يصحّ القول أنّ كافة الأطراف تريد الوصول إلى نهاية الحرب على غزة، في أسرع وقت ممكن وبأقل كلفة ممكنة . ولكن كلّا من الاطراف يريد نهاية مغايرة للطرف المعادي. لذلك فإنّ سيناريوهات وقف الحرب وما قد يتلوها، متعدّدة ومفتوحة. ولكن الواقع الحالي والتأسيسي لأي سيناريو هو صمود المقاومة في القطاع وفشل العدوان الاميركي الصهيوني في تحقيق الأهداف التي رفعها، إضافة إلى ما تعتمده حكومة نتنياهو من الغموض على المستوى السياسي إزاء المرحلة التي تلي.

القاعدة تقول، إنّ توقُّف الحرب لا يتحقّق إلا بانتصار أحد أطرافها عبر تحقيق أهدافه بشكل كامل. أو باقتناع أحد الأطراف أنّ الآفاق مسدودة أمامه. ويصبح الاستمرار في الحرب يعني المزيد من التدهور ومن الخسائر. ويدفع هذا السيناريو إلى البحث عن بدائل أخرى بهدف استدراك ما يمكن. ويمكن أن يتجلّى ذلك بالاستعداد للتوصُّل إلى تخفيض سقف الأهداف وبما أنّ الكيان الصهيوني هو المبادر لهذه الحرب، فإنّه المعنيّ بهذه المعادلة.

في المقابل، فإنّ أهداف المقاومة، تتمحور حول الصمود واستنزاف العدو ورفع كلفته، ومنعه من تكريس احتلاله، والحفاظ على هامش حركتها في المبادرة والرد في المرحلة التي تلي، إضافة إلى القدرة على ترميم وإعادة تطوير قدراتها. والعديد من الأهداف الأخرى التي تتّصل بالأسرى ورفع الحصار…

لا يبدو انتصار العدو راهناً سيناريو مرجّح، بل هو أكثر استبعاداً لجهة تحقيق الأهداف المعلنة لهذه الحرب حيث يتمّ التداول في الساحة الصهيونية بمفاهيم وصيغ الانتقال إلى المرحلة الثالثة، وحول ما بعد “اليوم التالي” للحرب.

إلى المرحلة الثالثة

يبرز في هذا المجال، وجود فجوة كبيرة بين الخطاب السياسي الرسمي حول استمرار الحرب حتى القضاء على حماس، وبين استعدادات الجيش الصهيوني الميدانية للانتقال إلى المرحلة الثالثة. حيث يستعد الجيش الصهيوني لإقامة منطقة فاصلة في داخل قطاع غزة، تُبعِد الخطر المباشر عن المستوطنات الصهيونية على طول الحدود، والتي لا تزال اليوم خالية من السكّان، وجزء كبير منها يحتاج إلى وقت طويل لإعادة إعماره بسبب الضرر الكبير الذي لحق بها خلال طوفان الأقصى.

في حال تحقَّق هذا السيناريو، يواجه جيش العدو تحدي مواجهة المخاطر الكامنة ، حيث يتحوَّل خلالها الجيش إلى أهداف للمقاومة ومن المتوقع أن يؤدّي ذلك إلى حصول ردود وردود مضادة، خاصةً وأنّ كلّ عملية توغُّل صهيونية، ستكون مصحوبة بغطاء كثيف تقدِّمه هيئة الأركان العامة وسلاح الجو، ويعني ذلك الانتقال إلى مرحلة جديدة للحرب حيث يكون الكيان الصهيوني قد سلَّم بفشله في تحقيق الأهداف المعلنة حتى الآن.

تحديات “اليوم التالي”
يظهر التباين الواضح بين حكومة نتنياهو وإدارة بايدن إزاء اليوم التالي للحرب حيث يتمحور الخلاف بين الطرفين حول كيفية استكمال الحرب بأدوات أخرى لتحقيق نفس الأهداف المتمثلة بالقضاء على المقاومة ومنع إعادة تشكُّلِها وتطوُّرِها.

ممّا يُميِّز المقاربتين الإسرائيلية والأميركية أنّهما تتمحوران حول فرضية واحدة هي القضاء على حماس وتفكيك قدراتها، وأنّه يتمّ التعامل مع ذلك كما لو أنّه أمر محسوم. وفي هذا المجال، حدَّد نتنياهو معالم سياسته إزاء المرحلة المقبلة بالتأكيد أنّ “غزة ستكون تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية لمنع نشوء تهديدات” وأن لا تعود السلطة الفلسطينية للسيطرة في غزة. وبعد الحرب “سيكون في غزة إدارة مدنية تقود إعادة الإعمار بقيادة دول الخليج”. وذهب نتنياهو في هذا المسار بعيداً فأكّد أنّ حكومته تنوي توسيع “اتفاقيات أبراهام” في “اليوم التالي”، وتجنيد دول الخليج التي وقّعت اتفاقيات مع “إسرائيل” من أجل إعادة إعمار القطاع، بالإضافة إلى السعودية.

في المقابل، تُشدِّد إدارة بايدن على طرح بديل واحد، هو سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع من جديد. وتستخدم في هذا المجال عبارة “سلطة مجدّدة لا تُشكِّل أيّ تهديد لإسرائيل” بحسب تعبير مستشار الأمن القومي جيك سوليفان.

اللاءات الخمسة التي أعلنت نائب الرئيس الأميركي، كاميلا هاريس، أنّها تعبِّر عن المبادئ التي توجه السياسة الأميركية: “لا تهجير قسري للشعب الفلسطيني، لا إعادة احتلال لغزة، لا حصار، لا تقليص في الأراضي، لا استخدام غزة كمنصّة للإرهاب” ، تظهر ان الولايات المتحدة ستعمل على احتواء المقاومة في غزة او محاصرتها او محاولة ضبطها عبر استخدام ادوات معروفة وهي اعادة الاعمار وتخفيف الحصار ، ما يؤشر الى  الرهان على دور قطري مصري تركي للضغط على المقاومة او على اقل تقدير لمحاولة اقناعها ولكن كل ما يطرح يتوقف فعليا على قرار المقاومة في غزة وعلى مصيرها .

مع ذلك، في حال نجحت المقاومة في الحفاظ على قوّة فاعلة وامتلاك المبادرة والقدرة على الرد، سيتحوّل القطاع إلى ساحة استنزاف للجيش الصهيوني. وستشُكِّل أيضاً عقبة رئيسية أمام أيّ ترتيب سياسي أمني أميركي يُهدِّد المقاومة في القطاع.

خلاصة
إن الاهتمام الأميركي المُكثَّف بالحرب الصهيونية على غزة وما يرافقها من تطورات إقليمية – من حيث المبدأ – هو مستجد طارئ على جدول أولويات الولايات المتحدة التي كانت تُركِّز على الحرب الأوكرانية-الروسية، ومسألة تايوان والصين، وما إلى ذلك. أضف إلى أنّ هذه الحرب تتعارض مع أولويات الولايات المتحدة في المنطقة، مثل ملف إيران النووي ومواجهة تصاعد محور المقاومة في المنطقة. فضلاً عن أنّ حرب غزة أصبحت مؤثّرة حتى في الداخل الأميركي على الدخول في عام الانتخابات القادمة (2024)، بما فيها تراجع شعبية الرئيس الأميركي، جو بايدن.

ان انتهاء مشهد الحرب وفق نمطها الحالي، هو أشبه بانتهاء عمليات رئيسية، ليفتح دينامية جديدة بهدف الدفع نحو حل أكثر جذرية على الساحة الفلسطينية، يتداخل فيها البعد الفلسطيني بالعربي والإقليمي. بعبارة أخرى، ستدخل الحرب مرحلة جديدة، وسيكون للمقاومة في غزة أيضاً الكلمة الفصل في المسارات التي يتمّ العمل عليها، في هذا الاتجاه أو ذاك.