قال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان خلال احتفال في المجلس الشيعي لمناسبة الذكرى السنوية الأولى لوفاة رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان: “عندما نتحدث عن الوحدة الوطنية ، فنحن نتحدث عن سماحةِ الإمام عبدِ الأمير قبلان. وعندما نتحدث عن الوحدة الإسلامية، فنحن نتحدث أيضا عن سماحة الإمام عبد الأمير قبلان. لقد تراكمت لديه رحمه الله تعالى النهايات الفكرية، التي وصل إليها سلفاه طيبا الذكر، الإمام المغيب سماحة السيد موسى الصدر ، والإمام العالم والفقيه المجدد ، محمد مهدي شمس الدين”.
أضاف: “هكذا بقي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى مجلسا أعلى، رافعا راية الوحدة الوطنية، عاملا على أن تكون وحدة المسلمين حجر الزاوية في صرح هذه الوحدة. كان ذلك ولا يزال، وسيبقى، هدفا نبيلا، بل الهدف النبيل، لدار الفتوى، وللمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ولمشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز، وللمجلس الإسلامي العلوي. من أجل ذلك اجتمعت هيئة (القمة الروحية الإسلامية) التي تضم المرجعيات الإسلامية الأربع (السنة – الشيعة – الدروز – العلويين) للتنسيق فيما بينها، ولبناء جسور التفاهم والتعاون مع شركائنا في الوطن، من مختلف الطوائف والكنائس المسيحية. ومن أجل ذلك أيضا، كان فقيدنا الكبير، يحرص على القيام بمبادرات شجاعة لتذليل الصعوبات، أو ما كان يبدو صعبا، بلمحة ذكية باسمة، أو بفكرة بناءة”.
وتابع: “لم يكن الإمام قبلان – يرحمه الله – يؤمن بشيء مستحيل في العلاقات الإسلامية – الإسلامية، أو الإسلامية – المسيحية. كانت الابتسامة عنده تحول المستحيل إلى ممكن. وكانت العقبات عنده مجرد كلمات متقاطعة يملك (ملكة) لتفكيك رموزِها بِعلم ومنطقٍ ورؤية ثاقبة، وحساب وإيمانٍ وابتسامة. فالمستحيل عنده، كان مجرد عقبة مؤقتة قابلة للتذويب، أو على الأقل، للالتفاف عليها . بالمحبة كان يتجاوز العراقيل والصعاب. وبِالإبتسامة كان يقيم جسور التفاهم والتعاون. وكم من مرة نجح في الالتفاف حول عقدة عامة، بالتفاتة ذكية من خارج كل الحسابات والتوقعات، فيحول الغموض العابس إلى وضوح مبتسم”.
وقال: “كان رحمه الله تعالى في قيادته للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، كما كان في تدخلاته البناءة، في الاجتماعات الإسلامية – الإسلامية، والإسلامية – المسيحية ، يبدو مميزا ومتميزا في تدوير الزوايا الحادة، وفي تقرِيب وِجهات النظر، واستخلاص الإيجابيات للبناء عليها. لم يكن عند الإمام عبد الأمير قبلان شيء مستحيل، خصوصا إذا كان يتعلق الامر بالعلاقات الإسلامية – الإسلامية، أو الإسلامية – المسيحية. فعنده كان لكل مشكلة حل. وأحيانا تكون التوجهات الصادقة لديه والابتسامة هي المدخل إلى الحل، إذ تتفكك معها العقد، وتنفرج الأسارير، وتجد الأفكار المتلاطمة طريقها إلى الرؤى المشتركة. وبهذا، كان الإمام الراحل مدرسة فريدة من نوعها، في العمل الديني الجامع، وفي العمل الوطني الموحد”.
أضاف المفتي: “إننا في ذكرى وفاته، نفتقد الوجه المنير الباسم. نفتقد حكمته وإخلاصه وصدقه. ونفتقد إيمانه المطلق بالقدرة على تقويم الاعوجاج، وتدوير الزوايا الحادة، وشق طرق العمل البناء والمشترك”.
وتابع: “يعاني لبنان من أزمات شتى، لا تعد ولا تحصى، والسعي جاد وكذلك الجهد من الرئيس المكلف لتشكيل حكومة تواجه هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها لبنان، وتجترح حلولا تخرج البلد من هذا النفق المظلم الذي طال مكوثنا فيه، وليست هذه المهمة مسؤولية الحكومة وحدها، بل هي مسؤولية جميع القوى السياسية التي شاركت وتشارك في إدارة مرافق الدولة على اختلافها، ليسهل تنفيذ الحلول على الحكومة، بإعطائها ما تحتاج إليه من دعم ومواقف إيجابية، لتسلك السبيل الصحيح إلى ذلك. وبدل من أن يتضافر الجميع حول هذا الهدف، نجد للأسف من يطلع علينا من هنا وهناك، بأصوات ناشزة، ومواقف تنحو منحى غير مريح، يزيد الأمور تعقيدا، ويزيد الشعب اللبناني بؤسا وشقاء، وكأن هذا الشعب ليس من أهلهم ولا من ذويهم، ولا أبناؤه أبناءهم، ولا مصيره مصيرهم. لقد أولاهم هذا الشعب ثقته، وحملهم أمانة قيادة الوطن، فجنحوا به إلى جرف آيل إلى السقوط في أي لحظة”.
وقال: “إننا نريد حكومة تنهض بهذا الشعب المغلوب على أمره، ومن غير المسموح أن ينحدر به المسؤولون من جراء مواقفهم إلى واد سحيق من أودية جهنم التي يكوى بنارها السواد الأعظم من اللبنانيين، الذين فقدوا ما جنوه سحابة أعمارهم، وهجر أبناؤهم الذين خسرهم الوطن ثروة بشرية عليها يقوم مستقبل لبنان الذي أردناه واعدا. إن التعاطي بإيجابية مع تأليف الحكومة، يساعد الرئيس المكلف على التشكيل، لا على التعطيل، الذي يكون انعكاسه سيئا على الجميعِ من دون استثناء، ولا بد لنا من أن نؤكد المؤكد، أن تشكيل الحكومة هو مطلب اللبنانيين جميعا، وإذا لم يتم التشكيل، نخشى من أسوأ مما نحن فيه، خصوصا وأننا دخلنا استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإذا لم نستطع تأليف حكومة، فكيف سيكون الأمر بالنسبة إلى انتخاب رئيس جديد؟”.
أضاف : “حذار ثم حذار من الوصول إلى الفراغ الرئاسي، فهذا الاستحقاق – كما تشكيل الحكومة – تجري في سبيله مساع كبيرة اليوم. ومعالجة هذين الاستحقاقين أمر أكثر من ضروري، لكي تتمكن الدولة من الصمود والاستمرار، ولكي ننقذ اللبنانيين الذين يعيشون أسوأ مرحلة مروا بها ، وواجهها وطننا منذ ولادة دولة لبنان الكبير”.
وتابع: “إن انتخاب رئيس للجمهورية، استحقاق مهم، فهو رأس الدولة، وينبغي أن يكون مرجعية جامعة وشاملة لكل اللبنانيين. المطلوب هو الوفاق والتوافق، لتأمين عملية الانتخاب ، فلبنان بلد توافقي، والفراغ هو كارثة على لبنان وعلى اللبنانيين. دورنا أن ننتبه ونتنبه، كي لا نصل إلى ما لا يحمد عقباه، وما حصل في الماضي بالنسبة إلى الفراغ الرئاسي، من غير المسموح أن يتكرر، لأن ما يمكن حدوثه قد يكون الأسوأ . واليوم ليس كالأمس، كل شيء تغير في هذا الإطار، وعلينا أن ندرِك هذه الحقيقة، وأن نعمل جميعا على إنجاز تشكيل الحكومة، وانتخاب رئيس جديد لكل اللبنانيين”.
وأردف: “إن دار الفتوى سعت، وتسعى دائما إلى جمع الكلمة، ووحدة الصف اللبناني، ولا ننسى أن لبنان محاط بمخاطر واستهدافات كثيرة، ولا سبيل لخلاصه إلا بالتضامن والوعي والحكمة والإدراك ، فهي كفيلة بدرء الخطر عن لبنان، وجعله سدا منيعا في وجه كل متربص لئيم”.
وختم: “رحم الله فقيدنا الكبير سماحة الإمام العلامة الشيخ عبد الأمير قبلان. وإننا في ذكرى وفاته، نبتهل إلى الله العلي القدير، أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يجزيه خيرا على ما فعل وقدم. وخير ما ترك لنا من علم ومنهج متميز في الاعتدال والتسامح والوحدة الإسلامية والوطنية ، وحب الخير للناس كل الناس”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام