من المعروف أن العلاقة بين البيت الأبيض والإعلام لم تكن وردية على مدى تاريخها، وكانت أسوأ محطاتها في عهد الرئيس الأمريكي السابق “ريتشارد نيكسون”، إذ أسفرت تحقيقات صحيفة “واشنطن بوست” عن تقديم الأخير استقالته عام 1974 قبيل إنتهاء مدة ولايته الثانية إثر اتهام حزبه الجمهوري بالضلوع في أعمال غير مشروعة كالتنصت على المكالمات الهاتفية في ما عُرف إعلامياً بـ “فضيحة ووترجيت”.
لكنَّ التراشق بالاتهامات بين الإعلام والبيت الأبيض لم يضاهِ يوما ما يحدث الآن في عهد “ترامب”، حيث أن “نيكسون” كان يصرح ويقول إن”الإعلام عدو لنا” أي يقصد الإدارة في البيت الأبيض أما “ترامب” فيقول اليوم ان “الإعلام عدو الشعب”.
السيناتور فليك : اعمال ترامب مصدر كبير للعار
السيناتور الجمهوري البارز، جيف فليك، النائب عن ولاية أريزونا، اعتبر أن عبارة ترامب”الإعلام عدو الشعب” يجب أن تكون “مصدرا كبيرا للعار” بالنسبة لمجلس الشيوخ وأعضاء الحزب الجمهوري.
وقال فليك، الذي أعلن أنه لن يسعى إلى اعادة انتخابه في عام 2018، إنه سيستخدم الوقت المتبقي في مجلس الشيوخ للتحدث ضد الرئيس حسبما يرى ذلك متاحا.
ترامب والإعلام: حربٌ لا تنتهي
يشير الكاتب الصحافي في صحيفة نيويورك تايمز “مايكل وولف” في كتابه “النار والغضب ” إلى أنَّ ترامب على عداءٍ مع وسائل الإعلام كافة، ذاكرًا حادثة قناة “سي إن إن” واتهام ترامب للوكالة بالترويج للأخبار الكاذبة، مُضيفًا أن استخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي ورده على وسائل الإعلام يتم بطريقة صادمة للعامة، إذ لم يستطع بعدها حتى موظفوه المقربون الدفاع عنه، وهو ما كان في رأي مستشاره السابق بانون مؤشرًا لأنه لم يتغير أبدًا، ومُشيرًا إلى أن وسائل الإعلام لم تحب ترامب يومًا، ولن تحبه، وهو شيء غير هام بالنسبة إلى أنصار ترامب، وما تم فعله بشأن هذا من مستشاريه هو محاولة لاحتواء أسلوب ترامب الهجومي، وهو بحسبه، أفضل كثيرًا من محاولة تأهيله للحديث مع الإعلام.
وبدوره قال بانون إن “ترامب لا يلتزم بنص معين”، مُشيرًا إلى أن عقل ترامب لا يعمل بهذه الطريقة العقلانية، لافتا إلى أن ترامب يعلم جيدًا أنه لن يحصل على دعم وسائل الإعلام، وهو ما يدفعه في الأساس إلى معاداتهم.
وبشكل عام لم تسلم وكالة إخبارية كبرى في الولايات المتحدة من اتهام ترامب لها بفبركة الأخبار بحقه على سبيل المثال لا الحصر : “أن بي سي”، “سي أن أن”، “نيويورك تايمز”، “الواشنطن بوست”، “إي بي سي”، “سي بي أس”، “أم أس أن بي سي”، كلّها وسائل إعلام ألحقها ترامب بعبارته الشهيرة “Fake news”، أو “أخبار زائفة”.
وكتب ترامب في إحدى تغريداته “تُعَطى المعلومات لنيويورك تايمز وواشنطن بوست الفاشلتين من أوساط المخابرات… الفضيحة هنا هي أن المخابرات تقدم المعلومات السرية بشكل غير قانوني وكأنها توزع قطع الحلوى”.
وردت تلك الصحف والقنوات عليه، من خلال تقارير لاذعة وناقدة في مختلف الزوايا .
فمثلا بعض الشبكات، كـ”سي بي أس”، “سي أن أن” و”أم أس أن بي سي”، قرّرت عدم تغطية الحملة الانتخابية لترامب في انختابات عام 2020، أما مجلّة “نيوزويك” تفوّقت على منافسيها بقصف جبهة ترامب حيث أفردت غلاف صفحة لترامب يظهر فيه جالساً على أريكة يشاهد التلفاز بثياب متسخة حوله أكياس رقائق البطاطا مع عنوان للغلاف “صبي كسول”.
وتتحدث المجلّة خلال تقرير لها كيف يقضي الرئيس الأميركي وقته بحسب مصادرها، فتقول إنه يمضي أكثر من 5 ساعات وهو يشاهد التلفاز، مضيفةً أنه زار خلال أشهر عدة بعد تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة نادي غولف أكثر من 40 مرّة.
وطلبت المجلة في إحدى مقالاتها من الجمهور عدم إخبار ترامب عن ميزة “تويتر” الجديدة، التي زادت عدد الأحرف المسموح به لكل تغريدة، وذلك خوفاً من الأضرار التي ستلحق بالولايات المتحدة إذا ما استخدم ترامب هذه الميزة الجديدة في تغريداته، على حد تعبير المجلّة.
ترامب الحسّاس: يتأثر نفسيًا بسخرية الإعلام منه!
ما انفك ترامب يشن حملاته الهجومية ضد جميع وسائل الإعلام التي تهاجمه، قائلًا إنهم لطالما بثوا “أخبارًا كاذبة 100%”، وكانوا يخترعون قصصًا وهمية، مؤكدًا أن جميع الرؤساء الأمريكيين لم يتعرضوا لمثل هذا الهجوم من قبل وسائل الإعلام المختلفة، حتى الرئيس الأمريكي نيكسون، لم تصل مرحلة الهجوم عليه لهذه الدرجة، كما يقول ترامب.
وتحدَّث ترامب بإسهاب أيضًا عن البرنامج الساخر SNL، مؤكدًا أن ما يفعلونه هو مجرد “كوميديا تافهة”، وأن سخريتهم منه لا تضحك الشعب الأمريكي، بل إنها تحزنهم، وتؤذيهم. وأضاف كتاب النار والغضب أن ترامب في نفس اليوم الذي منع فيه العمال المكسيكيين من دخول الولايات المتحدة، قد وفّر بذلك 700 مليون دولار سنويًا كانت تهدر عليه، كما وفّر بهذه الخطوة ملايين الوظائف للشعب الأمريكي، كانت وسائل الإعلام تسخر منه .
على ما يبدو ان الحرب مستعرة بين ترامب والإعلام الأميركي ويبدو انها معركة كسر عظم وتصيّد أخطاء وهجوم وردّ، ومع تعثر التصريحات الرئاسية المستمرة المنقلبة على المتعارف عليه في السياسة والزلات والهفوات في ظل انخفاض شعبيته بصورة غير مسبوقة والاتهامات الموجهة إليه، يبقى السؤال هل يصمد ترامب في البيت الأبيض ؟ .
المصدر: كتاب النار والغضب ووكالات