قبل بزوغ الفجر، خرجوا كالشمس من رحم الليل، أفواجًا تحمل أرواحها على الأكفّ، تسير بخطى من نقشوا قسم الوفاء في أعماقهم. تدفّقوا كنهر يسير إلى مصبّه، وقفوا كما يتشبّث السنديان بجذوره، لوحوا كالصفصاف مودّعًا أحبّته في الريح.
تصوير : حسين علامة
لم تكن المدينة الرياضية في بيروت مجرد ساحة، بل محرابًا تجلّت فيه معاني العشق الأبدي، حيث ارتفعت الأرواح قبل الأيدي، وهتفت القلوب قبل الحناجر، في وداعٍ يليق بمن رفعوا أعمدة الكرامة وشادوا من دمائهم قباب النصر.
العيون كانت شاخصة على سيد شهداء الأمة معزّ المؤمنين وصفيه الهاشمي،قائد المقاومة الذي أطلق فجره الأخضر في أيامنا، من رسمته الأرض على معصمها،وفي كل خطوة، تحسّ بأثره، وعده الذي زرع الأجيال بالأمل وفمه الذي أضاء الكلام، فأصبح فصل الخطاب،الدرب الذي لا يضل، والوعد الذي لا يتبدّد.
تصوير : أحمد رغدا
كالبحر في مدّه العظيم، تدفّقت الجموع، فغصّت بهم الطرقات حتى ضاقت، واستحالت الساحات أمواجًا لا تهدأ. لم يكن المشيّعون أعدادًا، بل جسدًا واحدًا، نبضه يهتف باسم من جعلوه قبلةً لحبّهم، ورايةً لعزتهم، ونورًا لطريقهم الممتدّ حتى القدس.
“سلامٌ عليك يوم وُلدتَ، يوم واجهتَ، يوم صمدتَ، ويوم ارتقيتَ نجمًا لا يأفل”.. هكذا كان الوداع، عيون وقّادة أبت أن تنطفئ، وأصوات تشقّ السماء، وقسمٍ يُكتب بمداد الدم: “لن تسقط الراية”.
نهر الجموع المندفع لم يكن يسير نحو نهاية، بل نحو بداية متجددة، نحو عهد يزهر من كل قطرة دم سالت، ليؤكّد أن الشهداء لا يموتون، بل يعودون ورودًا وجذورًا تتغلغل في الأرض، وأجنحة حرية وكرامة تحلّق في سماء القضية.
تصوير: علي متيرك
في بيروت وضاحيتها الجنوبية، كما في كل زاوية في الوطن، كان الوداع صرخةً تهزّ أركان العدو: “هيهات منا الذلة”، مؤكدةً أن هذا الشعب، بعد التشييع، سيخرج أكثر عزماً وصلابة من أي وقت مضى.
المصدر: موقع المنار