الاخبار
لقاء بعبدا التشاوري: اجتماع ردّ الاعتبار!
نجح الرئيس ميشال عون في إعادة كلّ القوى السياسية الممثلة في الحكومة إلى طاولته، وتخفيف الاحتقان بين المتخاصمين. ولكن لا يعني ذلك أنّ الآمال تجاه اللقاء التشاوري في بعبدا عالية، لا سيما أنّ العناوين التي خرج بها البيان الختامي تبدو أقرب إلى شعارات مُستهلكة، تليق بمرحلة الإعداد للانتخابات النيابية.
بعيداً عن البيان النهائي الإنشائي الذي صدر على إثر اجتماع رؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة أمس في القصر الجمهوري، يُمكن اعتبار اللقاء بين الرئيس ميشال عون والنائب سليمان فرنجية هو «الحدث». الإيجابية شبه الوحيدة لاجتماع بعبدا هي كسر الجليد بين الحليفين السابقين. سلامٌ ودّي بعد أن لم يترك الطرفان للصلح مكاناً، وإثر قطيعة دامت أكثر من سنة.
اللافت أن يعود الرجلان ليتصافحا في المكان الذي يُمثّل، معنوياً، السبب المباشر للخلاف بين التيار الوطني الحر وتيار المردة. «عندما يُوجّه فخامة الرئيس لنا دعوة، نحن نلبّيها»، قال فرنجية رداً على سؤال إن كان سيزور بعبدا مرّة أخرى، فـ«الرئيس بيؤمر»، من دون أن يعني ذلك «تطوراً إيجابياً في العلاقة. واضح أنّه لا التيار العوني ولا المردة سيقومان بخطوة باتجاه الآخر لحوار ثنائي»، بحسب مصادر الفريقين. أما من جهة فرنجية والوزير جبران باسيل، فاكتفيا بالسلام البروتوكولي، من دون أي كلام.
الأمر اللافت أيضاً، ولو أنه أقل أهمية، هو الحديث «في الأمور العامّة» بين فرنجية ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. ليست المرّة الأولى التي يضع فيها أحدهما يده بيد الآخر، ولكنها تأتي بعد اتهامات فرنجية للثنائي العوني ــ القواتي بمحاولات إلغائه، وبعد التواصل السياسي المُستجدّ بين تيار المردة والقوات، وإعادة إحيائهما لعمل لجنتهما المشتركة، في «رسالة تهديد» مباشرة إلى باسيل. أما «المصالحة» الأخيرة فكانت بين «الرفيقين» السابقين، جعجع ومستشار رئيس الجمهورية جان عزيز. مصافحة ودردشة عابرة للمرّة الأولى منذ سنوات بعيدة، لتكتمل بذلك سبحة «إعلان النوايا» بين «التيار» والقوات.
الملاحظات الشكلية أخذت حيّزاً كبيراً من الاهتمام، أكثر بكثير من الاجتماع نفسه، رغم الوعود الكبيرة التي خرج بها المجتمعون، كـ«تأمين كل أنواع المواصلات ووضع خطة للنقل المشترك وإنشاء الأوتوستراد الدائري وسكة الحديد والمرفأ السياحي والمطار المطور والمعابر البرية الحديثة»، بحسب ما ورد في البيان الختامي. طريقة جلوس جعجع داخل القاعة، مُبعداً كُرسيّه عن «جاره» على الطاولة النائب محمد رعد، قد تكون أبلغ توصيف للواقع بين المجتمعين، حتّى ولو بُرّرت «بأنّ الطاولة مستطيلة، ولو لم يُحرّك جعجع كُرسيّه لكانت النافذة في وجهه».
رئيس حزب القوات اللبنانية كان يتصرّف بـ«ألفة» زائدة مع القصر الجمهوري، الذي حُرم من الوصول إليه رئيساً. ما إن يدخل غرفة الاجتماعات، حتى يخرج إلى الحمام. وبعد انتهاء الاجتماع، يُفاجأ بفرنجية يلقي تصريحه، فيلجأ إلى أحد الصالونات مُنتظراً. لن يُغادر جعجع القصر بسهولة. يقترب من الإعلاميين، متنقلاً بينهم براحة كبيرة، قبل أن يلفت نظره أحد المسؤولين في بعبدا إلى أنّ التصريح يتم من خلف المنبر المُخصّص للسياسيين. لم تنته زيارة جعجع بعد، فسينتقل إلى صالون آخر مع أحد الاعلاميين، ويُغادر في الوقت الذي كان فيه المدير العام للرئاسة أنطوان شقير يلقي البيان الختامي. وكان جعجع الوحيد بين الحاضرين الذي «سخّف» اللقاء، مُعتبراً أنه «كانت صبحية جميلة وستوزع ورقة العمل وحصل بعض المناقشات حولها، وليس هناك شيء استثنائي».
صراخ الاعلاميين والتدافع من أجل استصراح رؤساء الأحزاب والتيارات المُشاركة في الاجتماع، طغيا على ما عداهما، إلى أن خرج رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة سعد الحريري، ورعد، ورئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو، والنائب هاغوب بقرادونيان، والوزير مروان حمادة. سادت موجة من الضحك، بعد أن شدّ برّي على معصم الحريري وهو يقول ممازحاً: «هناك مهام على الحكومة القيام بها». الوحيد الذي ألقى كلمته بهدوء كان الوزير طلال أرسلان، فوصف المشروع الذي قدمه عون بـ«المتكامل لخطة تطال المواضيع الأساسية في مفهوم مقاربتنا لبناء الدولة، إن كان على المستوى الدستوري أو مستوى القوانين. هذه سياسة لها عناوين سيُطبّقها المجلس النيابي أو الحكومة في هذه المرحلة، وسيستمر تطبيقها في المراحل المقبلة».
أكثر من ساعتين أمضاهما المجتمعون داخل القاعة من أجل «البحث في مواضيع أساسية في الدستور تتطلب الإقرار والاستكمال والتطوير كي تدخل حيّز التنفيذ، ومواضيع اقتصادية وإصلاحية ملحّة تعود بالنفع الكبير على الدولة والشعب والاقتصاد». أكثر من طرف شارك في اللقاء قال لـ«الأخبار» إنّ الهدف منه هو «ردّ الاعتبار إلى رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر بعد أن اعتبر نفسه أنه خرج من مولد قانون الانتخابات من دون حمص»، مع توجيه رسالتين، الأولى إلى السياسيين بأنّ «القرار لبعبدا»، والثانية للرأي العام بأنّ «العمل في الدولة انطلق ضمن إطار عام من التفاهم».
خلال اجتماعات البحث في قانون جديد للانتخابات، «رُحّلت بنود عدّة كان باسيل يُطالب بها، على أساس أنّ البحث بشأنها يكون في مرحلة لاحقة». لذلك، حين تبلورت فكرة الدعوة إلى لقاء تشاوري، كان هدف التيار العوني:
1 ــ استكمال النقاش في النقاط التي بقيت مُعلّقة (مجلس الشيوخ، المناصفة…).
2 ــ إعادة تفعيل عمل الحكومة، والحرص على أن لا تتحول خلال سنة التمديد للمجلس النيابي إلى حكومة انتخابات. فالتيار يريد أن يأخذ تعهداً بتطبيق خطة الكهرباء (وهو ما حصل عليه)، والانتهاء من التعيينات، وملفات إدارية أخرى.
3 ــ التخفيف من الاحتقان الذي اشتد بين كلّ الأطراف في المرحلة السابقة، والتشديد على إزالة التشنج السياسي لأنه يُعرقل الانتاجية.
ببساطة، أراد رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر «وضع خارطة طريق والاتفاق على عناوين».
داخل الاجتماع، شدّد فرنجية على ضرورة تحديث القوانين اللبنانية بما يتلائم مع تطورات العصر. وأكدّ أنه يجب البحث في ما يهمّ حقيقة الناس، بعيداً عن الشعارات والمطالب المعروفة. العنصر غير المنضبط كان جعجع الذي تحفّظ وحده على البند الأول المُتعلّق بـ«المواءمة بين الحفاظ على نظامنا الديموقراطي التعددي، وتصور واضح ومحدد زمنياً، لانتقال كامل نحو الدولة المدنية الشاملة، بما في ذلك كيفية التدرج من تثبيت التساوي والمناصفة بحسب الدستور بين عائلاتنا الروحية في حياتنا العامة، وصولاً الى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية». اعتراض جعجع ليس على أنّ حماة الدفاع عن طوائفهم، الذين خاضوا قبل أسابيع قليلة معارك من أجل الفصل بين الطوائف والمناطق انتخابياً، يُطالبون بما لا يؤمنون به. بل بالنسبة إليه، «بعد بكّير». الردّ أتى من قانصو الذي ذكّر بأنه «منذ عام ١٩٤٣، كلما نادينا بإلغاء الطائفية السياسية، نسمع الجواب نفسه. اخترب البلد وما زالوا يقولون: بكّير».
جوّ المزاح بين برّي وباسيل، قبيل انطلاق الاجتماع، لم ينسحب على الجلسة الرسمية. فحين تكلّم وزير الخارجية عن إقرار مجلس الشيوخ، عارض برّي الأمر، على اعتبار أنه لا يُمكن بحث هذه النقطة قبل انتخاب أول مجلس للنواب خارج القيد الطائفي. وأوضح رئيس المجلس أنه حين عَرض مشروع مجلس الشيوخ، أتى ضمن تصور لقانون انتخابات، ولكنه سقط. وحجة باسيل كانت أنّ المرحلة الانتقالية (تُمثّل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة. وتلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة، مع التقيّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة)، التي تنص عليها المادة ٩٥ من الدستور، لم تُستكمل بعد.
كما دائماً، حُيّدت النقاط الخلافية، مع الاكتفاء «بتأكيد العناوين في الموضوع الميثاقي والاتفاق على أن يُبحث فيها في وقت لاحق». وجرى التركيز على الشقين الاقتصادي والإنمائي، «وضرورة تفعيل عمل الإدارات». وثيقة بعبدا (غير إعلان بعبدا لصاحبه ميشال سليمان) تبنّاها المجتمعون بالإجماع، مع إضافة بعض التعديلات. مثلاً، طلب أرسلان الإشارة إلى ملفّ المهجرين، وبرّي اقترح إضافة «تنظيف مجاري الأنهر».
كهرباء ومياه ونفط
صدر البيان الختامي للقاء بعبدا في ثلاثة أبواب، وضمّ البنود التالية (إضافة إلى البند الأول المذكور أعلاه):
ــ عدم السماح بأيّ تلاعب بالهوية الديمغرافية للبنان. رفض التوطين المعلن أو المقنع، ومواجهة أيّ محاولة لتثبيت أيّ جماعة غير لبنانية على أرض لبنان. وقف الهجرات الداخلية، إن بالنزوح من الريف أو بنقل سجلات القيد، بما يخلق غيتوات نفسية أو واقعية تؤدي إلى «كنتنة» لبنان وقوقعة اللبنانيين.
ــ ضرورة إقرار اللامركزية الادارية في أقرب وقت ممكن.
ــ اعتماد الشفافية كمعيار عمل أول في حياتنا المؤسساتية العامة.
ــ تفعيل الإدارة من خلال إعادة هيكلتها، بدءاً بإجراء التعيينات وفق المعايير الدستورية التي هي الاستحقاق والكفاءة والجدارة والاختصاص.
ــ مساعدة القضاء في أدائه، تحصيناً لاستقلاليته وفاعليته.
ــ تفعيل عمل الهيئات الرقابية وجهاز أمن الدولة بتحفيزها على العمل المكافح للفساد.
ــ الإفادة القصوى من موارد الدولة ومقدراتها ومرافقها وثرواتها للمصلحة العامة.
ــ تنفيذ القوانين المقرّة وتحديثها، (…).
ــ وضع وتنفيذ خطة اقتصادية شاملة تنبثق منها الخطط القطاعية، وموازنة الدولة (…) وخصوصاً:
١ــ تأمين الكهرباء 24/24.
2 ــ الحفاظ على المياه (…).
3 ــ استثمار الثروة البترولية البحرية (…) والإسراع في إنجاز خط الغاز الساحلي والموانئ الغازية (…).
4 ــ الإسراع في تأمين الاتصالات السريعة بأعلى جودة وبأرخص الأسعار.
5 ــ تأمين كل أنواع المواصلات، ووضع خطة للنقل المشترك وتنفيذها على مراحل، وإنشاء الأوتوستراد الدائري وسكة الحديد والمرفأ السياحي والمطار المطوّر والمعابر البرية الحديثة.
6 ــ تأمين الاعتمادات اللازمة لإنهاء ملف المهجرين.
البناء
درعا تعود لحضن الدولة السورية… والعلم السوري يرفرف على حدود الأردن
لقاء بعبدا: عون نحو الدولة المدنية وحماية الميثاقية… وجعجع يعترض وحيداً
نصرالله يرسم صورة المنطقة اليوم… وفتحعلي: صواريخ دير الزور عيّنة صغيرة عن قوة إيران
كتب المحرّر السياسي
المنطقة تقترب من خط النهايات في تظهير انتصار محور المقاومة وقواه، مع اقتراب نهاية تنظيم داعش في الموصل وحسم مصير درعا في سورية، وصعود نجم الحشد الشعبي في العراق ودخوله على خط الدعم لقوى محور المقاومة في سورية للمساهمة في حسم معارك دير الزور المقبلة لقول الكلمة الفصل بمصير داعش، وبعدها تسقط التغطيات والمبرّرات التي يتخذها الأميركي لوجوده في سورية والعراق. فالمنطقة ترتسم صورتها تحت ظلال التجاذب الروسي الأميركي المحكوم بسقوف التوافق المرتقب في لقاء هامبورغ خلال أيام قليلة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد نجاحات سياسية وعسكرية روسية بارزة يتصدّرها ما يحققه الجيش السوري في الميدان حيث شكل التطوّر النوعي للمعارك في درعا وبلوغ المفاوضات نهاياتها لصناعة تسوية تدخل الدولة السورية بموجبها إلى المدينة ويرفع فيها العلم السوري فوق المعبر الحدودي بين سورية والأردن، وتتوّج مراحل من انتصارات للجيش السوري استعاد خلالها ربع الجغرافيا السورية خلال الشهور المنقضية من ولاية الرئيس الأميركي رغم الرسائل النارية الأميركية، وتخطّى خلالها الخط الأحمر الأميركي الخاص بمحاولة التصرف الأميركية بالحدود السورية العراقية، ولقي الجيش السوري خلالها دعماً روسياً إيرانياً واضحاً، ولاقته الصواريخ الإيرانية العابرة إلى دير الزور لتسقط خطاً أحمر أميركياً آخر هو حصرية إدارة العمليات شمال غرب نهر الفرات. وهو ما وصفه السفير الإيراني في بيروت محمد فتحعلي بأنه مجرد عينة صغيرة عن مصادر القوة الإيرانية وقدراتها. وكان الإنجاز السياسي الأهمّ لروسيا مقابل التراجع الأميركي، الحصاد الدولي والإقليمي، حيث نجحت موسكو باستقطاب كلّ من أنقرة وباريس إلى أجندتها في سورية التي شكلت أمّ المعارك الروسية الأميركية خلال سنوات مضت، بينما تنشغل واشنطن بمساعي حلحلة الخلافات التي قامت هي بتشجيعها داخل معسكرها الصغير في منطقة الخليج، والتي تهدّد بحروب استنزاف مفتوحة بين السعودية وقطر، لا يبدو همّ أميركا منها سوى المزيد من حصاد المليارات على شكل صفقات سلاح.
هذه الصورة التي سيتوقف أمامها الأمين العام لحزب الله شارحاً أبعادها ومكانة «إسرائيل» فيها، وعجزها عن خوض حرب في ظلها، رغم وقوع حكومات الخليج في براثن تبعية سياساتها. هي الصورة التي ظلّلت لقاء بعبدا الذي دعا إليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وشارك فيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ورؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة، وتكرّس لمناقشة ورقة عمل قدّمها رئيس الجمهورية تضمّنت الكثير من البنود الاقتصادية والأمنية والإنمائية، لكنها بدت مدروسة وواضحة في سعيها للقول إنّ الرئيس عازم على ترجمة خطاب القسم ومندرجات الإصلاح التي تعهّدها، والانتقال بلبنان إلى الدولة المدنية، بعيداً عن الثنائية التي تبادل اللبنانيون الإحراج المتبادل بها إما سموم الطائفية أو العلمنة الشاملة وبرزت الشجاعة السياسية فيها بإقدام الرئيس عون على تضمينها الدعوة لتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، كأول رئيس للجمهورية منذ الطائف يفعل ذلك ويستطيع المضيّ بطرحه هذا بحماية رصيد زعامته ومكانته، رابطاً بينها وبين التوازنات الوطنية الميثاقية مطمئناً هواجس القلقين من الطغيان العددي، فاتحاً الطريق للذهاب نحو الانتخابات النيابية في ظلّ عهد لن يتغيّر ولن تتغير ثوابته مهما كانت نتائج الانتخابات، ليدار التنافس تحت سقف التوافق على الأساسيات. وكان اللافت أنّ الاعتراض الوحيد على ورقة عمل رئيس الجمهورية جاء ممّن يفترض أنه الحليف الانتخابي المقبل للتيار الوطني الحر. فقد جاهر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بمعارضته لهذا البند التأسيسي في خطاب الرئيس واتفاق الطائف وورقة العمل الرئاسية.
بعبدا تستعيد موقعها ودورها
استعادت بعبدا موقعها الجامع والحاضن للمكونات السياسية في اجتماع أمس الذي جمع رؤساء الأحزاب المشاركة في الحكومة، بعد أن فقدت هذا الموقع في العهد السابق وبعد أن همّش الشغور الرئاسي الذي امتد على مدى عامين دورها في الحياة السياسية، ولم تسمح حزمة الملفات والأزمات المتراكمة والمستعصية عن الحل كقانون الانتخاب للعهد الجديد أن يستعيد حضوره ومكانته بسهولة، فأرادت بعبدا أن تخرج من المرحلة الطَّرَفية حيال قانون الانتخاب، حيث أظهرت انحيازها الى أحد الخيارات الانتخابية وتبنّت وجهة نظر أحد الأحزاب.
ولو أن الأمر اقتصر على رؤساء الأحزاب، لكنها كانت أولى طاولات الحوار الوطني التي تعقد في بعبدا في عهد الحكم الجديد للانطلاق قدماً نحو معالجة الملفات العالقة المتعلقة بسيرورة الدولة وانتظامها المالي والإداري والسياسي والدستوري والأمني لا سيما من التعيينات في الإدارات وإقرار الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب. والأهم أن لقاء بعبدا شكّل محطة من الوئام السياسي بعد الشرخ الذي أحدثه الخلاف حول قانون الانتخاب، وبالتالي كرّست الرئيس عون «مايسترو» المرحلة وقطب التواصل بين الجميع. كما رسمت معالم الـ11 شهراً الفاصلة عن موعد الاستحقاق النيابي وقد تكون أيضاً تتويجاً للواقعية السياسية وعلاقة تبادلية بالمعنى الإيجابي بين الأطراف الأساسية.
مصافحة كسر الجليد مع فرنجية
وكسر لقاء بعبدا الجليد بين عددٍ من القوى السياسية المتخاصمة. وكان الأبرز فيها المصافحة الحارة بين رئيس الجمهورية ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية الذي طوى صفحة القطيعة مع عون، مبدياً استعداده للتعاون وتلبية أي دعوة يطلبها الرئيس. وأشار النائب فرنجية إثر انتهاء اللقاء التشاوري قائلاً: «وُجّهت لنا دعوة ولبّيناها. وما من أمر شخصي بيني وفخامة الرئيس»، ولفت فرنجية الى «أننا تحدثنا بأمور تسيير أعمال الدولة والحوار كان إيجابياً». وأضاف: «رئيس الجمهورية يأمر، وكلما دعاني سأزور بعبدا».
ورفضت مصادر في المردة لـ«البناء» تحميل مشاركة النائب فرنجية ولقاء المصافحة مع رئيس الجمهورية أكثر مما يحتمل، ووضعته في إطار تلبية الدعوة التي وجّهت إليه، «لكن لا يمكن الحديث عن مرحلة أو صفحة جديدة من العلاقة بين الطرفين، رغم أن لا خصومة شخصية بينهما، ولكل منهما مقاربته ورؤيته واسراتيجيته للملفات الخلافية». وأوضحت المصادر أن قول فرنجية إن «الرئيس بيأمر» لا تحمل أبعاداً سياسية، موضحة أن «النائب فرنجية مشهود له بالاحترام والشجاعة في التعبير التي تميزه عن الآخرين». ونفت المصادر علمها عن «لقاءات ثنائية قريبة ستجمع عون وفرنجية بوساطة جهات معينة، لكن لا مانع من اللقاء».
وأشارت الى أن «الحديث عن التحالفات الانتخابية سابق لأوانه، لكن التحالفات ثابتة مع الحلفاء التقليديين، مؤكدة أن المردة مرتاحة في الانتخابات في الدوائر كلّها. وعن المصافحة بين فرنجية ورئيس القوات سمير جعجع، أوضحت أنها «ليست المرة الأولى الذي تشهد مصافحة كهذه أو كلاماً، بل حصلت مصافحات أكثر من مرة في لقاءات بكركي، وبالتالي لا يمكن وضعها في إطار انتخابي أو سياسي».
وعلقت مصادر سياسية مقربة من بعبدا لـ «البناء» على اللقاء بأنه «في الشكل والمضون في غاية الأهمية في المعايير والمستويات الميثاقية والإنمائية كلها، ولجهة إعلان النيات للمرحلة الجديدة، وهو أشبه ببرنامج عمل متكامل ليس للحكومة فقط، بل لعمل النظام السياسي ككل ومؤسساته على المستوى القريب والمتوسط». ولفتت الى أن «بنود الميثاق تعبر عن المفهوم الأساسي لمضمون الدستور والمناصفة والمساواة واللامركزية الإدارية».
..وأزالت الغيوم بين بعبدا وعين التينة
وأشارت إلى «أهمية تطوّر العلاقة بين الرئيس عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري نحو الإيجابية وأزالت الغيوم التي ظللت بعبدا وعين التينة أثناء مشاورات قانون الانتخاب. وبالتالي سقطت نقاط الاشتباك واتجهت الى مرحلة من التعاون بعد أن ثبت للرئيس بري أن لا نيات لاستهداف المجلس النيابي أو موقع الرئاسة، بل ذهب رئيس الجمهورية الى فتح عقد استثنائي مفتوح للمجلس النيابي. وبالتالي هذا الأمر يفعّل عمل المؤسسة التشريعية وبالتالي دور رئيسها».
وعن المصافحة بين عون وفرنجية، لفتت المصادر الى «أنها أنهت مرحلة من القطيعة منذ ترشيح الوزير فرنجية لرئاسة الجمهورية، إذ ظهر أن لا خصومة شخصية بين الرجلين، بل خلافات سياسية فقط حول رئاسة الجمهورية. واقتنع فرنجية بأن لا نيات لعزل أحد على الساحة المسيحية، كما توهّم البعض بل قلب الرئيس عون يتّسع الجميع». وعن التحالفات النيابية، اعتبرت المصادر أن «التنافس الانتخابي حقّ في اللعبة الديموقراطية لكن تحت سقف مبادئ وثيقة بعبدا، لكن لن تكون تحالفات ثابتة بل مرهونة بظروف طبيعة كل دائرة انتخابية وبالتالي تحالفات موضعية وظرفية وليست شاملة.
مضمون الوثيقة
وأبرز ما تضمّنته الوثيقة التي أعدّها الرئيس عون وناقشها المشاركون على مدى ساعتين تقريباً، قبل أن يقرّوها بالإجماع، حيث لم يُسجّل سوى تحفّظ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على البند الأول منها، فكان «المواءمة بين الحفاظ على نظامنا الديموقراطي التعددي، والانتقال الكامل نحو الدولة المدنية الشاملة، بما في ذلك كيفية التدرّج من تثبيت التساوي والمناصفة، بحسب الدستور بين عائلاتنا الروحية في حياتنا العامة، وصولاً الى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية، والتشديد على ضرورة «عدم السماح بأي تلاعب بالهوية الديمغرافية للبنان، ورفض التوطين المعلن او المقنّع»، ومواجهة «أي محاولة لتثبيت أي جماعة غير لبنانية، على أرض لبنان». كما نصّ البيان الختامي للّقاء على «إقرار اللامركزية الإدارية في أقرب وقت».
وفي الشأن الاقتصادي، شدد النص الختامي على «ضرورة وضع خطة اقتصادية شاملة تنبثق منها موازنة الدولة بما يؤمن النمو الاقتصادي ويخلق فرص العمل والإنماء المتوازن»، والعمل لتأمين الكهرباء 24/24.
وقد حضر الاجتماع: الرئيس بري، رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، والوزراء رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي علي قانصو ومروان حمادة، ممثل رئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الموجود خارج لبنان، ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال أرسلان، ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وممثل الأمين العام لحزب الله النائب محمد رعد، الأمين العام لحزب الطاشناق النائب أغوب بقرادونيان، ورئيس «القوات» سمير جعجع.
تحضيرات في «الداخلية» للانتخابات
وبدأت وزارة الداخلية الاستعداد للاستحقاق الانتخابي من خلال الاجتماع الذي رأسه وزير الداخلية نهاد المشنوق لأركان إدارته، وخصصه لـ«بحث التحضيرات الجارية للعملية الانتخابية»، قبل أن يُشدّد إثر لقائه وزير الدولة البريطاني لشؤون الأمن بن والاس على «ان التنسيق اللبناني – البريطاني في أعلى درجاته، ولبنان استفاد من المساعدات البريطانية في تعزيز أمنه وضمان استقراره، وجزء من نجاح الأجهزة الأمنية يعود للمساعدات البريطانية التي لم تتوقف يوماً».
ورحبت كتلة الوفاء للمقاومة بـ»إقرار قانون الانتخاب الجديد ونرى في ذلك خطوة إنقاذية نقلت لبنان الى مرحلة جديدة في الحياة السياسية والقانون الجديد يمثّل نقلة نوعية في مسار تحسين التمثيل». وثمّنت الكتلة خلال اجتماعها الأسبوعي «إصدار رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم فتح العقد الاستثنائي للمجلس النيابي»، داعية النواب للاستفادة بـ «تفعيل الرقابة على عمل الحكومة من جهة ودراسة المشاريع وفي مقدّمها السلسلة والموازنة».
باسيل: ورقة بعبدا جسّدت مفهوم المناصفة
واعتبر الوزير باسيل أن فرادة لبنان هي بمفهوم التشاركية والمناصفة، وهذا ما جسدته ورقة بعبدا اليوم، مؤكداً أن «النسبية هي الحضن الكبير لحسن تمثيلنا كلبنانيين ونأمل أن تؤدي الى إقرار قانون الدولة المدنية». وأشار باسيل، خلال الافطار السنوي للتيار في البترون وأشار الى «اننا نحمل الفكر المدني العلماني ونعمل له وعلى طريق الوصول اليه»، مؤكداً أن «كل ما هو مخالف عن المحبة بعيد عن الدين».
ورأى باسيل أن «الدين لم يفرقنا كلبنانيين بل الممارسات السياسية التي نتحجّج به لتحقيق أمور سياسية»، معتبراً أن «المسار الميثاقي الاستقلالي الرئاسي والحكومي وإقرار قانون الانتخاب لم يكن ممكناً لولا الأصدقاء والحلفاء في حزب الله والمستقبل والقوات»، وأمل «أن تسمح لنا النسبية بنواب سنة وشيعة ودروز على صورة التيار ولبنان».
نصرالله يُطلّ اليوم
في غضون ذلك، وفي ظل المناخ التوافقي والتهدوي في الداخل وتزايد سخونة المشهد الإقليمي، يطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عصر اليوم لمناسبة يوم القدس العالمي، حيث سيرسم معالم المرحلة في الداخل كما علمت «البناء» وسيبارك التوافق حول قانون الانتخاب ويشجّع القوى السياسية على مزيد من التوافق والحوار والتعاون لتفعيل عمل المؤسسات وسيعلن تأييده ودعمه لجهود رئيس الجمهورية واللقاء الجامع في بعبدا.
كما سيتطرق السيد نصرالله الى الوضع الإقليمي والتطورات على صعيد المنطقة من منطلق المعني بالمعركة الدائرة، لا سيما الغارات الأميركية على التنف وصولاً الى الصواريخ الايرانية على دير الزور. كما سيتحدث الأمين العام لحزب الله عن ملف الجرود الحدودية مع سورية بعد هجوم فليطا الذي أظهر أن جبهة النصرة لا يمكن أن تكون مصدر أمان، الأمر الذي يؤشر الى أن معركة الجرود لن تتأخر. كما سيعرّج على الوضع في السعودية من البوابتين اليمنية والبحرينية، فضلاً عن الأزمة الخليجية إضافة الى الملف الفلسطيني والقدس والتهديدات «الاسرائيلية».
اللواء
لماذا محمّد بن سلمان ولياً للعهد..؟
اختيار الأمير محمّد بن سلمان ولياً للعهد يحقق نقلة نوعية مهمة واستراتيجية في تعزيز وتحديث بنية الحكم في المملكة العربية السعودية، ورفدها بديناميكية شبابية قادرة واستثنائية.
لم يكن قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مفاجئاً، بقدر ما جاء تظهيراً لواقع تجربة كانت تعيشها القيادة السعودية، في السنتين الماضيتين، حيث أثبت الأمير محمّد بن سلمان قدرته ونجاحه، في إدارة اكثر الملفات اهمية وحساسية وتعقيداً، وحقق حزمة من الانجازات الداخلية والخارجية، كانت موضع تقدير وإعجاب السعوديين، قيادة وشعباً، بالقدر الذي أثارت أيضاً الاهتمام والإعجاب في عواصم القرار الدولي.
في وزارة الدفاع، استطاع الأمير الشاب أن يحوّل الجيش السعودي إلى قوة عسكرية مقاتلة للدفاع بشراسة عن أرض الوطن، وحماية أمنه واستقراره، فضلاً عن خوض الحرب الاستباقية في اليمن، للحؤول دون وصول التمدّد الايراني إلى الداخل السعودي، ولإعادة السلطة الى الشرعية اليمنية.
خلال رئاسته لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، أنجز الخطة الاستراتيجية العملاقة «رؤية 2030» التي أطلقها في نيسان من العام الماضي، وتضمنت خريطة طريق طموحة لنقل المملكة من اقتصاد الاستهلاك، إلى اقتصاد الإنتاج، وفتح المجال واسعاً لشراكة مدروسة مع شركات الصناعات الحديثة والمتطوّرة في أميركا وأوروبا، للعمل على إنشاء معاهد أبحاث ومصانع متطورة في المملكة، تعمل بأحدث الوسائل التكنولوجية، وتساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني، المعتمد حالياً على النفط بنسبة كبيرة، فضلاً عن التغييرات التي ستحدثها في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والتي من شأنها ان تزيد من انخراط الشباب السعودي في تنمية اقتصاد بلده، والاستفادة من خبرات وتجارب مؤسسات عالمية ضخمة في عالم الصناعات الحديثة والتكنولوجيا.
والحديث عن إنجازات الأمير محمّد بن سلمان في الداخل شرح يطول، خاصة بالنسبة لاندفاعته المشهودة في ريادة الإنجاز، حيث أطلق ديناميكية شبابية في الإدارات والمؤسسات الرسمية، ساهمت في رفع الانتاجية، وتعزيز الفرص أمام اصحاب الكفاءات من الشباب للانخراط في الوظيفة العامة.
أما بالنسبة لملفات السياسة الخارجية للمملكة، فيعتبر ولي العهد الشاب مهندس العلاقات السعودية مع شركاء السعودية الدوليين، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان.
ولم يكن خافياً أن زيارته المشهودة إلى واشنطن في آذار الماضي، وبُعيد استلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهامه الدستورية، قد نجحت في ترميم العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة، والتي كانت تعاني من أسوأ مراحلها في عهد الرئيس السابق باراك أوباما.
وجاءت زيارة ترامب إلى الرياض لتتوّج نجاحات محادثات الأمير محمّد في واشنطن مع سيّد البيت الأبيض، حيث قام الأخير بأول زيارة له خارج أميركا إلى السعودية، وأجرى خلالها محادثات تاريخية واستراتيجية مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، أعادت تمتين قواعد وأواصر الشراكة السعودية – الأميركية، وتحديد أولوياتها، خاصة بالنسبة لمحاربة الإرهاب، والحد من التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية.
وإدراكاً منه لأهمية تحقيق التوازن في علاقات المملكة السياسية والاقتصادية مع الدول الفاعلة على المسرح الدولي، حرص الأمير محمّد على القيام بزيارات إلى كل من موسكو وباريس، وإلى طوكيو وبكين، للتأكيد على اهتمام السعودية بتعزيز التعاون مع الشركاء الاقتصاديين، وعواصم القرار الدولي.
مع تولي الأمير محمّد بن سلمان مهام ولي العهد، تكون الدولة السعودية قد بدأت عملياً رحلة الانتقال الى الجيل الثالث، جيل الشباب من أحفاد الملك المؤسس من الشباب القادر على حمل الأمانة، وللاستمرار في قيادة بلاد الحرمين الشريفين، على دروب الأمن والاستقرار والازدهار، والتصدّي لما يعتري هذه المرحلة الحرجة من صعوبات وتحدّيات.
المصدر: صحف