في الثاني من تشرين الثاني /نوفمبر 1917، قال وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور، إن حكومته “تؤيد إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”، وبعدها بعام إحتل الإنكليز فلسطين ووضعوها تحت الإدارة العسكرية .
هذا الوعد التاريخي الذي فتح الأبواب أمام الهجرات اليهودية إلى أرض فلسطين،أدى إلى زرع كيان غريب في المنطقة وترسانة أسلحة وكتلة بشرية دائمة وذراع للغرب في الشرق الأوسط ، وكل الحروب التي حصلت لاحقا كانت تدور في رحى هذا الوعد المشؤوم .
وعد بلفور أسس لنمط عنصري في العالم، وشرع الأبواب أمام شرعنة التطهير العرقي في السياسة الدولية عبر اقتلاع شعب من أرضه وإحلال آخر مكانه، وليس من قبيل الصدف انتشار جرائم التطهير العرقي في أكثر من مكان فى هذا العالم اليوم مثل ما يحدث في ميانمار أو كما قامت به داعش في المنطقة.
اذاً فمنذ هذا الوعد والحروب والازمات تعصف بالمنطقة على رأسها المذابح والمجازر التي اتركبتها العصابات الصهيونية بحق الفلسطينيين واللبنانيين، فضلا عن الحروب الإسرائيلية مع الجيوش العربية واحتلالها اراض عربية وصولا الى الاجتياح الاسرائيلي للعاصمة اللبنانية. وبعدها الاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين واللبنانيين وصولا الى عدوان تموز 2006 والعدوان على غزة 2014.
كل هذا كان بالمباشر اما في غير المباشر فقد لعب الكيان الغاصب دورا محوريا في الحرب المفروضة على إيران من قبل صدام حسين ولاحقا موجة الشرق الاوسط الجديد ونغمة ما يسمى بالربيع العربي، وممارسة “لعبة الفوضى والتفكيك” كاستمرار للميراث السياسي والعسكري ، وهذه اللعبة تتحرك على شكل حروب متلازمة من الاحتلال والغزو المباشر، إلى تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية، وبالتالي إلى الدفع باتجاه الحروب الأهلية المفتوحة.
فما يحصل اليوم من سيطرة القوات الاميركية على الشمال الشرقي من سورية ودفع قوات سورية الديموقراطية (قسد) للسيطرة على بعض المناطق وكان آخرها مدينة الرقة هو محاولة ايضا لتغيير وجهها العربي، بعد ان فشل المشروع الأساسي الذي كان يقضي بتفتيت سورية إلى دويلات مذهبية وعرقية .
والتجلي الابرز تمثل في محاولة انفصال كردستان العراق في نموذج شبيه بما حصل في فلسطين المحتلة وكذلك ما يحدث في ميانمار من اضطهاد للوجود المسلم هناك وجه من وجوه ” لعبة الفوضى والتفكيك” .
وامام ” وعود بلفورية ” متعددة في اكثر من اتجاه في المنطقة اميركية واسرائيلية وخليجية ايضا كان محور المقاومة من لبنان وصولا إلى إيران مرورا بسورية والعراق يعمل على التخلص من لعنة بلفور ومفاعيله. اذ استطاع ان يهشم ويفشل أي بلفور آخر يحضّر للمنطقة، من خلال الانتصارات التي حقّقتها المقاومة في لبنان عام 2006، وفي فلسطين عام 2009 و 2014 ، والإنتصارات الأخيرة في سورية والعراق التي ضربت الإرهاب وسحقته عطلت المشاريع والمخططات التفكيكية والتقسيم والسيطرة على مقدرات المنطقة .
اذاً كل ما تشهده المنطقة اليوم من تراجيديا هو نتيجة الطمع الغربي والتآمر ولغة المصالح ، وما وعد بلفور الاول إلا وجه الإستعمار القبيح المتوحش، وإنتكاسة الإنسانية وباب لسفك الدماء والمعاناة لكن هذه المرة بطعمة اميركية اسرائيلية.
المصدر: موقع المنار