واضح أنّ الرواية الصهيونية لمجريات وحيثيات المسيرات الثلاثة، سلكت وجهة الدعاية والترويج لإنجاز إستخباري وميداني للجيش الصهيوني، حيث تقاطعت تفاصيل الرواية التي تداولها المُعلِّقون والخبراء، مع الخطوط العامة للبيان الذي أصدره المتحدّث بلسان الجيش. وأفادت، أنّه قُبيل الساعة الـ 15:00 من بعد ظهر يوم السبت، حلّقت المسيَّرات الثلاث وهي من نوعيات مختلفة نحو حقل كاريش، وفي مواجهتها أقلعت طائرات F-16 من قاعدة “رمات دافيد”، بالتوازي مع سفينة صواريخ “أحي إيلات” التابعة لسلاح البحرية التي تحمل منظومة مضادة للصواريخ من طراز باراك وأطلقت صاروخين. وأضافت أنّ المسيَّرات التي أتت من جهات متنوّعة، لم تحلِّق بشكل هيكلي، وحلّقت أيضاً على إرتفاع منخفض، ممّا شكَّل تحدّياً لأنظمة الكشف الإسرائيلية.
واتت العملية والصعوبة البالغة في اعتراض الطائرات رغم الاستنفار البحري والجوي الصهيوني والكثير من التوقعات وحديث الخبراء الصهاينة منذ ايام ان احد الاحتمالات هو ارسال طائرات مسيرة، مما طرح تساؤلات كبيرة حول قدرة كفاءة وقدرة الردع والمواجهة امام عدد محدود من المسيرات غير المسلحة.
وركّز الإعلام الصهيوني على أنّها المرّة الأولى التي تُستخدم فيها عملياً صواريخ “باراك 1″، حيث كشف أحد المُعلِّقين أنّ التحقيقات الأوليّة في الجيش كشفت أنّه لما حدّد سلاح الجو- بشكل لا لبس فيه- أنّ المسيَّرات معادية، تمّ إطلاق طائرتين حربيتين من سرب “هعيمك”. ونجح الطيارون في إسقاط إحدى المسيَّرات بواسطة صاروخ، لكن لاحقاً وجدوا صعوبة في تعقّب المسيَّرة الثانية وفي تركيز صاروخ نحوها لعدّة أسباب. ولاحقاً أُطلِق صاروخ آخر على المسيَّرة، لكنّه لم يُصب الهدف. وأضاف المُعلِّق: واجه الطيّارون صعوبة في تحديد المسيَّرة الثالثة، لعلوّها المنخفض. وعليه، تقرّر في المشاورات بين كبار المسؤولين السماح لقائد السفينة “أحي إيلات” باعتراض الطائرتين، والتي تمّ تحديدها من قبل المنظومات في السفينة. ولصالح المهمة تمّ إخلاء المجال الجوّي من مسيَّرات سلاح الجو.
اما على المستوى السياسي، تطرّق رئيس الحكومة يائير لبيد لعملية إطلاق المسيَّرات باتجاه حقل كاريش، في أكثر من مناسبة: الأولى، بطريقة غير مباشرة، خلال خطابه الأوّل (السبت)، بصفته رئيساً جديداً للحكومة الإنتقالية، حيث قال: “وأقول لكلّ من يريد الشرّ لنا من غزّة وطهران ومن شواطئ لبنان إلى سوريا لا تختبروننا، وإسرائيل تعرف كيف تستخدم قوّتها في مقابل كلّ تهديد ومقابل كلّ عدو”.
المرّة الثانية، بطريقة مباشرة، كانت في مستهلّ جلسة الحكومة الأسبوعية، الأحد، وخلافاً لتقديرات المؤسّسة الأمنية والعسكرية لجهة أهداف المسيَّرات، قال لبيد: “إعترض الجيش الإسرائيلي أمس ثلاث مسيَّرات معادية حاولت ضرب بنى تحتية في المياه الاقتصادية لإسرائيل”.
فور حصول عملية الإعتراض، أجرى وزير الحرب بني غانتس، تقديراً للوضع بمشاركة رئيس هيئة الأركان العامة ومسؤولين كبار في الجيش الصهيوني ووزارة الحرب، قال بني غانتس في أعقابها إنّ “إسرائيل ترى من واجبها وحقّها العمل ضدّ أيّ محاولة لانتهاك سيادتها”.
وفي اليوم التالي لاطلاق المسيرات، عقّب غانتس عبر تغريدة: “أمس وقع حادث خطر من ناحيتنا مرتبط بحماية المياه الإقتصادية لدولة إسرائيل. نحن مصمّمون على الدفاع عنها”. وأضاف: “إسرائيل مستعدّة لحماية منشآتها من أيّ تهديد. وهي ستواصل حماية أصولها، وهي ترى أنّ من واجبها ولها الحق في العمل والردّ على كلّ محاولةٍ للمسّ بها”.
بينما حاول المستوى الامني تحويل اعتراض المسيرات الى الدعاية والترويج لنجاح الجيش، عبر بيان اصدره تحت بند سمح بالنشر، بالاضافة لمقابلة اعلامية اجراها الناطق الرسمي باسم الجيش ران كوخاف، أشار فيها إلى وجود معلومات إستخباراتية مسبقة، وأنّ المؤسّسة العسكرية-الأمنية كانت مستعدّة لها. اثارت مصادر امنية اخرى مخاوف من أنّ حزب الله سيحاول القيام بهجمات أخرى، وأنّه لم يقل بعد كلمته الأخيرة، ومن بين السيناريوهات المتوقّعة في المستقبل، هي قيام حزب الله بإرسال العديد من الطائرات المسيَّرة المسلّحة أو المفخّخة دفعةً واحدة، لأنّ تفعيلها أرخص بكثير من تكلفة عمليات الإعتراض الإسرائيلية.
وأوضح مسؤولون في المؤسّسة الأمنية والعسكرية أنّ مثل هكذا عملية لا تُشكِّل تهديداً كبيراً على المنصّة، بل تسبِّب لها ضرراً موضعياً، إلى جانب الأضرار المتعلِّقة بالشعور بالأمن لدى الأطقم المُشغِّلة. وفي هذا السياق أشار مُعلِّقون إلى أنّ المؤسّسة الأمنية والعسكرية مستعدّة لإمكانية أن يُنفِّذ حزب الله عمليات أُخرى من هذا النوع.
تجدر الإشارة إلى أنّ أغلب المُعلِّقين الصهاينة وضعوا العملية في سياق توجيه الرسائل وحرب الوعي، وذلك لاعتبارين: الأوّل ميداني وهو أنّ الطائرات لم تكن مسلّحة أو مفخّخة؛ والثاني تقديري، وهو أنّ حزب الله ليس في وارد فتح مواجهة واسعة مع “إسرائيل”. وقال مُعلِّقون إنّ “هذه المسيَّرات هدفها عملياً، جمع معلومات إستخبارية أو تنفيذ عملية على مستوى الوعي”.
وفي موازاة بحث السياق والأهداف، ذكر مُعلِّقون أنّ ما جرى يدّل على أنّ حزب الله راكم ثقة بالنفس في إستخدام طائرات مسيَّرة، وبناء على ذلك، فإنّ الحزب قد يستخدم في المرّة المقبلة طائرات مسلّحة أو مفخّخة.
وفي محصلة التحليلات والمقاربات السياسية والاعلامية في الكيان الصهيوني، تحدث معلقون صهاينة عن معضلة الرد والخيارات المطروحة فتم تداول عدة خيارات خلال النقاشات الاعلامية وكان اولها هو عدم الرد باعتبار عدم وقوع اضرار مادية، اما ثانيها فهو استهداف موقع في لبنان وهو ما يمكن ان يؤدي الى تصعيد عسكري في فترة حكومة انتقالية صهيونية، اما الخيار الثالث فهو ردّ من نوع ردود “حرب الوعي” – سايبر، إنفجار فوق صوتي “خرق جدار الصوت”، رسائل إستراتيجية – لا إحتمال تصعيد، ولكن بحسب المعلقين فمن الممكن أن يُعتبر ضعفاً.
في الخلاصة، فان ما نقلته صحيفة “يديعوت أحرونوت”، عن ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي بالامكان اعتباره الاقرب الى ما رسخ في الوعي الصهيوني وهو” إن إطلاق الطائرات المسيَّرة لم يكن رد فعل من جانب حزب الله على هجمات إسرائيلية في إيران أو سورية، في الفترة الأخيرة، بل إن هذا الحدث مرتبط بالنزاع الجديد حول المنصة (كاريش)”. واعتبرت الصحيفة أن “حزب الله حاول من خلال إطلاق المسيَّرات التلميح إلى أن رفض إسرائيل التنازل تجاه لبنان بشأن المنصّة ليس مقبولاً لديه، وأنه يجدر بإسرائيل التجاوب مع المطالب اللبنانية، ورسالة حزب الله كانت واضحة: بإمكاننا إرسال مسيَّرات غير مفخخة، ولكن بإمكاننا أيضاً إرسال مسيَّرات تنفجر على المنصَّة عندما يبدأ العمل فيها”. ولفتت الصحيفة إلى أن “بحوزة حزب الله قدرات أكبر بكثير من القدرة التي بدت أمس الأول، والتي كان هدفها نقل رسالة لا التسبّب في أضرار بالضرورة، والكلمة الأخيرة في المعركة حول المياه الاقتصادية لم تُقَل بعد، ويتوقع أن تتواصل”.
المصدر: موقع المنار