو يتراجع شعبياً، أظهرت الانتخابات الاخيرة تقدم منافسيه، أو على الأقل، ثبات شعبيتهم.
بدافع الحاجة إلى التفاف جمهوره حوله، كان سعد الحريري، في ما مضى، يصّور النواب السّنة الخارجين عنه بأنهم لا يُمثلون «بيئتهم»، وبأن رافعتهم للوصول إلى مجلس النواب ليست سنّية، بل يصلون من خلال تحالفاتهم السياسية، سواء معه أو مع خصومه. قبل تكليفه مجدّداً تشكيل الحكومة، كرّر الحريري النغمة ذاتها. قال إنهم «وصلوا على أكتاف غيرهم». هي نغمة يُمكن تصديقها في زمن القانون الأكثري، فحسب. أما في ظل القانون النسبي، فلا ينفَع تجريدهم من صفتهم التمثيلية، التي كانت جسر عبورهم إلى النيابة.
اختلف مشهد اليوم عن عام 2009. فقد خاض هؤلاء انتخابات السادس من أيار 2018 ضمن لوائح هم كانوا على رأسها، وفازوا بالمقاعد التي كان يستولي عليها تيار المُستقبل بقوة بلوكات القانون الانتخابي الأكثري.
حينَ احتفلَ في بيتِه وبين جمهوره بالنصر – بعد أيام من الانتخابات ـــ لم يقصِد الحريري التعبير عن الفرح بالفوز، إنمّا الفرح بالحدّ من الخسارة. أكثَر تواضعاً من الجميع كان، حين اعترف بأن ثمّة خسارة في مكان ما (يوم أعلن أسماء نوابه الناجحين من وادي أبو جميل). وأكثر واقعية، أيضاً، لم يحسِبها كغيره بعدد المقاعد التي فقدها أو نالها. بل بعدد النواب ـــ الخصوم (تحديداً السنّة) الذين حالفهم الحظ. يشكّل هؤلاء مُثلّثاً سنّياً يربط الشمال بالبقاع، ثمّ الجنوب وبيروت، ويضمّ زعامات مناطقية ستسعى الى تشكيل لوبي ضاغط على رئيس الحكومة في المرحلة المقبلة. هؤلاء سيشكلون كابوساً حقيقياً بالنسبة إليه.
الإيجابية الوحيدة التي يُمكن تسجيلها، هي عدم اضطراره إلى التعايش مع واقع سياسي على يمينه. نجح قبلَ الانتخابات في استبعاد النائب السابق خالد الضاهر، وأُخرج الوزير السابق أشرف ريفي من التركيبة بحكم النتائج. فيما بقيت على يساره، مجموعة سنية من 10 نواب مستقلّة عن الحريرية السياسية.
لا ينضوي أعضاء هذه المجموعة في إطار سياسي موحّد. وليس بالضرورة أن يكون لهم موقف واحد من مجمل القضايا. حتى إن نسب تأثيرهم على الحريري متفاوتة. بعضهم ينضم الى كتل نيابية كبيرة، وبالتالي، لن يكون قادراً على بناء حيثية مستقلّة. كما في حالة النائب قاسم هاشم (كتلة التنمية والتحرير)، والنائب الوليد سكرية (كتلة الوفاء للمقاومة)، والنائب بلال عبد الله (اللقاء الديموقراطي).
بعضهم الآخر، قد يسعى الحريري إلى اجتذابه. أو قد تدخل مساعٍ خارجية (سعودية وإماراتية وربّما مصرية) لخفض منسوب معارضته. فبحُكم التجربة، ثبُت أن فيهم من يُراعي جيداً مصالحه الخارجية، بعيداً عن اعتبارات الداخل اللبناني، والحديث هنا، يعني رئيس حزب الحوار فؤاد مخزومي الذي جهِد لأن يكون على لائحة الحريري في بيروت دون جدوى. بينما يمكن أن يشكل النائب عبد الرحيم مراد حالة فريدة من نوعها، فهو كرس زعامته في البقاع الغربي، من جهة، وله حساباته اللبنانية والعربية من جهة ثانية، ويريد أن يتوازن في صياغة حضور مركب في معادلة البيت السني اللبناني.
هناك مستوى آخر من المعارضة، أكثر إزعاجاً وقلقاً. نموذجه الفاقع أسامة سعد في صيدا وجهاد الصمد في الضنية. لا يتعامل الحريري مع «الأحباش» (عدنان طرابلسي في بيروت) بصفتهم ظاهرة مقلقة حتى الآن، بل قوة يسهل استيعابها. يسري الأمر نفسه على فيصل كرامي. أما نجيب ميقاتي، فهو مصدر قلق متعدد الأبعاد. نال الرجل أصواتاً تفضيلية في طرابلس تضاهي أصوات ثلاثة نواب من المستقبل، فتصدّر الفائزين، حتى إن الحريري نفسه قال بعد زيارته له (جولة رئيس الحكومة المكلف على رؤساء الحكومات السابقين) بأن ميقاتي «هو خير من يمثل طرابلس». للرجل مشروع سياسي يتخطى عاصمة الشمال. يملك شبكة علاقات أخطبوطية من الخليج إلى تركيا والأردن وأوروبا وأميركا، وصولاً إلى علاقة مميزة مع حركة أمل وحزب الله، وعينه دوماً على رئاسة الحكومة. في جيبه ورقة يرفعها دائماً في وجه الحريري، عنوانها إنماء الشمال.
مجرد وجود هذه الكتلة، يعني أن الحريري لم يعُد قادراً على ادعاء أنه الزعيم السنّي الأوحد. لهؤلاء النواب توجهات سياسية بعيدة كل البعد عن المستقبل ومشروعه. لم يعُد الحريري قادراً أيضاً على القول إنهم يأتون برافعات شيعية أو مسيحية. ففي وقت شكّل فيه هو رافعة لكل نوابه، نجحوا هم في حصد أصوات تفضيلية من بيئتهم فاقت أحياناً تلك التي نالها نواب المستقبل.
على سبيل المثال، نال النائب عبد الرحيم مراد 15111 صوتاً، مقابل 8767 صوتاً لمرشّح تيار المستقبل محمد القرعاوي. وقد حل النائب عدنان طرابلسي في المرتبة الثانية (بالنسبة للمقاعد السنية) في دائرة بيروت، بعد الحريري بنيله 13018، وفؤاد مخزومي الثالث (11346 صوتاً). أما في طرابلس، فقد تقدّم ميقاتي على الجميع بحصوله على 21300 (أكثر مما ناله الحريري في بيروت).
هل تفوز الكتلة السنية
المعارضة بمقعدين
في الحكومة الجديدة؟
كان الحريري يتوقّع مثل هذه الخروق، لكنه لم يستطِع تقدير حجمها. حتى إن جزءاً من ترشيحاته حصل على هذا الأساس. لذلك ذهب إلى ضمّ مرشَّحَين سنّة في عكار كانا محسوبين على خصومه تفادياً لأي خرق (وليد البعريني ومحمد سليمان). هنا ثمة من يعتبر أن ضمانة وقوف هؤلاء إلى جانب خياراته الاستراتيجية أمر غير ثابت. الأمر نفسه ينطبق على البقاع الغربي، لجهة ترشيح محمد القرعاوي، مقابل خسارته صديقه المقرب زياد القادري.
خلطَ المشهد الأوراق السياسية، كما التوازنات القائمة. غداة خسارة تيار المستقبل ثلث النواب السنة، وفوز شخصيات أخرى محسوبة على فريق ٨ آذار، أو هي في الوسط، يعني ذلك تقليص تمثيل التيار الأزرق في الحكومة الجديدة، لمصلحة هؤلاء. ففي ظل الحديث عن أن كل أربعة نواب يحق لهم التمثل بوزير في الحكومة، معنى ذلك أن تكتلهم معاً سيحجز مقعدين وزاريين على الأقل، وهو أمر صعب المنال لأنه يصعب جمعهم في إطار واحد أو أكثر، كما كان يأمل بذلك عبد الرحيم مراد.
بعد الانتخابات، يُمكن الحديث عن تعددية في التمثيل السني. هؤلاء يجمعهم عنوان واحد وأساسي وهو الخصومة للحريري، ومواجهته. سيكون هؤلاء بمثابة قوة ضغط على تيار المستقبل. سيذكّرونه كل يوم بأنهم يقاسمونه صحن التمثيل السنّي، وخاصة عند أي استحقاق مفصلي، ولدى حصول أي انقسام عمودي في لبنان.
هذا الأمر سيفرض معادلات جديدة حالما تتغير الأوضاع والظروف الإقليمية. بمعنى أن حزب الله سيكون قادراً على تسمية أي شخصية سنية يجتمع على تأييدها هؤلاء، ولن يكون هناك إمكانية لنزع صفة التمثيل الشعبي أو الشرعية السنية عنها. صحيح أن الحريري لا يزال حتى الآن هو المرشّح الأوفر حظاً لترؤس حكومة ما بعد الانتخابات، لكن في حال سقوط التسوية واستبعاد الحريري، وتغيّر المعطيات، فلن يكون بإمكانه الخروج معلناً أن من يسمّى وفق الأكثرية لتولي رئاسة الحكومة، لا يمثّل البيئة السنية، لأن هؤلاء وصلوا إلى مجلس النواب بناءً على انتخابات وفق القانون النسبي، وهذا يعني أنهم يمثلون بيئتهم.
الخسارة الموصوفة
تشير أرقام انتخابات عام 2009 إلى أن التصويت السنّي كان لا يزال في أوجه، ومردّ ذلك إلى جملة أسباب، أهمّها التأييد الكبير الذي كان يتمتّع به الرئيس سعد الحريري شخصياً ومن ثم تياره. وهذا الواقع بدأ يتبدّل تدريجياً منذ عام 2012، وبلغ ذروته في السنوات الأخيرة، حتى تُرجم في صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة. ففي مقارنة بين أرقام 2009 و2018، يتضّح حجم التراجع في العاصمة. فقد نال مرشّح تيار المستقبل آنذاك الوزير نهاد المشنوق في دائرة بيروت الثانية 16.583صوتاً، حيث بلغت نسبة الاقتراع 27.3 في المئة، إذ كانت تسوية الدوحة تشمل انتخابات هذه الدائرة التي لم تشهد معركة تُذكر. أما في بيروت الثالثة فقد حصد الحريري 78.382 صوتاً من أصل 103.243 مقترعين (الفائز الأخير على لائحته نال نحو 76 ألف صوت). بحسبة بسيطة، فإن الدائرتين الثانية والثالثة، اللتين باتت غالبية أحيائهما تشكل دائرة بيروت الثانية في انتخابات 2018، سجّلتا أكثر من 92 ألف صوت للائحة تيار المستقبل وحلفائه عام 2009، في مقابل 62 ألف صوت حصلت عليها لائحة «المستقبل» هذا العام. وبالتأكيد، لا يمكن إحالة التراجع بنحو 30 ألف صوت في العاصمة إلى الجماعة الإسلامية التي كانت متحالفة مع الحريري قبل 9 سنوات، إذ لم ينل مرشحها، عماد الحوت، سوى 3938 صوتاً في أيار 2018. هذه الخسارة الحريرية الموصوفة، قابلها تقدّم خصومه السنّة، أو على الأقل، ثباتهم على ما كانوا عليه. هنا تحديداً يكمن شعور الحريري بالقلق.
الحريري رئيساً مكلفاً: ثمن الانحناء أمام العاصفة
بين المرة الأولى رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة عام 2009 واليوم، الفروق أكثر من أن تحصى أمام الرئيس سعد الحريري، أبرزها أنه في المحاولة الثالثة ليس الرجل نفسه ما كان في المرة الأولى. لم يعد يُعرف حلفاؤه الأولون ولا خصومهم الحاليون
خرج الرئيس سعد الحريري من انتخابات حزيران 2009 رئيس الغالبية النيابية التي قبضت عليها قوى 14 آذار، والزعيم الوحيد للسنّة في لبنان، وقائد تيار سياسي أضحى الكتلة النيابية الكبرى في البرلمان لم تتح لأي من أسلافه على مرّ تاريخ هذا البلد بمَن فيهم والده الراحل. مع أن الواجهة كانت للرئيس فؤاد السنيورة ما بين عامي 2005 و2009، إلا ان الحريري الابن استحوذ المرجعية الأصل ليس في تياره فحسب، بل أيضاً في فريق 14 آذار. من السهولة بمكان تلمس دوران وليد جنبلاط وحزب الكتائب والقوات اللبنانية في فلكه.
أكثر من أي وقت مضى مرّ فيه الرئيس رفيق الحريري، بما في ذلك وصوله للمرة الأولى إلى رئاسة الحكومة عام 1992 واكتساحه بيروت في انتخابات 2000 بتوجيهه ضربة قاسية إلى عهد الرئيس اميل لحود، أعطت انتخابات 2009 الحريري الابن ما لم يخطر في مخيلة أحد قبله. بالكاد انقضت ثلاثة شهور على بدء المحكمة الدولية أعمالها في الأول من آذار، وكانت حينذاك جزءاً لا يتجزأ من معادلة القوة والسلطة في الداخل. مع كل فائض القوة ذاك، وجد نفسه يعتذر عن تكليفه تأليف الحكومة الجديدة جراء شروط الحلفاء والخصوم. أعيد تكليفه بعد 80 يوماً، ولم يتمكن من إبصارها النور إلا بعد أربعة أشهر و13 يوماً، فأُعلنت من الرابية لا من قصر بعبدا، وحازت معارضة خسرت الانتخابات النيابية الثلث +1 في نصاب مجلس الوزراء. كان الأول منذ اتفاق الطائف يدفع ثمن هذه المادة في الدستور، إذ يُسقط الثلث +1 الحكومة، ويطيح رئيسها زعيم طائفته ورئيس الغالبية النيابية.
ليس بين يدي الحريري الحالي شيئاً من ذلك كله، وهو يُدعى اليوم إلى تأليف ثالثة حكوماته: ليس زعيم السنّة الوحيد بعدما خذله ناخبوه، فأضحى ثلثهم في كنف الفريق الآخر. ليس رئيس غالبية نيابية صارت بين يدّي الثنائي الشيعي وحلفائه. لم يعد بالتأكيد رئيس التكتل النيابي الأكبر عدداً بتدني أعضائه من 34 إلى 20، بعدما اكتشف الاهتراء في تيار المستقبل وأنزل من مركبه وجوهاً صنعت مرحلة ما بين 2005 و2018. أقصى الذين لازموه غرفة قراراته وأسراره حتى.
الرجل لم يعد نفسه أمام أكثر من امتحان، أوشك أن ينهار تحت وطأته. أولاها محنة 4 تشرين الثاني 2017 واحتجازه في السعودية، وإصراره على كتم حقائقها مع أن صديقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جزم بـ«توقيفه» في المملكة وإنجاده له. لم يسعه العثور على مخرج لاستقالته يومذاك لولا رئيس الجمهورية ورئيس المجلس. خرج من انتخابات 2018 منهكاً بنتائجها. ربح نصف بيروت ونصف طرابلس ونصف صيدا ـ مسقطه ـ ونصف البقاع الغربي، بينما آل النصف الثاني فيها إلى خصومه الألداء. افتقر إلى حلفائه القدامى، فلم يجد أمامه سوى الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي.
بل قد يكون المشهد الذي أبصر الرئيس المكلف نفسه فيه البارحة، ولم يكن يتوقع أن يمتحن ذاته فيه، ولا أن يهضمه حتى: أن يستقبل نائباً قال عنه تياره إنه يساوي 127 نائباً، هو النائب اللواء جميل السيّد الذي قال أمس إن الحريري اجتمع به كأنما لا ماضي بينهما. الواقع لكليهما أن ماضيهما، واحدهما في مواجهة الآخر ثقيل للغاية، هو توقيف المدير العام السابق للأمن العام أربع سنوات قبل إطلاقه من المحكمة الدولية بريئاً، مما ساقه إليه الحريري وحلفاؤه في قوى 14 آذار بتهمة ضلوعه في اغتيال والده.
يتقاسم الحريري الابن
وجنبلاط الابن
فكرة الانحناء للعاصفة
ربما من غير أن يعرفا، ثمة ما يجمع الحريري الابن بجنبلاط الابن، ويفرّقهما أكثر مما هو متوقع عن جنبلاط الأب والحريري الأب، هو أن الابنين ـ خلافاً للأبوين ـ ينحنيان للعاصفة. انحنى وليد جنبلاط لها أكثر من مرة: حينما زار دمشق بانقضاء أربعين اغتيال والده هي المتهمة بأنها الجاني، ثم تحوّله إلى حليفها القوي فمنحته عام 1983 حرب الجبل. انحنى مجدّداً للعاصفة بعيد انتخاب الرئيس اميل لحود وسلّم بالتخلي عن مفاتيح قصر بيت الدين ومكتبة بعقلين وثكنه العسكرية، ثم خبر قرار منع دخوله سوريا عام 2001 قبل أن يتصالح مع اللواء غازي كنعان ويزوره. ثم كانت انحناءة رابعة للعاصفة بمصالحته نظام الرئيس بشار الأسد بعد نعوت 2005 واتهامه إياه باغتيال الرئيس السابق للحكومة إلى حد الاعتذار العلني. لم يمرّ جنبلاط الأب باختبارات كهذه ما خلا اثنين كافيين لإبراز وقوفه في وجه العاصفة: قيادته «ثورة 1958» ضد الرئيس كميل شمعون فلم يتخلّ عن السلاح إلا للرئيس فؤاد شهاب بعد انتخابه، ورفضه دخول الجيش السوري إلى لبنان عام 1976 إلى أن خسر قبالته المعركة العسكرية فانكفأ إلى قصر المختارة قبل أن يدفع حياته ثمن العناد.
الحريري الابن أيضاً، على طرف نقيض من والده، تدرّب على الانحناء للعاصفة.
مرتان أوشك الحريري الأب أن يشعر بالهزيمة إلا أنه تداركها فتجنبها: عام 1998 عندما أبعده لحود عن رئاسة الحكومة، وعام 2004 عندما استبق تكرار المحاولة مرة أخرى فأخرج هو نفسه سلفاً من السرايا. في أي منهما لم ينحنِ للعاصفة. كان يكفي أن يقول على مر سني عهد الرئيس الياس هراوي إنه يعتكف كي يستنفر المسؤولين السوريين للتوسط لديه، وإعادته إلى السرايا. بذلك لم يُقل مرة عنه أنه هُزم، وإن لم يربح كل حروبه الصغيرة وجهاً لوجه مع هراوي وبرّي.
ليس الحريري الابن كذلك، فلم يُقم في صورة الأب: كان أول رئيس حكومة يُسقطه الثلث +1 في إحدى أقوى لحظات قوته عندما يُستقبل في البيت الأبيض، وأول مرشح لرئاسة الحكومة ـ هو الزعيم الوحيد المفترض للسنّة ـ يخسر أصوات الغالبية النيابية لتكليفه تأليف الحكومة أمام الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011، فلم يتردد في إشعال طرابلس وبيروت احتجاجاً على الهزيمة. سرعان ما تهادنا في الانتخابات البلدية عام 2016، وها هما يتصالحان في الاستحقاق الحالي للحكومة. اتهم سوريا بقتل والده، ثم قادته السعودية إلى مصالحتها عام 2009 قبل أن ينقلب عليها مجدّداً عام 2011. كرّت سبحة الانحناءات أمام عواصف تارة باردة وطوراً ساخنة: جلس مع حزب الله الذي يتهمه باغتيال والده وعدّه شريكه في إشاعة الاستقرار وسلّم له بأن سلاحه إقليمي فحسب. ذهب إلى انتخاب الرئيس ميشال عون بعدما تيقن من أنه بابه الوحيد إلى السرايا. سلّم بفرض استقالته عليه من الرياض، ثم كان الثمن المكلف في انتخابات 2018.
المصدر: صحف