يواصل العدو الاسرائيلي عدوانه الإجرامي المتوحش على قطاع غزة منذ ما يزيد عن الستة أشهر متخذا من الضوء الاميركي والغربي والتواطؤ والخذلان من كثير من الأنظمة والمنظمات والشعوب في العالم والإقليم سببا إضافيا ليتوغل في إجرامه التاريخي بحق الشعب الفلسطيني وبقية شعوب المنطقة.
لم يتورع هذا العدو الحاقد عن ارتكاب كل ما يمكن فعله بحق الانسان والارض والبنى التحتية والمعالم الطبيعية، فهو لم يتوقف عن ارتكاب مجازر متعمدة بوحشية مفرطة مستخدما كل ما قدر له من أسلحة وبينها الأسلحة المحرمة دوليا (القنابل العنقودية، الفوسفور، الاسلحة الحارقة والقنابل الفراغية)، كما استهدف كل الاماكن القادر على هدمها على رؤوس قاطنيها والمتواجدين فيها سواء من مستشفيات او مراكز إيواء او منازل سكنية او أماكن للعبادة بدون اي رادع اخلاقي او ديني او قانوني ومنطقي يجعله يخفف من هذا الإجرام الدموي الذي يعتبر الابشع ربما في عصرنا الحاضر، فهذه الحرب التي تجاوزت مدتها نصف العام يبدو انها متواصلة بدون هوادة لقتل المدنيين العزّل لا سيما الأطفال والنساء، فكل مخلوق أو كائن حي (سواء يتحرك أو ثابت) هو عرضة للقتل بواسطة آلة الحرب الصهيونية في القطاع.
والمتتبع للجرائم التي ارتكبها جيش العدو الاسرائيلي في غزة يمكنه تسجيل ارتكاب: جرائم الحرب، جرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية وجرائم عدوان، ناهيك ان العدو استهدف كل البنى التحتية التي تستخدم للحياة المدنية العادية من طرق الى وسائل نقل ومراكز توليد الطاقة ومصادر مياه الشرب ومياه الاستخدام، وصولا الى تدمير البنى التحتية للتعليم والطبابة والمستشفيات والمواقع الاثرية والدينية، بالاضافة الى منع دخول الأدوية والمواد الغذائية والسلع الاساسية وغيرها الكثير الانتهاكات والممارسات غير القانونية.
وبالسياق، نص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في الباب الثاني المتعلق بالاختصاص والمقبولية والقانون الواجب التطبيق في مادته الخامسة على الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة، حيث قال:
“1- يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره, وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية :
أ) جريمة الإبادة الجماعية.
ب) الجرائم ضد الإنسانية.
ج) جرائم الحرب.
د) جريمة العدوان.
2- تمارس المحكمة الاختصاص على جريمة العدوان متى اعتمد حكم بهذا الشأن وفقاً للمادتين 121 و 123 يعرف جريمة العدوان ويضع الشروط التي بموجبها تمارس المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بهذه الجريمة ويجب أن يكون هذا الحكم متسقاً مع الأحكام ذات الصلة من ميثاق الأمم المتحدة”.
وبالسياق، يمكن الاشارة الى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نص في المادة الـ8 منه على أن “جرائم الحرب تعني:
أ- الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 أغسطس/آب 1949، أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة:
1 – القتل العمد.
2- التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية.
3- تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة.
4 – إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة.
5- إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية.
6- تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية.
7 – الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع.
8 – أخذ رهائن”.
بينما، تنص المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن “أي فعل من الأفعال التالية جريمة ضد الإنسانية متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم:
أ- القتل العمد.
ب- الإبادة.
ج- الاسترقاق.
د- إبعاد السكان أو النقل القسري لهم.
هـ- السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي.
و- التعذيب.
ز- الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة.
ح- اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية أو متعلقة بنوع الجنس أو لأسباب أخرى من المسلم عالميا بأن القانون الدولي لا يجيزها، وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار إليه في هذه الفقرة أو أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة.
ط- الإخفاء القسري للأشخاص.
ي- جريمة الفصل العنصري.
ك- الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية”.
أما بالنسبة لجرائم الابادة، فيعتبر قرار الأمم المتحدة الصادر بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول 1946 أن الإبادة الجماعية هي “ارتكاب أي عمل من الأعمال الآتية بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية، لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين، مثل:
-قتل أعضاء الجماعة.
-إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأعضاء الجماعة.
-إلحاق الأضرار بالأوضاع المعيشية للجماعة بشكل متعمد بهدف التدمير الفعلي للجماعة كليا أو جزئيا.
-فرض إجراءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة.
-نقل الأطفال بالإكراه من جماعة إلى أخرى”.
وبدوره يعرف “نظام روما الأساسي” المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، الإبادة الجماعية بأنها “ارتكاب أفعال معينة على نطاق موسع، يتم تنفيذها بقصد القضاء على مجموعة، كليا أو جزئيا، بناء على هوية هذه المجموعة القومية أو الإثنية أو العنصرية أو الدينية”.
ولا شك ان كل ما فعله العدو الاسرائيلي في غزة حتى الآن يندرج ضمن هذه الجرائم الأربع، أي جرائم الحرب وضد الانسانية والابادة الجماعية والعدوان، وبالتالي يمكن ملاحقة مرتكبيها لا سيما القيادات والمسؤولين المعنيين في كيان العدو الاسرائيلي امام الجهات القضائية الدولية المختصة لا سيما المحكمة الجنائية الدولية، باعتبارها محكمة دائمة مستقلة تقوم بالتحقيق ومحاكمة الأشخاص المتهمين بأخطر الجرائم الدولية (الإبادة الجماعية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان) عندما لا تكون السلطات الوطنية مستعدة للقيام بذلك أو قادرة عليه، كما انه يمكن ملاحقة هؤلاء المجرمين امام السلطات القضائية في البلدان التي تجيز قوانينها القيام بذلك وتعطي الاختصاص لجهات قضائية محلية.
يبقى ان ملاحقة ومحاكمة هؤلاء المجرمين يحتاج الى قرارات سياسية واخرى نزيهة من قبل رجال أحرار يعملون بالقانون والقضاء والشأن العام وإلا سيبقى الغطاء الأميركي والغربي يحمي الصهاينة الذين يرتكبون أفظع الجرائم، وبالتالي نحتاج الى عمل قانوني موازٍ للعمل المقاوم على الأرض للإطباق على المجرمين فيما لو تمكنوا من النفاد من المعركة، وهنا من المفيد الاشارة الى انه سبق ان جرت محاولات لملاحقة رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق آرييل شارون امام القضاء البلجيكي في العام 2001 عن جرائمه التي سبق ان ارتكبها وأعطى أوامره لتنفيذها لا سيما في مجزرة صبرا وشاتيلا في بيروت خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982.
كما يجب الاشارة الى الدعوى التي تقدمت بها دولة جنوب افريقيا امام محكمة العدل الدولية ضد “اسرائيل” لمقاضاتها عن جرائمها في غزة، ومحكمة العدل الدولية هي جهة قضائية تابعة للامم المتحدة يحق فقط للدول أن تكون أطرافا في الدعاوى التي ترفع للمحكمة.
وبكل الأحوال، لا بد من التأكيد على أهمية إجراء توثيق دقيق وبقدر المستطاع لكل ما يجري في أرض الواقع من جرائم وانتهاكات وفظاعات من قبل القوات الاسرائيلية في قطاع غزة وكل من يدعمهم بالسلاح أو المواد المختلفة او التسهيلات اللوجستية الممكنة من الدول المحيطة أو الدول الغربية، كل ذلك بغية الحفاظ على الأدلة لاستخدامها في كل مرة يتاح تقديم شكاوى أو دعاوى قضائية ضد المجرمين سواء إما القضاء الدولي أو القضاء الوطني.
المصدر: موقع المنار