بعد التزام سياسة الحياد لعقود، اتخذت كل من السويد وفنلندا خطوة استراتيجية على مستوى سياستهما الخارجية، تمثلت باتخاذ قرار الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وذلك في ظل أحداث استثنائية تعيشها اوروبا مع مواصلة روسيا عمليتها العسكرية في اوكرانيا. وقد لاقى هذا القرار قبولاً شعبياً لدى البلدين، وفقاً لاستطلاعات الرأي، التي لفتت إلى أن أكثر من 70% من الفنلنديين يرحبون بهذا القرار بعد أن كانت نسبة التأييد لا تتجاوز الـ 20% على مدار العشرين عاماً الماضية. أما السويد التي لم تخض حرباً منذ عام 1814، فقد أيّد أكثر من نصف سكانها فكرة الانضمام إلى الحلف العسكري على خلفية الحرب الدائرة في اوكرانيا.
أما على المستوى الأوروبي، فقد لاقى قرار البلدين ترحيباً من أعضاء الناتو، ما عدا تركيا، التي طلبت مقايضة موافقتها على توسيع الحلف بـ “تعاون كامل” من فنلندا والسويد ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني وحلفائهم (في إشارة إلى أنصار الداعية المعارض فتح الله غولن)، وهو ما حصل، عقب اجتماع ثلاثي جمع البلدان الثلاثة سبق قمة الحلف في مدريد، ليخرج بعدها الأمين العام ينس ستولتنبيرغ معلناً قبول عضوية السويد وفنلندا.
وأوضح ستولتنبيرغ في تصريحات الأربعاء، أن “عملية الانضمام تسير بسرعة غير مسبوقة، ويعتمد تاريخ عضويتها على التصديق على بروتوكول الانضمام، ومصادقة 30 برلماناً”. كما لفت الأمين العام إلى أن “قمة الناتو ستتبنى مفهوماً استراتيجياً جديدا سيشكل مخططا لبناء تحالف مستقبلي”، مشيراً إلى أن “روسيا تمثل تهديدا مباشرا لأمن دول الناتو”. وأعلن أن قادة الناتو “سيعيدون التأكيد على التزامهم بزيادة الإنفاق الدفاعي في القمة”، مضيفاً ان الحلف “سيزيد عدد قوات الرد التابعة له من 40.000 إلى 300.000 بحلول العام المقبل”.
من جهتها، تلقفت روسيا الحدث الأوروبي بـ “سلبية”، حسبما أعلن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، إذ رأت أن توسيع الحلف “عامل بحت لزعزعة الاستقرار”. ووصف ريابكوف ما حدث بالـ “مسار غير المسؤول لحلف شمال الأطلسي، والذي يقضي على البنية الأمنية الأوروبية”، موضحاً أن “أن دول الناتو، بما في ذلك تلك التي تسعى للانضمام إلى الحلف، فنلندا والسويد، تتنازل في الواقع عن جزء من سيادتها الدفاعية للولايات المتحدة”. وتابع متسائلاً “كم ستكون الفترة المقبلة هادئة بالنسبة لجيراننا في شمال أوروبا؟ في النهاية، أعطوا جزءا من سياستهم الخارجية وسيادتهم الدفاعية لواشنطن، ومن يسمون شركاء كبار آخرين في الناتو”.
هذا وأكدت الولايات المتحدة من جانبها أنها “لم تقدم أي تنازلات لتركيا لضمان إعطائها الضوء الأخضر لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي”. وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لصحافيين إن تركيا “لم تصر على إدراج مطالبها بالحصول على طائرات حربية أمريكية متقدمة في المفاوضات”. وأوضح المسؤول أن قرار تركيا “يوفر دفعًا قويًا” لوحدة الناتو، حسب قوله، مضيفًا أن الرئيس جو بايدن “يدعم الاتفاق بين تركيا وفنلندا والسويد، وأنه لعب دورًا خلف الكواليس في مفاوضات دولتي الشمال الأوروبي مع تركيا”.
ويأتي كلام المسؤول في وقت من المتوقع فيه أن يجتمع بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان على هامش القمة. وفي سياق قمة مدريد، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى “رسالة وحدة وقوة”، كما دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون كل دول حلف شمال الأطلسي إلى زيادة نفقاتها العسكرية من أجل “إعادة تشكيل قوة الردع وضمان الدفاع خلال العقد المقبل”.
وذكرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أن بلادها “لا تريد أن يتم التخلي عن الاتفاق الأساسي بين الحلف وروسيا”. وعلقت الوزيرة بخصوص “زيادة حجم قوة الرد السريع لحلف الناتو”، قائلة إن “حلف شمال الأطلسي سيحمي بذلك كل شبر من أراضي الحلف”. كلام بيربوك يأتي في وقت سبق، أن أفادت فيه صحيفة “فيلت” أن ألمانيا وفرنسا ستصران خلال قمة حلف الناتو في مدريد على الإبقاء على الاتفاق الأساسي بين روسيا والحلف، في وقت تدعو فيه دول شرق اوروبا إلى إلغاء الاتفاق الأساسي الموقع بين روسيا والناتو عام 1997.
وإلى جانب أوكرانيا، ستتيح اجتماعات الناتو اعتماد “مفهومه الاستراتيجي” الجديد الذي يشكل أول مراجعة لخارطة الطريق المنتهجة منذ العام 2010 ويفترض أن يتطرق للمرة الأولى إلى “التحديات التي تطرحها الصين”.
المصدر: موقع المنار