القى النائب ياسين جابر في جلسة مناقشة الموازنة مداخلة جاء فيها: “بعد احد عشر عاما من الغياب، تعود الموازنة العامة لتتصدر نقاشات المجلس النيابي، كما كان يحصل في الماضي وكما ينص الدستور وكما يجب ان تكون الامور. فالمجالس النيابية تاريخيا انشأت لكي تقر الموازنات وتراقب تطبيقها وذلك لأجل الحد من قدرة السلطة التنفيذية على التصرف بالمال العام من دون ضوابط او قيود او رقابة.
للأسف هذا ما حصل في لبنان خلال السنوات الاحدى عشر الماضية، غابت الضوابط وغابت الرقابة بسبب الوضع السياسي الذي سمح بتلكؤ بعض الحكومات بإرسال موازنات والذي عطل لفترات طويلة دور المجلس النيابي، مما اوصلنا الى وضع مالي صعب بلغت فيه نسبة الدين العام حوالي 150% من الناتج المحلي، واخذت خدمة هذا الدين تأكل الاخضر واليابس من مداخيل الخزينة وتدفع بالعجز المالي صعودا حتى تجاوز العجز المقدر للموازنة التي نحن بصدد اقرارها، سبعة آلاف ومايتان وتسعة وثمانون مليار ليرة لبنانية، وقد يتجاوز العجز المحقق فعليا هذا السقف في نهاية هذا العام.
للحقيقة لقد صدمتنا هذه الارقام عند وصول موازنة 2017 الى لجنة المال والموازنة، وبدا واضحا لدينا خطورة الاوضاع المالية التي يعيشها لبنان، ولذلك تركز معظم النقاش في لجنة المال والموازنة مع الوزارات المعنية حول كيفية خفض الإنفاق. للأسف لم يكن هذا الامر بالسهل لأن الموازنة اتت متأخرة اشهرا عن موعدها وها نحن نجتمع لإقرارها والسنة المالية تشرف على الانتهاء. وبما ان الإنفاق خلال هذا العام كما في الاعوام السابقة التي غابت فيها الموازنات كان يجري على اساس الاثنا عشرية فواقعا ان معظم الاموال المذكورة في هذه الموازنة قد تكون انفقت من دون ان تنتظر اقرار هذا الانفاق من قبل المجلس النيابي.
لكن دولة الرئيس هذا لا يلغي ابدا اهمية اقرار هذه الموازنة كخطوة اولى لأجل العودة الى الانتظام المالي العام وارسال اشارة واضحة وصريحة الى كل المراقبين من منظمات ومؤسسات دولية عن نية لبنان الجدية في العودة الى هذا الانتظام. ويسجل لهذه الحكومة انها قامت وخلال الاشهر الاولى من عمرها بإرسال موازنة الى المجلس النيابي بعد ان فشلت حكومات سابقة عديدة في تحقيق هذا الانجاز، علما وانه حسب علمنا كان وزراء المالية في الحكومات السابقة يقومون بتقديم مشاريع الموازنة الى حكوماتهم، لكن للأسف كانت هذه الحكومات اما تهمل اقرارها او ان الظروف السياسية عطلت امكانية هذا الاقرار.
اما بالنسبة للنقاش حول قطع الحساب، فبالتأكيد ان وجود قطع الحساب امر مهم وشرط دستوري ولكن ما نسعى اليه اليوم هو وقف الفلتان في الإنفاق مستقبلا من خلال اقرار موازنة من دون التخلي عن مطلب قطع الحساب وحق المحاسبة عن الماضي.
دخلنا في هذا النقاش في عام 2010 فكانت النتيجة 7 سنوات اضافية من غياب موازنة وفلتان مالي استمر كل هذه المدة.
نأمل ان يكون عام 2018 هو العام الذي نضع فيه نهاية لهذا المسلسل المؤلم مع انتهاء اعداد الحسابات وتحضير قطع حساب نهائي لكل السنوات الماضية.
لن ادخل في مناقشة تفاصيل الموازنة، وهي على كل حال موازنة مجال التحرك فيهامحدود كون الجزء الاكبر منها مخصص للرواتب والمصاريف وخدمة الدين والجزء الاستثماري فيها بسيط. ولقد تم عرض هذه التفاصيل في تقرير لجنة المال الذي اعطى صورة واضحة عن كافة المواضيع التي نوقشت والتعديلات التي ادخلت على الموازنة، والاهم من التقرير هو لائحة التوصيات التي قدمتها لجنة المال والتي اضاءت على الكثير من مكامن الهدر في الموازنة والتي من الضروري معالجتها وضبطها وفرض سياسة التقشف على كثير من بنود الموازنة, وبإعتقادي انه من الضروري والملح ان تأخذ بها وزارة المالية عند اعداد موازنة 2018 وقد وعد وزير المالية مشكورا بذلك.
وبمناسبة الحديث عن اعداد موازنة 2018، اود ان اضيء على موضوع المساهمات المخصصة للمؤسسات العامة والمجالس وغيرها من الهيئات والتي تبلغ مئات المليارات والتي ترد في الموازنة موصوفة ببضع كلمات مختصرة كمثل مساهمة الى … او انشاءات اخرى او صيانة اخرى. ان هذه المساهمات يجب ان تخضع لتدقيق لجنة المال والمجلس النيابي، لذلك المطلوب في موازنة 2018 ان ترفق موازنة تفصيلية لكل هيئة او مجلس او مؤسسة مع الموازنة العامة حتى نستطيع التدقيق في ما نوافق عليه من مخصصات ومساهمات علما انه قانونا يجب ان يكون هناك موازنات مدققة من مدقق حسابات خارجي.
امر آخر سبق ان تحدثنا عنه ولم يعالج بعد هو موضوع العاملين في الادارات والمؤسسات تحت بند UNDP . ليس من المعقول ان يتولى مسؤوليات هامة في الادارات الرسمية موظفين ليس لديهم عقد رسمي مع الدولة اللبنانية بل ان عقدهم هو مع الـ UNDP، بينما تدفع الدولة رواتبهم. نحن نطالب بأنه اذا كان لا بد من وجودهم فليتم اتخاذ قرار بالتعاقد معهم مباشرة لأجل ان يكونوا مسؤولين امام اداراتهم ومؤسساتهم وخاضعون للثواب والعقاب. كذلك الامر بالنسبة للعاملين بالفاتورة ويتولون مواقع حساسة في بعض الوزارات الهامة.
دولة الرئيس، لعل اهم التوصيات التي قدمتها اللجنة هي بإعتقادي ضرورة العمل على تخفيض عجز الموازنة. وقد تقدمت اللجنة بإقتراحات محددة لبعض التخفيضات في نفقات موازنة عام 2017 وهي ليست وفر بل تخفيض عجز ونأمل ان نتمكن من تحقيق هذا الخفض عند اقرار هذه الموازنة من قبل هذا المجلس الكريم. اما الامر الآخر الملح برأيي هو ان تقوم هذه الحكومة بإرسال مشروع موازنة 2018 الى هذا المجلس في اقرب فرصة ممكنة حتى يكون هناك جدوى من دراستها وإقرارها وفرصة حقيقية لأن تلتزم الحكومة بالسقوف المالية التي يحددها المجلس النيابي.
موضوع تخفيض العجز هو ليس فقط اولوية لنا في لجنة المال والموازنة، فقد اوصى بذلك صندوق النقد الدولي في تقريره الاخير وكذلك خلال زيارة ممثليه الى لبنان خلال شهر ايلول الماضي. كما ان مؤسسات التصنيف الدولية تراقب عن كثب هذا العجز وسوف تبني قراراتها بشأن تصنيف الدين السيادي اللبناني على ما يحدث بالنسبة الى هذا العجز. وعلينا الانتباه جيدا وبدقة الى ما يعنيه تخفيض تصنيف الدين السيادي الذي كنت انت يا دولة الرئيس قد حذرت منه في الاسبوع الماضي خلال اقرار قانون الضرائب لأن له علاقة بأوضاع المصارف اللبنانية نظرا الى الحجم الكبير من الدين السيادي الذي تحمله هذه المصارف في موازنتها، لذلك اشدد مرة اخرى على اهمية ايلاء خفض عجز الموازنة في لبنان اهمية قصوى. واريد هنا ان احذر من استمرار الاعتقاد بأن السياسة النقدية وما يقوم به مصرف لبنان من خطوات وهندسات ممكن ان تسمح لنا بالإستمرار بما نقوم به من اهمال للإصلاح المالي وللخطوات الحقيقية والضرورية التي يمكن ان تساعد في تخفيض العجز المالي.
دولة الرئيس، لأجل تخفيض العجز جديا لم تعد تنفع المسكنات فنحن بحاجة الى اصلاح حقيقي، وطبعا عندما نتحدث عن الاصلاح أضم صوتي الى كل المطالبين بمحاربة الفساد والحد من الهدر وذلك بالطبع يصبح ممكنا اذا التزمنا بتوصيات لجنة المال بالنسبة للهدر واذا قمنا بتفعيل المؤسسات الرقابية وحرصنا على التقيد بالقوانين وفي مقدمتها قانون المحاسبة العمومية والالتزام بإجراء المناقصات الشفافة. وواقعا اول المطالبين بالتقيد بهذه المبادئ هو مجلس الوزراء الذي يجب عليه ان يكون اول من يحترم المؤسسات الرقابية ويعزز دورها ويلتزم توصياتها وخاصة بما يخص دفاتر الشروط وإجراء المناقصات. وبمناسبة الكلام عن الرقابة، لقد كان محبطا لنا ان يقوم مجلس الوزراء وقبل ايام من اقرار الموازنة بالموافقة على اعطاء سلفة خزينة الى وزارة الاتصالات. انها رسالة سلبية موجهة الى رقابة المجلس النيابي وتضعف الامل بأي جدية في مقاربة موضوع الالتزام بسقوف الانفاق.
لأجل ذلك، دولة الرئيس، برأيي المتواضع، نحن بحاجة الى اكثر من اصلاح عادي، نحن بحاجة الى اصلاح بنيوي Structural Reform. والمؤسف والمبكي في بعض الأحيان ان القوانين الضرورية لأجل إجراء هذا الاصلاح موجودة منذ سنوات طويلة ولسنا بحاجة الى تشريعات جديدة وهذه القوانين هي من ضمن لائحة الــ 37 قانون التي قمت يا دولة الرئيس بتسليمها الى فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس الوزراء خلال اللقاء التشاوري الذي عقد في القصر الجمهوري منذ عدة أشهر؛ كما كنت يا دولة الرئيس قد سلمتها لمن سبقهم.
لقد بذل المجلس النيابي برئاستكم يا دولة الرئيس جهودا كبيرة عبر السنوات الماضية لأجل اقرار هذه القوانين ولكن للأسف تتمنع السلطة التنفيذية عن تطبيقها ووضعها موضع التنفيذ مخالفة بذلك المادة 65 من الدستور.
في مقدمة هذه القوانين الاصلاحية دولة الرئيس تلك التي تتعلق بقطاع الكهرباء. ولقد أصبح معروفا أن هذا القطاع وعبر السنوات الماضية هو من أكبر مسببات عجز الخزينة. ففي موازنة سنة 2017 يقدر عجز الكهرباء بحوالي 2200 مليار ليرة أي حوالي ثلث عجز الموازنة برغم أسعار المحروقات المتدنية نسبيا علما أن المواطن اللبناني يعاني من تردي هذه الخدمة في مختلف المناطق اللبنانية ولا لزوم لذكر معاناة المواطنين من هذا القطاع فهي مدار حديث كل مواطن وكل أسرة.
وحقيقة ان ما يجري في هذا القطاع سوريالي. فإضافة الى عدم الالتزام بالقوانين الصادرة عن المجلس النيابي والتي يجب ان توضع موضع التنفيذ هناك تمنع عن الالتزام بالقوانين النافذة والقائمة منذ عقود. فأين مجلس ادارة كهرباء لبنان وأين استقلالية هذه المؤسسة وأين الالتزام بأصول الوصاية على المؤسسات العامة بموجب المراسيم النافذة.
ان الخطوات الإصلاحية الحقيقية في هذا القطاع يجب أن تبدأ بتعيين مجلس ادارة لهذه المؤسسة وأيضاَ تعيين الهيئة الناظمة للقطاع، أسوة بما فعلنا في قطاع النفط (وقد ثَبُتَ انها تجربة ناجحة)، واطلاق عملية تشركة مؤسسة كهرباء لبنان حسب ما نص قانون رقم 462 تاريخ 2/9/2002، كما من الضروري مد اليد للتعاون مع المؤسسات الدولية وفي مقدمتها البنك الدولي الذي أعرب أمامنا كنواب وأمامك يا دولة الرئيس مراتٍ عديدة عن استعداده وجهوزيته لدعم لبنان في حل معضلة الكهرباء، على شرط ان نسعى الى حل شامل متكامل Comprehensive Solution يعالج ليس فقط الانتاج بل ايضا النقل والتوزيع والجباية. فمن الواضح انه اذا عالجنا الانتاج فقط بدون معالجة النواحي الاخرى فسيؤدي ذلك الى زيادة العجز المالي بسبب هدر الطاقة خلال النقل والتوزيع والجباية والذي يقدر بحوالي 40%. اما بالنسبة للإنتاج فيجب أن يذهب لبنان إما بإتجاه الافساح المجال لعمل القطاع الخاص IPP و أو بإتجاه شراء معامل إنتاج بتمويل خارجي ميسر بدل اللجوء الى استئجار محطات التوليد العائمة او الأرضية بتكلفة عالية، فهذه هي الحلول المنطقية التي تتوافق مع امكاناتنا المالية. ولا يجوز أبدا أن نقوم بخطوات متسرعة ستؤدي حكما الى زيادة العجز المالي بدل تخفيضه. إضافة الى ذلك، دولة الرئيس، لا يجوز استمرار تأخير إستعمال الغاز الطبيعي في انتاج الكهرباء بدل استعمال المازوت الاكثر كلفة وهذا الاستبدال مطروح منذ سنوات ولا ندري اسباب التأخير الذي يسبب هدرا بمئات المليارات ويفاقم العجز.
من القوانين الاصلاحية المهمة ايضا قانون الاتصالات رقم 431 تاريخ 22/7/2002 والذي ينص على تحرير هذا القطاع وعلى تشركة مؤسسة اوجيرو التي تضم الهاتف الثابت وشبكات الانترنت وتحويلها الى شركة مساهمة لبنانية بإسم ليبان تلكوم تملك الدولة اللبنانية كامل اسهمها واعطاؤها رخصة لشبكة ثالثة للهاتف الخليوي. ان شركة كهذه تقدر قيمتها في السوق بما لا يقل عن عشرة مليار دولار، وشركة بهذا الحجم لا تعود بحاجة الى اعتمادات من الموازنة فيمكنها الاستدانة من السوق لأجل التوسع في اعمالها. كما اننا بهذه الطريقة نستطيع ان نظهر قيمة موجودات الدولة.
ان قطاع الاتصالات دولة الرئيس، بكل ما فيه وخصوصا شركتي الهاتف الخليوي يشكل اهم موجودات الدولة اللبنانية، لذلك يجب اعطائه الاهتمام اللازم وايجاد السلطات الرقابية المناسبة لأجل ضبط الإنفاق فيه والحد من الهدر مما يؤدي الى تعزيز موجودات الدولة ومداخيلها من هذا القطاع ويساعد في تخفيض العجز المالي.
على صعيد آخر يعتبر قانون ادارة قطاع الطيران المدني رقم 481 تاريخ 12/12/2002 والذي ينص على انشاء الهيئة العامة للطيران من اهم القوانين الاصلاحية التي يحتاجها لبنان. خلال هذا الصيف كانت مشاهد ما يحدث في مطار بيروت صادمة، ومعاناة المسافرين من لبنانيين وعرب وأجانب مضنية، ولا يجوز ان يستمر الوضع كما هو عليه، خاصة انه المتوقع ان يحصل في العام القادم، اذا لم يتم تدارك الموضوع ، ما هو اسوأ بكثير مما حصل هذا العام حسب رأي الخبراء والمعنيين بشؤون المطار والطيران. المطلوب وبسرعة ان يتم تعيين اعضاء الهيئة العامة للطيران وان يفسح في المجال امام هذه الهيئة للعمل على تحسين اوضاع المطار والعمل على توسيعه وتحديث معداته واجهزته المختلفة. لا نستطيع دولة الرئيس ان ندعو ابناؤنا المغتربين واخوتنا العرب والضيوف من الاجانب الى السفر الى لبنان من دون ان نؤمن لهم الوصول والمغادرة من المطار بطريقة لائقة. ان مطار بيروت هو واجهة لبنان وبوابته الى العالم ووضع المطار يلعب دورا مهما في تحقيق التواصل بين لبنان والانتشار اللبناني، كما في تعزيز السياحة والاستثمار التي هي من اولويات تفعيل الوضع الاقتصادي، لذلك لا يجوز الاستمرار في اهمال هذا الموضوع والتصرف كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال.
اود التذكير ان هذا المجلس النيابي، وبدفع ورعاية من دولتكم، اقر خلال الشهر الماضي قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وهو احد اهم القوانين التي تفسح المجال للمباشرة بإنشاء ما يحتاجه لبنان من بنى تحتية ومرافق خدماتية من دون حاجة الى تمويل من المال العام وذلك تفاديا لزيادة العجز. وخوفي ان ينضم هذا القانون الى ما سبقه من قوانين على لائحة الـ 37 قانون.
ان لبنان يصرخ مطالبا بالمشاريع من طرق وسكة حديد ومنشآت وخدمات من كهرباء ومياه ونقل وغيرها، والقطاع الخاص جاهز للتمويل والتنفيذ. وميزة هذا القانون انه ليس خصخصة بمعنى بيع موجودات الدولة، بل حل وسط يخلق شراكة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص، لتأمين حاجات لبنان والشعب اللبناني. وكما قال مدير UNDP في لبنان خلال ورشة عمل اقيمت في المجلس النيابي الاسبوع الماضي حول التنمية المستدامة، ان هذا القانون يلبي ثلاثة من اهداف هذه التنمية المستدامة.
كلي امل ان يبادر دولة رئيس الحكومة وهو رئيس المجلس الاعلى للخصخصة والشراكة الى دعوة هذا المجلس الى الاجتماع قريبا واطلاق آلية العمل بهذا القانون. فلبنان بأمس الحاجة الى الاستثمارات الجديدة من القطاع الخاص والتي تساهم في اطلاق عجلة الاقتصاد وتوفير فرص العمل.
قد يقول البعض ان ما نطالب به من اصلاحات بنيوية وحقيقية هي مجرد احلام وأوهام لن تحصل ولن يقدم المسؤولين عليها. ولكني اقول ان القيام بهذه الاصلاحات هو عبارة عن تحدي من المهم جدا ان نكسبه حتى نضمن استقرار لبنان المالي والنقدي والاقتصادي. وهذا الاستقرار يجب ان تكون له الاولوية المطلقة لأنه نقطة الضعف الكبرى في الظروف المالية التي يعيشها لبنان.
ان فرص النجاح في التغلب على هذه التحديات متاحة اليوم. فنحن في بداية عهد رئاسي اتى الى الحكم رافعا شعار الاصلاح والتغيير. وحكومة هذا العهد الاولى اتت تحت عنوان استعادة الثقة. وقد اكتمل عقد المؤسسات الدستورية وعادت الى العمل بشكل طبيعي وها ان المجلس النيابي يعمل بكل طاقاته وما اجتماعنا اليوم لإقرار موازنة الا تعبير عن هذه الجدية في العمل.
وقد استطاع لبنان خلال الاشهر الماضية ان يحقق العديد من الانجازات التي لم نكن نعتقد انها ممكنة. وما انتصار الجيش اللبناني في معركة فجر الجرود وتحرير كامل الاراضي اللبنانية من عصابات الارهاب التكفيري، وتعزيز الاستقرار الامني الداخلي الا دليل على ان ما نعتقد في بعض الاحيان انه مستحيل يصبح ممكنا عند توحيد الجهود.
كما ان لبنان خطى خطواته الاولى منذ ايام للإنضمام الى نادي الدول النفطية بعد ان قام عدد من كبرى الشركات النفطية العالمية بالتقدم بعروض لإستكشاف النفط في المنطقة البحرية اللبنانية. وبلا شك فإن هذا المعطى الجديد يعزز النظرة الايجابية والتوقعات المستقبلية للاقتصاد اللبناني.
ويسجل للحكومة انها انجزت عدد من التعيينات مثل الدبلوماسية والقضائية واعادة احياء المجلس الاقتصادي الاجتماعي بعد طول غياب لأجل ان ينتقل الحوار الاقتصادي الاجتماعي من الشارع الى داخل جدران هذا المجلس.
ان ما نطالب وما يطالب به كل اللبنانيين وما يشجعنا عليه كل أصدقائنا هو ليس مستحيل بل ممكن. واذا كنا نريد من العالم ان يساعدنا فحري بنا ان نساعد انفسنا.
ان التخلف عن القيام بما هو ضروري وملح من اصلاحات واستمرار تنامي عجز الموازنة، سيدفع بلبنان الى صعوبات مالية واقتصادية كبيرة. يعتقد البعض انها قد تشبه ما حصل في اليونان. لكن أريد أن أحذر أننا يمكن أن نكون في وضع اسواء من ذلك لأن اليونان وجدت دعما كبيرا من الاتحاد الأوروبي وبقيت عملتها هي اليورو بينما نحن لن نجد أحدا في هذه الظروف يقدم لنا نفس الدعم الذي حصلت عليه اليونان.
على امل ان نلتقي قريبا لمناقشة وإقرار موازنة عام 2018 حاملة معها ما هو ضروري من اصلاحات ومن تقشف ومن تخفيض في العجز، وعلى امل ايضا ان تأتي هذه الموازنة حاملة معها سياسة مالية واضحة تعطي اللبنانيين املا بمستقبل مالي افضل”.