’’من المحظور أن ندوس على ما كتبه مؤسسو الكيان في وثيقة الاستقلال وما بنيناه هنا في السنوات الخمس والسبعين الأخيرة’’
وزير الحرب السابق بني غانتس عن مشهد الانقسام في الكيان المحتل
“بداية نهاية الهيكل الثالث” (تعبير توراتي لزوال “اسرائيل”)، هكذا دقّ رئيس المحكمة العليا السابق في كيان العدو الاسرائيلي القاضي المتقاعد أهارون بارك ناقوس الخطر، نتيجة لـ “الإصلاحات” التي تنوي حكومة بنيامين نتنياهو إحداثها في الجهاز القضائي، والتي ستفضي بجزء منها إلى تقويض المحكمة العليا. المشهد في الداخل الاسرائيلي ينذر بانهيار الائتلاف الذي بُنيت على أساسه الحكومة الأكثر يمينية وتطرفاً في تاريخ الكيان، وبالتالي يطرح تساؤلات حول مدى إمكانية استمرار هذه الحكومة. ما الذي يحدث؟
كيف يسعى نتنياهو لتحصين نفسه وحلفائه؟
’’يتواجد هنا عشاق “إسرائيل” الذين جاؤوا للتظاهر من أجل دولة يهودية ديموقراطية وفق قيم وثيقة الاستقلال، ولن نستسلم حتى ننتصر’’
رئيس المعارضة في الكيان المحتل يئير لابيد
يبدو أن وتيرة التظاهرات المناوئة لحكومة نتنياهو آخذةٌ بالتصاعد، إذ نزل مؤخراً أكثر من مئة ألف متظاهر في مختلف مدن الكيان المحتل وبشكل رئيسي في تل أبيب، أمام منزل الرئيس في القدس، أمام مبنى البلدية في بئر السبع، وفي مركز حوريف في حيفا، وذلك بمشاركة رئيس المعارضة يئير لابيد، ووزير الأمن ورئيس الأركان سابقاً، موشيه يعالون، إضافة إلى الرئيس السابق لـ”الشاباك” عامي أيالون. ومن المتوقع أن تتكرر هذه التظاهرات وترتفع وتيرتها لجهة الحشود، مع استمرار الأزمة.
بالتزامن مع موجة التظاهرات تأتي ظاهرة الاستقالات على مستوى السفراء، كسفير الكيان في كندا رونين هوفمان الذي قال، بحسب صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية، إنه “في ضوء تغيير تشكيل الحكومة الجديدة وتغيير سياساتها، يشعر بأنه ملزم بإنهاء منصبه”، وللأسباب نفسها أعلنت سفيرة الكيان في فرنسا ياعيل جيرمان تقديم استقالتها في وقت سابق ايضاً. السؤال هنا ما هي الأسباب التي أشعلت فتيل الصراع؟
تشكّل “رزمة الإصلاحات”، أو مساعي الحكومة لتغيير تركيبة القضاء وصلاحياته سبباً رئيسياً لما يحدث، إذ إنها تؤدي إلى “تسييس الجهاز القضائي وسلبه الأدوات الرقابية على السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتقييد المحاكم” بحسب تصريحات لرئيسة المحكمة العليا، القاضية إستر حيوت. فما هي هذه الرزمة التي يقودها وزير القضاء يارييف ليفين؟ والتي يُقال إنها تُشكّل غطاءً لرئيس وزراء بنيامين نتنياهو الذي يُحاكم منذ أعوام بتهم “فساد وخيانة الأمانة”، إذ إنه عبرها يصبح من الممكن إلغاء محاكمته. تقوم هذه الرزمة على:
أولاً، إجراء تغييرات جذرية في السلطة القضائية من شأنها المس بنظام الحكم في كيان العدو وتراجع ما يُسمى بـ”الديمقراطية” والحريات الفردية والجمعية للأقليات القومية والاجتماعية وسيادة سلطة القانون، وذلك عبر الحد من سلطة وصلاحيات المحكمة العليا.
ثانياً، تمكين الحكومة والأحزاب السياسية من التحكم في لجنة اختيار القضاة في المحاكم الإسرائيلية عبر تعيين أعضاء في اللجنة من الأحزاب والسياسيين، ومنع إشراك القضاة في عضويتها.
ثالثاً، الحد من صلاحيات المستشار القضائي للحكومة، وكذلك المستشارين القضائيين لمختلف الوزارات، حيث تمنح الصلاحية للوزير تعيين أو إقالة أي مستشار قضائي في مكتبه.
لكن كيف سيستفيد نتنياهو وحلفاؤه حقيقة من هذه الاجراءات؟ يقول مراسل الشؤون القضائية في صحيفة “هآرتس”، حين معانيت، إنه “لفهم دوافع نتنياهو من الخطة كل ما هو مطلوب هو متابعة محاكماته ومساعيه خلالها لإخضاع وسائل الإعلام لرغباته”، موضحاً أنه “الآن، يريد فعل الشيء نفسه في النظام القضائي، لأنه لا يملك طريقة أخرى للهروب من التهم الموجهة إليه”.
بالإضافة لذلك، ستمكّن خطة الحكومة تجاه القضاء من تشريع قوانين تتعلق بتوسيع المشروع الاستيطاني وشرعنة البؤر الاستيطانية وفرض القوانيين الإسرائيلية في الضفة الغربية، ووضع اليد على مناطق “ج” (أكثر من 60% من أراضي الضفة الغربية).
وتخدم هذه الإصلاحات أجندة الأحزاب المتطرفة وتحالف “الصهيونية الدينية”، التي ستضمن أيضا منح صلاحيات واسعة للمحاكم الدينية اليهودية، واعتماد تشريعات تحتكم إلى التوراة في المجالات الحياتية اليومية، والحد مما يُسمى “مظاهر العلمانية”.
المعوّقات والمآلات
عندما بدأ الحديث عن هذه “الاصلاحات”، رأى كثيرون أنها “تمكّن من تثبيت رئيس حزب “شاس” أرييه درعي في منصبه وزيراً للداخلية في حكومة نتنياهو، رغم إدانته سابقاً بملفات فساد ومخالفات ضريبية”. لكن ما قام به نتنياهو من امتثال لقرار المحكمة العليا، وإقالة درعي، “بقلب مثقل” ربما يكون نوعاً من التهدئة المقصودة من رئيس الوزراء الذي تعهد لمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان “بالعمل على ضمان تمرير أي إصلاح قضائي باتفاق واسع، وأن التشريع النهائي سيتم تخفيفه عن النسخة المشددة التي كشف عنها وزير العدل ياريف ليفين”. خصوصاً أنه وبحسب “القناة ” 12″ الاسرائيلية، فقد ذكر سوليفان لنتنياهو أن “الجمهور الليبرالي والديمقراطي (في الولايات المتحدة) ونحن في الإدارة لسنا معجبين بالاتجاه الذي تسيرون فيها، فيما يتعلق بالإصلاح القضائي”. إضافة إلى أنه قد يأتي في سياق “المسايرة” للمحكمة والمزاج العام الذي يدعمها، إضافة إلى مخاوف من نتائج الأزمة الداخلية على الاقتصاد وجذب الاستثمارات، إذ حذر خبراء من “تخفيض المستوى الاتئماني” لكيان الاحتلال عالمياً، “بسبب التعديلات الحكومية على القضاء والتي ستضعف الثقة بالاقتصاد الصهيوني خصوصاً بعد صدور مؤشرات من شركات ائتمان عالمية كبرى بهذا الاتجاه”.
في الوقت نفسه، فإن الصراع الحاصل يتعدى هذه الاصلاحات إلى أزمة تحيط بطبيعة الائتلاف نفسه، الذي وُصف منذ تشكيله بـ “المثير للجدل”، وإمكانية استمراره.
وفي التفاصيل، تعكس إقالة وزير الداخلية ورئيس حزب شاس (أحد أبرز حلفاء نتنياهو في الحكومة) أرييه درعي، وجهاً واضحاً من وجوه هذا الصراع، إذ أنه يؤكد أن شرخاً ذو طابع طائفي وعرقي في الكيان وصل الى مرحلة خطرة، حيث أن “الصهاينة من أصل شرقي (درعي من الشرقيين) يشعرون بأنهم منبوذين مقابل الصهاينة الغربيين (الأشكيناز) الذين يستولون على مفاصل السلطة، ويشكلون أغلبية داخل المحكمة العليا”.
إضافة إلى إقالة درعي، يأتي الخلاف بين سموطريتش وبن غفير من جهة، وغالانط من جهة أخرى. فقد شهدت أروقة السلطة مواجهات مباشرة بين ما يُسمى وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانط، ووزير المالية بتسلئيل سموطريتش، على خلفية إخلاء بؤرة “أور حاييم” التي أُقيمت، تيمّناً بحاخام “الصهيونية الدينية”، حاييم دروكمان، على أراضي قرية جوريش في محافظة نابلس، وذلك بالرغم من مطالبات بن غفير، وسموطريتش، غالانط بعدم الإخلاء.
وأَلقى هذا الصدام بأثره على الجلسة الحكومية التي قاطعها وزراء حزب “الصهيونية الدينية”، فيما تأخّر عنها رئيس “حزب شاس” أرييه درعي، الذي قرر نتنياهو إقالته لاحقاً خلال الجلسة المغلقة.
وهنا يطرح كل ذلك أسئلةً حول تأثير ذلك على التفاهمات التي قادت إلى تشكيل حكومة نتنياهو، في ظلّ تضارب للصلاحيات ودعم نتنياهو توجهات غالانط بدعم من مستشار الأمن القومي الأميركي، إضافة إلى تأكيد محللين اسرائيليين أنه “على الرغم من رضوخ بن غفير وسموطرتيش قسراً لقرار غالانط إخلاء البؤرة الاستيطانية، إلّا أنهما سيثيران العديد من الملفّات في تحدٍّ لرئيس الحكومة ووزير الأمن”.
وهنا نذكّر ايضاً بما يُحكى عن مساع أميركية حثيثة لِلَجم اندفاعة حكومة نتنياهو والتي ستتوَّج في الأسابيع المقبلة بزيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ترافقت أيضاً مع رسائل أوروبية ردّاً على مخطّطات بن غفير لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، بعد زيارة قام بها نحو 30 ديبلوماسياً غربياً إلى المسجد برفقة الأوقاف الإسلامية، في خطوة أغضبت سلطات العدو.
كل ذلك يؤكد أن “ائتلاف نتنياهو” يقف أمام مزيد من التحديات في الفترة المقبلة، إذ إنه من الصعب الموازنة بين ضغط الشارع وصراعاته وتعقيداته، الرؤية الأميركية، وأطماع بن غفير وسموطرتيش.
المصدر: موقع المنار