عندما قدم الوزير جورج قرداحي استقالته من الحكومة اللبنانية قبل ايام، وضع قراره وخطوته هذه في خدمة البحث عن حل يوقف الازمة التي افتعلتها الرياض ضد لبنان، وقدم قرداحي ورقة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي زار الرياض السبت الماضي ليبحث ملفات من ضمنها الازمة مع لبنان. فهل فعلا سيكون لهذه الخطوة الأثر على وقف الازمة والمقاطعة وتغيير السياسة السعودية القائمة ضد لبنان؟
لا شك ان استقالة الوزير قرداحي “المشرّفة” لم تحصل بشكل متسرع وتحت الضغط بل قدمت بدقة لانها حصلت في توقيت يعتقد فيه انه سيخدم مهمة فتح كوة في جدار الازمة السعودية المصطنعة ضد لبنان، وبالتالي فالرجل قدم المصلحة العامة على أي مصلحة خاصة شخصية او حزبية، وقدم استقالته في لحظة يعتقد انها قد تخدم مصلحة اللبنانيين، على الرغم من انه لم يسىء لأحد عندما اعتبر ان الحرب في اليمن عبثية، ولكن الامر اتخذ حجة لتصعيد الضغوط على لبنان ومقاطعته وبات الضغط يتصاعد حتى كأن الرجل سيتحمل وزر العديد من الازمات والاوضاع القائمة في لبنان.
اثناء لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، جرى اتصال مشترك مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، وقال ماكرون في تصريح مقتضب حول الامر: “لقد أجرينا اتصالا هاتفيًا مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، وقد جرى في خلاله تبادل الالتزامات”. وبعد وقت وصف ميقاتي الاتصال بينه وماكرون وبن سلمان بأنه “خطوة مهمة نحو استئناف العلاقات الأخوية التاريخية مع المملكة العربية السعودية”.وقد صدر بيان عن اللقاء الفرنسي-السعودي يعدد جملة امور ومطالب وفي نهايتها يتحدث عن “مساعدة انسانية” للبنان.
لكن السؤال هل استقالة قرداحي ستحل او تخفف الازمة وهل لقاء ماكرون- بن سلمان ساهم في ذلك؟. رغم تصريحات بعض السياسيين التي تتحدث عن انفراج قي الازمة وتعاط سعودي مختلف فإن الخطوات العملية لم تظهر بعد، ويبقى انه يجب ان ننتظر قرارات عملية كي يعرف الجميع حقيقة مطالب الرياض وماذا تريد فعلا من لبنان الذي عليه وقتها ان يصدر موقفه الرسمي والشعبي المناسب.
ومن هنا يجب على كل من طالب الوزير قرداحي بالاستقالة، سواء من سياسيين او اعلاميين وغيرهم، رفع الصوت باتجاه السعودية لثنيها عن استمرار اتخاذ الاجراءات ضد لبنان وتغيير سياساتها تجاهه، فالسعودية التي طالبت باستقالة وزير الاعلام اللبناني، عليها ان تبادر لتقوم بخطوات تظهر حسن نيتها ، وإلا فإنه سيكون هناك تثبيت للاعتقاد ان الرياض تمسكت بحجة الاستقالة لتفتعل الازمة فقط، ما يطرح علامات استفهام حول حقيقة مواقف السعودية باتجاه لبنان، وان عقلية الرغبة في التحكم في المسار السياسي في لبنان لم تتغير، وقد سبق ان أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ان الرغبة السعودية تطال تغييرات في السياسة اللبنانية.
وقد كان لافتا هجوم صحيفة “عكاظ” السعودية على رئيس الحكومة اللبنانية حيث قالت إن “ميقاتي الذي راح يبثّ أجواءَ التفاؤل ويُحدّث مصادره عن حلٍّ وشيكٍ للأزمة معَ السعودية ، تجاهل أنه غيرُ قادرٍ على دعوةِ الحكومةِ للانعقاد ، وأنه غيرُ قادر على تنفيذِ مطالبِ البيانِ السعودي الفرنسي بسببِ حزبِ الله” كما زعمت الصحيفة.
واعتبرت عكاظ أنَ “من معرفةِ التوجهِ الجديدِ لمسارِ العلاقاتِ السعوديةِ مع لبنان، رغمَ ما سمتهُ الارتياحَ الذي بدا على مختلفِ المستوياتِ داخلياً، الا أنَ هذا الارتياحَ سيتحولُ إلى انكماشٍ خاصةً ربطَ عودةِ هذه العلاقاتِ باستقالةِ الوزيرِ جورج قرداحي هو تقزيمٌ للأزمةِ وتبسيطٌ لها ومحاولةٌ للتعامي عن حقيقةِ المشكلةِ القائمةِ منذُ سنوات ، عندما تحولَ لبنانُ إلى منبرٍ إيراني ٍلاستهدافِ الخليج” ، بحسبِ ما ادعت الصحيفةُ السعودية.
لا شك ان الحرص على الاخوة مع الاشقاء الذي تتحدث عنه بعض الدول الخليجية ومنها السعودية يفترض وقف التدخلات في شؤون الدول العربية ووقف العدوان على اليمن والمدنيين فيه، ومن ثم على كل من رمى نفسه في براثن التطبيع التراجع عنه لان ذلك يتناقض مع كل مبادئ وقيم الاخوة العربية ويضرب مصالح الامة وفي طليعتها قضيتها المركزية القضية الفلسطينية وجوهرها القدس المحتلة.
المصدر: موقع المنار