عاد سماحة العلامة السيّد علي فضل الله إلى لبنان بعد زيارته لدولة الكويت، حيث التقى عدداً من الشخصيات الدينيَّة والسياسيّة، وزار مقر الأوقاف الإسلامية، وألقى عدداً من المحاضرات حول معاني شهر رجب الحرام وولادة الإمام عليّ(ع).
وألقى سماحته محاضرة في حسينية الزهراء(ع)، جاء فيها: “كم نحن بحاجة في هذا الشهر المبارك؛ شهر رجب الحرام، شهر السَّلام والسكينة والطمأنينة، إلى أن نقف وقفة تأمل أمام الخلافات والصراعات التي يضج بها واقعنا، ونفكر كيف نستهدي قيم هذا الشهر، لتبريد كل هذا التوتر الذي نعيشه في داخلنا، والذي قد يدفعنا إلى أخذ خيارات ومواقف ليست في مصلحتنا ولا مصلحة ديننا ومستقبل أمتنا.
وفي هذه المناسبة، ليس هناك أفضل من أن ندعو إلى تعزيز قيمة السَّلام في مجتمعاتنا؛ هذه القيمة التي من المطلوب أن نتربى عليها ونعمل لأجلها، حتّى نستطيع تجميد كلّ خلافاتنا الكبرى والصّغرى، وخصوصاً الخلافات السياسيّة والمذهبيّة والعائليّة، والتي لا طائل ولا جدوى من استمرارها، ولا تقوم إلا بتعميق الأحقاد وتقسيم البلاد والعباد”.
وتحدَّث عن الإمام عليّ(ع) كرائد للوحدة الإسلاميّة، داعياً إلى الاستهداء بمنهجه في زمن أصبح الحديث فيه عن الوحدة من الأمور غير المرغوب فيها، لأنّ هناك من أخلد للانقسام، وأصبح يعتبر الوحدة من التاريخ، ويصر على بناء جدار بينه وبين الآخرين، ويساعده في ذلك ما يحصل في واقعنا من حروب وفتن تعزز هذا المنطق.
وأكّد سماحته أنَّ الحديث عن الوحدة ينبغي أن يبقى هاجسنا ومحور حركتنا، فالوحدة لا تعني أن يتنازل أي فريق عن قناعاته أو ما يؤمن به، بل هي السعي لتأكيد القضايا المشتركة، والعمل على تعزيزها، والوقوف صفاً واحداً أمام التحديات المشتركة.
ورأى أنَّ الاختلاف طابع الحياة وأنه سمة من سماتها، مشيراً إلى أنَّ الاجتهاد المتنوّع داخل المذاهب الإسلاميّة هو نعمة علينا، ولكننا، مع الأسف، حوَّلناه إلى نقمة، مشيراً إلى أنه إذا لم يتقبّل بعضنا آراء البعض الآخر، فإن أبوابنا سوف تكون مشرعة أمام الفتن التي ترسم لنا.
وقال سماحته: “من المفارقات الكبيرة أنَّ القوى الخارجية هي التي تجمّد الفتن في ساحاتنا، لا وعي القوى الداخلية، حتى بتنا نستجديها لحل خلافاتنا، ونحن نعرف أنها عندما تحلّ خلافاتنا، فستحلها لحسابها لا لحسابنا”.
وأضاف: “لقد بات التوتر والإثارة والانفعال هو من يتحكّم بقراراتنا، بحيث أصبحنا نمتلك القابلية للتحول إلى وقود ومواد قابلة للاشتعال في أي لحظة، وعند أي اختلاف، ما يشكل أرضيَّة خصبة للذين لا يريدون خيراً بأمتنا، حتى يعبثوا بأمنها ومصالحها، مستغلين كل هذه الثغرات من أجل تمرير مشاريعهم ومخططاتهم”.
وتابع سماحته: “نحن نتهرب دائماً من تحمل المسؤوليّة، من خلال إلقاء اللوم فيما يحصل في واقعنا على الآخرين؛ على الاستكبار أو الاستعمار أو هذه الدولة الكبرى أو تلك. نعم، من الطّبيعي أن تسعى الدول الكبرى إلى إثارة الفتن في واقعنا، حتى يثبت حضوره ويسيطر على مواقع الثروة لدينا، ولكننا نحن من يساعده في تنفيذ مخططاته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، عندما نستجيب له ونكون خاضعين لمخططاته”.
وحذَّر من الذهنيَّة الَّتي لا ترى في الآخر إلا الأمور السلبية، فيما ترفض التحدث عن أي سلبية في واقعنا، داعياً إلى التواصل مع الآخر حتى نعرفه حق المعرفة، بما يساعد على مد الجسور بينا وبينه، وعلى الخروج من حالة التقوقع التي يراد لنا أن نستغرق في داخلها، لافتاً إلى ضرورة أن نستلهم حركة الإمام عليّ(ع) في حرصه الدائم على المصلحة الإسلامية العليا، ولو كانت على حسابه، وأن نتعلم منه أن التنازل لأجل الوحدة واجب ديني وليس ضعفاً.
وختم سماحته كلامه بالتشديد على الخطاب الإسلامي العقلاني والوحدوي، لا الخطاب الاستفزازي الذي يقتات على أحقاد التاريخ، فيما يترك للمخطّطات الدولية أن ترسم لنا مستقبلنا القادم.
وقام سماحته بزيارة مقر الأوقاف في دولة الكويت، مثمناً تجربة الأوقاف، ومؤكّداً أهمية تحويلها إلى مؤسَّسة تواكب العصر ومتطلباته وتنهض بالمجتمع، داعياً الواقفين إلى تنويع أوقافهم لتشمل كل مساحات المجتمع. كما ثمّن الأجواء الوحدوية التي تنعم بها دولة الكويت وتعيشها، متمنياً أن تعمم هذه التجربة في مواقع وساحات أخرى.
وقدّمت الأوقاف درعاً تكريميّة للسيّد فضل الله، تقديراً لجهوده الوحدويّة.
المصدر: خاص