“إنها معارك بطولية والتحام مباشر لمجاهدي القسام مع آليات العدو التي تحطمت وتدمرت بفعل سلاح نوعي تم تصنيعه داخل قطاع مُحاصر ومستنزف منذ أكثر من 16 عامًا”، هكذا تحدثت كتائب الشهيد عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) في تقرير خاص نُشر على موقعها عن مسار تطوير السلاح المضاد للدروع وصولاً إلى انجاز “قذيفة ياسين 105” و “قذيفة ياسين 105 TBG” اللتين باتتا “أيقونة بارزة ومهمة في معركة طوفان الأقصى”. ما هي تفاصيل هذا المسار؟ وكيف حققت القسام هذا الإنجاز الذي فاجأ العدو في الميدان وكبده خسائر كبرى؟
للمرة الأولى، نشرت كتائب القسام تفاصيل حول قذيفة “الياسين 105″، التي تمكّنت من اختراق آليات الاحتلال وتدميرها.
في تقرير خاص بعنوان “قصة تحدٍّ وإنجاز في ظل الحصار”، قالت القسام إنها ومنذ الانتفاضة الثانية (اندلعت في 28 أيلول/سبتمبر 2000)، حاولت تطوير العديد من الأسلحة لاختراق دروع دبابات وناقلات جنود الاحتلال القوية.
آنذاك، لم يكن بحوزة المقاومة سوى البنادق الخفيفة التي لا تستطيع التصدي بأي شكلٍ لتلك الدروع، لتبدأ المقاومة مشوارها بمواجهة هذه الدبابات، حيث كانت المحاولات الأولى عبر العبوات المتفجرة الكبيرة والتي يتم دفنها في المسارات المتوقعة لسير آليات العدو.
وقد حققت هذه المحاولات نجاحًا إلا أن صعوبة المناورة بتلك العبوات ظلّت معضلةً قائمة، وذلك نظرًا لحجم تلك العبوات ووزنها واستهلاكها لكميات كبيرة من المواد المتفجرة في ظل ندرة تلك المواد حينها، وكذلك الحاجة لزرعها في الأرض ضمن ظروف أمنية معقدة؛ لضمان عدم كشفها من قبل العدو، من هنا انطلق مسار طويل لمحاولة تطوير أسلحة أخرى ضمن المتاح والمتوفر من قدرات وخامات محلية.
النواة الأولى
شهد العام 2002، أولى محاولات تصنيع قذائف مضادة للدروع وحملت اسم (البنا – البتار) وكذلك العبوات الجانبية ولكن معضلة الاختراق والتدمير ظلّت قائمة في ظل تحسين العدو لتدريع آلياته وتطويرها وإضافة منظومات دفاعية لتلك الآليات.
في المقابل واصلت كتائب القسام جهودها، وتمكن مهندسوها عام 2004 من تصنيع قذيفة وقاذف الياسين (P2) وهو نسخة عن القاذف الروسي الصنع (P2-RPG)، وبذلك حققت الكتائب وفرة نسبية في السلاح والذخائر إلا أن معضلة الاختراق والتدمير لم تُحل.
في العام نفسه، بدأت تتقاطر إلى داخل قطاع غزة أعداد شحيحة جدًا من القاذف الروسي P7-RPG وبأثمان باهظة جدًا تصل لـ 30 ألف دولار للقاذف والقذيفة، وقد كانت تمر عملية الإمداد عبر مراحل معقدة وتتخطى بصعوبات العديد من الحواجز.
ومع تطور عمل كتائب القسام وجهازها العسكري، عملت الكتائب على تقسيم قواتها إلى تخصصات ليكون تخصص مضاد الدروع أحد أبرز هذه التخصصات وأكثرها أهمية، ومع تحرير قطاع غزة من قوات الاحتلال الصهيوني وطرده من المغتصبات عام ، تحسنت حالة الإمداد لينعكس ذلك على تطور قدرات المقاومة الفلسطينية بشكل عام وتطور التصنيع العسكري لكتائب القسام بشكل خاص.
عام 2007، شهد دخول كميات من السلاح إلى قطاع غزة، منها P7-RPG وبكميات وفيرة ما أدّى إلى خروج قاذف الياسين من الخدمة، كما دخلت أنواع أخرى من الأسلحة المضادة للدروع الموجهة وبعيدة المدى مثل الفاغوت والكورنيت والكونكورس وغيرها.
وفي إطار الإعداد والتدريب تمكنت الكتائب من تدريب عدد من المجاهدين على تلك الأسلحة خارج فلسطين المحتلة وبذلك تم تعزيز تخصص مضاد الدروع لدى القسام بالخبرات والعتاد.
نقلة نوعية
عام 2014، وفي سياق استخلاص الدروس والعبر من معركة “العصف المأكول”، كانت التوصية بإنتاج سلاح مضاد للدروع فعال ضد آليات ومدرعات العدو مثل “ميركافا 4″ و”ناقلة النمر” و”جارفة “D9 المحصنة وغيرها من آليات العدو ومدرعاته.
تنفيذًا لتلك التوصية بدأت فرق البحث والتطوير من مهندسين وكوادر في دوائر التصنيع العسكري في كتائب القسام بالعمل الدؤوب وإعداد البحوث حول إمكانية الوصول إلى ذلك، خاصة وأن هذا النوع من العلوم يحتاج إلى دقة عالية في القياسات والخامات والسبائك.
ونتيجة لجهود صادقة وإبداع وإرادة تحدّت المستحيل، وبعد العشرات من المحاولات والتجارب في الأعوام 2015-2016-2017م، دخلت إلى حيّز الإنتاج قذيفة الياسين 105 المضادة للدروع عام 2018، وكذلك قذيفة الياسين المضادة للتحصينات والأفراد بالإضافة إلى عبوات العمل الفدائي.
ليكون ذلك إبداعًا كاملًا يُحسب لمهندسي القسام من الصفر حتى اكتمال ونجاح القذيفة بقوة انطلاقها واندفاعها واستمرارها حتى وصولها إلى هدفها، وقدرتها على الاختراق للدروع بمسافة تتراوح بين الـ60-100 سم في جسم الدبابة والمدرعة.
وبالتوازي مع هذا التطور في التصنيع العسكري، عملت الكتائب على تدريب قناصي الدروع على مواجهة الآليات والمدرعات لجيش الاحتلال وقد تضمن هذا المسار دراسة دبابة الميركافا دراسة مستفيضة وكذلك باقي آليات جيش الاحتلال والتعرف على نقاط ضعفها وآليات عملها وتكتيكها وكذلك بناء نماذج تحاكي تلك الآليات بشكل دقيق جدًا من حيث الحجم والشكل وكذلك تصميم أجهزة محاكاة رماية لتدريب المجاهدين على أنواع الرماية الثابتة والمتحركة والقريبة والبعيدة وأيضًا التدرب على المناورة بالأسلحة المضادة للدروع في الميدان.
لتتكامل بذلك مرحلة مهمة من مراحل التطور في التجهيز والإعداد داخل صفوف كتائب القسام.
الطوفان
مع اندلاع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر لعام 2023، أعلنت الكتائب عن دخول قذيفة ياسين 105 المضادة للدروع وقذيفة ياسين 105 (TBG) المضادة للتحصينات والأفراد إلى الخدمة.
توعدت القسام العدو بأن هذا السلاح سيكون له دورٌ فاعل في تبديد أوهامه وتحطيم آلياته في الحرب البرية وقد كان ذلك.
أضحت قذيفة الياسين 105 أيقونة بارزة ومهمة في معركة طوفان الأقصى. منذ اليوم الأول للطوفان وخلال عملية العبور الكبير استخدم مجاهدو القسام هذه القذيفة، وبرز اسمها مع بدء المعركة البرية بإعلانات القسام المتتالية عن تصدى طواقم الدروع وقوات النخبة لآليات ودبابات العدو، وفي مقدمتها دبابة “الميركفاه 4 BAZ) التي طالما تغنى بها المحتل وجهزها بأعتى الأسلحة والمنظومات والتدريعات ضد الصواريخ الموجهة.
المفارقة أنه وصلت تكلفة إنتاج الدبابة الواحدة لنحو 6 مليون دولار تنقسم إلى 3 ملايين لجسم ودرع الدبابة ومليون لمنظومة المدفع ومليونين لباقي الأجهزة والمنظومات التي يتم تركيبها على هذه الدبابة، في المقابل لم تتجاوز تكلفة إنتاج القذيفة الواحدة من الياسين 105 لـ 500 دولار.
وفي حصيلة تُنشر لأول مرة، فقد تمكن مجاهدو القسام (حتى تاريخ إعداد التقرير) من إعطاب وتدمير أكثر من 1108 آلية منها 962 دبابة و55 ناقلة جند و74 جرافة و3 حفارات و14 جيب عسكري، وأسفرت عن مقتل وإصابة عدد كبير من ضباط وجنود العدو داخل تلك الدبابات والآليات التي احترق عدد من الجنود داخلها وقتل عدد منهم بعد سحق الطيران لآلياتهم لعدم مقدرة قوات الإنقاذ على سحبها.
المصدر: موقع كتائب الشهيد عز الدين القسام