بشكل جديد وفريد، أجرت المقاومة مناورتها العسكرية في أحد معسكراتها ببلدة عرمتى جنوب لبنان، على مرأى من العالم كله وبحضور اعلاميين واسع من وسائل إعلام لبنانية وعربية وأجنبية وسماح بالتصوير، كما نشر الإعلام الحربي في المقاومة مشاهد مصورة والكثير من الصور عن مجريات ما جرى في ذلك اليوم الاعلامي الجنوبي المقاوم.
ولا شك انه قيل وكتب الكثير عما جرى في الشكل والمضمون، فقد كثُر المديح والثناء على المناورة ومن نظمها عسكريا وتابعها إعلاميا، كما صدرت مواقف منتقدة، بالاضافة الى متابعة العدو الاسرائيلي لها في ظل كل ما سبقها من ترويج لدى حشد كبير من الاعلاميين، لكن تبقى الاسئلة المطروحة حول الغاية الحقيقية للقيام بذلك؟ وما هي الرسائل التي حملتها هذه المناورة؟
بالاجابة عن هذه التساؤلات يمكن ان تتشابه آراء البعض وبمتابعة القراءات والتحليلات نجد ان كثيرا منها صوّب باتجاه الرسائل التي حملتها هذه المناورة والإشارات التي أرادت المقاومة إطلاقها، لكن الأكيد ان المقاومة وحدها تعرف ماذا تريد فعلا من هكذا حدث ربما نظمته لأول مرة بهذا الحجم والاسلوب، لكن أيضا يمكن رسم بعض المشاهد والتقديرات لما يمكن ان تشكله هذه الواقعة سواء كنت مؤيدا او رافضا لها، منها:
-لا يمكن عدم قراءة هذه المناورة من حيث الزمان والمكان والظروف المحيطة بها، فالمقاومة اختارت ذكرى عيد المقاومة والتحرير في أرض طالما وصفت انها شديدة التحصين في جبل الريحان (بما كانت تضمه من مواقع عسكرية لجيش العدو الاسرائيلي ناهيك عن ميليشيا العملاء)، بالاضافة الى ان بلدة عرمتى كانت بوابة التحرير وبعدها كرّت سلسلة الهروب الكبير للصهاينة وعملائهم من الجنوب في أيار/مايو من العام 2000.
فالمقاومة أرسلت بالشكل رسائل للعدو الاسرائيلي ان هذا المكان وبهذا التوقيت يجب ان تدرك انه “إن عدتم عدنا” فأي حماقة في أي زمان ومكان داخل الاراضي اللبنانية سيلقى الرد المناسب شكلا ومضمونا، فجهوزية المقاومة بكل تشكيلاتها عالية وحاضرة وتحتاج فقط من قيادتها تحديد ساعة الصفر للدفاع او الهجوم، ولا يشغل المقاومة عن ذلك أي شأن داخلي مهما كان هاما.
-وانطلاقا مما سبق، فقد أكدت المقاومة للجميع ان السيادة اللبنانية مصانة ولا مجال للعب بهذا الموضوع سواء في البر او البحر او الجو، وكان لافتا هنا ما قاله مراسل قناة المنار في جنوب لبنان علي شعيب بُعيد انتهاء المناورة انه لم يتم ملاحظة اي طائرة اسرائيلية حربية او تجسسية في سماء المنطقة أبان مجريات المناورة، كما انه منذ فترة لم يتم رصد مثل هذه الطائرات في سماء الجنوب.
-معادلات ردع العدو الاسرائيلي، الحاضرة والتي تترسخ يوما بعد يوم، تفتح الباب على نوعية الاسلحة التي ظهر بعضها في المناورة ويتعلق بالسلاح المميز لاستهداف المسيرات او بالمسيرات المفخخة او المهارات الفردية لمناورة اقتحام المستوطنات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة، وغيرها من الاسلحة والخطط التي تبقى طي الكتمان، كلها تفتح الباب امام مخيلة العدو عما يمكن ان ينتظره من مفاجآت تعده بها قيادة المقاومة في أي حرب مقبلة.
-محاكاة اقتحام المستوطنات الصهيونية لا شك انه يأخذ حيزا كبيرا في الوعي والعقل الاسرائيلي، الذي يعيش دائما هاجس اقتحام الجليل منذ ان تحدث عن ذلك الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وبالتالي فمناورة الاقتحام للمستوطنات كانت أهم الرسائل التي يفترض ان العدو تلقفها جيدا.
-مشاهد القدرات البدنية التي يمتلكها شباب المقاومة في إشارة الى ان بنيانها يؤسس على أسس احترافية في كل شيء، فالتخصص والكفاءة اساس في عمل هذه المقاومة ولا مجال للتهاون في اعتماد أعلى المعايير العسكرية والفنية والعقلية والبدنية في عمل هذه المقاومة.
–الرسالة الأبرز للعدو (ومن يحميه دوليا وغربيا) ان كل ما يجري من تطورات في الاقليم من تفاهمات واتفاقات وتهدئة، بالاضافة الى ارتفاع وتيرة العدوانية الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني (كما ظهر خلال العدوان الاخير على قطاع غزة وما قابله من رد للمقاومة في عملية ثأر الاحرار) كل ذلك وأي تطورات اخرى اقليمية او دولية، لا يمكن ان تؤمن الحماية الموهومة لهذا الكيان الغاصب ولا يمكن ان تبعد الاخطار عنه، لا سيما الآتية من قدرات المقاومة بمختلف فصائلها، فالمقاومة هدفها واضح ومحدد ومعروف وبوصلتها فلسطين وحماية مقدساتها وحقوق شعبها.
-تفاعل مجتمع المقاومة من مختلف المكونات والطوائف مع هذه المناورة يؤكد حضوره القوي في كل الساحات كحاضن لها يرفدها بكل الحب والدعم، فلا مجال للتفرقة بين المقاومة وشعبها أيا كانت المؤامرات والمخططات سياسية ام اقتصادية، ليثبت هؤلاء انهم أشرف الناس كما يصفهم السيد نصر الله دائما.
المصدر: موقع المنار