علي علاء الدين
أبرزت قيادة العدو الصهيوني مصطلحين او مفهومين يحاكيان مستقبل الوضع في قطاع غزة، وهما “اليوم التالي” و”المرحلة الثالثة”. والأخير يوحي كما لو أنّ جيش العدو أكمل مرحلتَين، وفي ضوء ذلك قرّر الإنتقال إلى مرحلة ثالثة، في الطريق إلى تحقيق الأهداف الكبرى. فيما يوحي “اليوم التالي”، كما لو أنّ الحرب ستنتهي إلى نتائج عسكرية تمهّد الطريق لترتيب الوضع السياسي والأمني في القطاع بما يتناسب مع المصالح الإسرائيلية.
ولكن الواقع يقول ان المرحلة الثالثة ما هي الا مرحلة الهروب الى الامام بعد فشل المراحل السابقة في تحقيق اهدافها واصبح من الصعب الاستمرار في نفس التكتيكات لاسباب سياسية وميدانية خاصّةً وأنّ إعلان وقف الحرب من دون تحقيق الاهداف المعلنة وعلى رأسها القضاء على المقاومة سيترتب عليه تداعيات خطيرة على صورة الكيان الصهيوني الردعية. وما الانتقال الى المرحلة الثالثة واستكمال الحرب الا مطلب اميركي ضروري، وذلك لاعتبارات داخلية اميركية.
مع ذلك، فإنّ قرار استمرار الحرب بوسائل أخرى هو مطلب أميركي مُلح، وليس موقفا إسرائيليا بدعم أميركي. وينبع الإصرار الأميركي من اعتبارات داخلية، ولإدراك واشنطن المخاطر الكامنة في مواصلة مسار الحرب التصاعدي. حيث تعتبر أن ما تحقّق من نتائج عسكرية ومجازر وتدمير، يمكن توظيفه سياسياً في المرحلة التي تلي.
ماذا بعد الحرب
بالنسبة للكيان الصهيوني فان اليوم التالي للحرب هو مهم جدا، فمن خلاله يتبين نجاح الحرب من عدمها، ومن خلال ما سيحدث فيه سيحاول الكيان التسويق لصورة الردع ازاء المقاومة في غزة، بالاضافة الى سعيه لتبديد التهديد الذي كانت تُشكِّله حماس في “الوعي الصهيوني الرسمي والشعبي”.
لكن الواقع أنّ الجيش لم ينجح في تطويع إرادة المقاومين ولا في سلبهم القدرات التي تسمح لهم بمواصلة استهداف قواته. وعلى هذه الخلفية، حدّد مستشار الأمن القومي السابق مئير بن شبات، المصالح الصهيونية في الواقع الذي ينبغي أن يتشكل في غزة، على رأسها ضمان أمن مستوطنات غلاف غزة، بالاضافة لمنع عودة حماس الى الحكم ومنع تعاظم قوتها العسكرية.
التحدي بالنسبة للكيان الصهيوني هو الاجراء او الترتيب الامني والسياسي الذي يضمن هذه المصالح. وهنا تتعدّد الطروحات بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو التي اكتفت حتى الآن، بتحديد ما لا تريده في القطاع: “لا حكومة تابعة لـحماس، لا إدارة إسرائيلية، لا سلطة فلسطينية، لا قدرات عسكرية تهدّد إسرائيل ولا قيود على حرّية عملها الأمني”.
ويبقى السيناريو الأكثر إقلاقاً للكيان الصهيوني، أن تواصل حماس عملياتها القاسية التي تقطع الطريق على تكيُّف الجيش مع الواقع الميداني. وأن لا تكتفي أيضاً بـ “وقف الحرب و(مبدأ) الجميع مقابل الجميع”. وأن تصرّ على انتزاع التزامات ليس فقط بسحب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة بأكمله والامتناع عن التصفيات، بل أيضاً إعادة إعمار القطاع. “وبهذه الطريقة، ستتبلور صورة أنّ حركة حماس نفّذت هجوماً عسكرياً ناجحاً، وحقّق أهدافه، العديد من الأهداف السياسية والاستراتيجية. ومن ضمنها “تحرير الأسرى وآلية لإصلاح الدمار”.
أزمة داخلية عاصفة
بموازاة الازمة التي يواجهها الكيان الصهيوني إزاء مستقبل الوضع في غزة، ومع الإدارة الأميركية، بدأت الانقسامات الداخلية تتصاعد وتظهر على مواقف الوزراء والسياسيّين. فللمرّة الثالثة ألغى نتنياهو المداولات بشأن “اليوم التالي” للحرب، تحسُّباً لردّة فعل اليمين المتطرف وعلى رأسه الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير اللّذين يهددان بإسقاط الحكومة في حال تمّ تداوُل مسألة إنهاء الحرب على غزة والبحث في المرحلة التالية.
في المقابل، نقلت تقارير عبرية، بأنّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن طالب خلال اجتماعه مع “كابينيت الحرب”، بدمج “حلّ الدولتين” ضمن الرؤية الصهيونية لـ”اليوم التالي للحرب”. وأنّه في حال لم يتم التعامل مع “حلّ الدولتين” كرؤية مستقبلية لقطاع غزة، فان الكيان لن يتقدم سياسيا وان التطبيع مع السعودية يصبح بعيد المنال.
يؤشِّر هذا التباين وحضوره على طاولة الحكومة، بعد مئة يوم على الحرب، إلى بداية تحوُّل في التماسك السياسي والشعبي أيضاً. يُضاف إلى أنّ عدم تحقيق إنجازات إستراتيجية في الحرب، يفتح الباب على تأجيج الخلافات الداخلية بعدما ساهم تعريف الحرب كحرب وجودية والإصرار على تحقيق أهدافها، في تأجيل المحاسبات السياسية وترحيل تحميل المسؤوليات.
في ضوء ما تقدَّم، يمكن التقدير أنّه في حال لم يحصل تطوُّر أمني بارز (على الحدود الشمالية) فإنّ حكومة الطوارئ تتّجه نحو التفكُّك، خاصّةً إذا ما أصرّ نتنياهو على الموقف السلبي من الطرح الأميركي، بخصوص “حل الدولتين”، لضمان تأييد دعم حلفائه من اليمين.
المصدر: موقع المنار