المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان تكرم الأديب الدكتور ميشال كعدي في ندوة بعنوان “مريدُ الطيبين” – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان تكرم الأديب الدكتور ميشال كعدي في ندوة بعنوان “مريدُ الطيبين”

وسطَ جمعٍ من الأدباء والمفكرين والفقهاء وأصحاب القلم، أقامت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية  في لبنان مساء يوم الإثنين 2 آب 2021، ندوةً تكريميةً للأديب الدكتور ميشال كعدي بعنوان “مريدُ الطيبين“، بمناسبة ميلاده واحتفاءً بباكورة أعماله الأدبية التي خُصّصت لأهل البيت عليهم السلام والتي بلغت أكثر من سبعة كتب في سير الأئمة الأطهار.

وقد حضرَ الندوة ممثل وزير الثقافة اللبناني عباس مرتضى، الأستاذ حسين عجمي وممثل سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان السيد محمدجلال فيروزنيا  ممثل مكتب آية الله السيد علي السيستاني في بيروت  الحاج الددكتور حامد الخفاف , ممثل نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب , رئيس المجلس الاعلى للجمارك العميد  الدكتور اسعد الطفيلي النائب والوزير السابق زاهر الخطيب ,رئيس جامعة المصطفى العالمية الشيخ مهدوي مهر ,وشخصياتٌ علمية وثقافيةٌ ودينية. أما المتحدثون فكانت لهم كلمات حضورياً، إلى جانب كلمات المتحدثين من إيران وذلك عبر الفضاء الافتراضي.

في ختام اللقاء، تمّ تقديم هدايا رمزية للأديب الدكتور ميشال كعدي من قبل المستشار الثقافي الإيراني د. عباس خامه يار والعتبة الرضوية في إيران إضافةً إلى شهادات تقدير من المستشارية الثقافية ومن وزير الثقافة الإيراني د. عباس صالحي، قدمها له جمعٌ من الضيوف الحاضرين وسطَ أجواءٍ دافئة رغم الظروف العامة ومراعاة قوانين التباعد الاجتماعي، حيث سادت الألفة والمودّة في الحفل احتفاءً بالأديب الكبير صاحب الكلمة والإحساس الرفيع بشهادة جميع الحاضرين. وقد جاء في نصّ شهادة وزير الثقافة الإيراني: “المثقّف الفاضل جانب السيد ميشال كعدي، تقديرًا لجهودكم القيّمة في التعريف بالثقافة الإسلامية الأصيلة من خلال كتابة عملٍ أدبيٍّ خالدٍ عن سيرة الإمام الرضا (ع)، والترويج للثقافة الرضوية، يتمُّ اختيارُكم في الدورة التاسعة عشرة من مهرجان الإمام الرضا (ع) الدولي، بعنوان “الباحث النموذج في الثقافة الرضوية”.

نباركُ لجنابكم الكريم هذا الشرفَ العظيم بعمقٍ وإخلاص، ونقدّمُ لكم هذه الشهادة تقديرًا وعرفانًا.

افتتحَ الدكتور عباس خامه يار الكلام بأبياتٍ للشاعر شهريار ثم ابتدأ قائلًا: أودّ الحديث عن أجواء إقامة هذا الحفل اليوم، وهذا التكريم لشخصيةٍ أدبيةٍ قلّ نظيرُها في العطاءات والفكر والإخلاص لمسيرة الأولياء الصالحين.

وأضاف: خلال زيارة الدكتور ميشال كعدي الأخيرة والتي شرّفنا بها إلى المستشارية، سألته في سياق حديثه الشيّق عن تاريخ ميلاده فجأةً ودون مناسبة،  وعلى الفور وبكل محبة سألتُه الموافقة على إقامةِ حفلٍ تكريميٍّ له بمناسبة عيد ميلاده، والذي اعتبرته شرفًا عظيمًا، وعرضت عليه نشر بعض مؤلفاته، وهو ما باشرنا به على الفور، واليوم نحن في صدد طباعة ونشر كتابه الأخير عن الإمام الحسن المجتبى (ع) وهو الكتاب الذي يضاف إلى مسيرته الطويلة في البحث في سيرة أهل البيت عليهم السلام.

ثم قال خامه يار: هذا الراهب المسيحي والأديب والأستاذ الجامعي، اختارَ أن يُبحرَ في أسرار الإسلام، ليتعرفَ على هذا الدين، الذي وجده في النهاية متمّمًا ومنسجمًا مع دينه في الإنسانية وفي القيم التي نزلت من أجلها الأديان السماوية كافةً.

هكذا قضى ميشال كعدي أوقاتَ شبابه ويقضي وقتَه اليوم، في قراءة المصادر والمراجع الإسلامية ومطالعة سير أهل البيت والأنبياء والأئمة وفضائلهم، حتى يتبيّنَ أنّ الحقَّ واحد، وأنّ الوفاء للّه الواحد يستوجبُ إيجاد المحبة والعلاقات الطيبة بين المسلمين والمسحيين على اختلاف طوائفهم.

اليوم، نحتفي بهذا الرجل، ونستغلُّ هذه المناسبةَ للتأكيد على أننا نعيشُ وقتًا صعبًا، نحن في أمسّ الحاجة فيه إلى الاتحاد والتسامح والمحبة، إلى الانفتاح على الآخر، مسلمين ومسيحيين، وإلى مطالعة منابع الثقافة لدى الآخر، في فكره ودينه وتاريخه. وهذا هو دورُ الأدب، وهذا هو دورُ القلم.

ثم اعتلى الشاعر ميشال جحا المنبر، فكانت كلماته باقةً من الأبيات الشعرية والكلام الطيب في حق ميشال كعدي فقال: أخي ميشال أراني مكرما بتكريمك. اسمحوا لي أن أقول لهذا الأخ الحبيب قصيدةً مطرزةً ومؤرخةً مطالعُ أبياتها من حروف اسمه. ومهما أقول من شأنه وأدبه وفكره، أراني مقصراً في هذا الرجل العظيم. ميشال كعدي نحّاتُ الضاد.

ميم- مد كبرياءً فمن للضاد نحاتُ… إلاك يا صائغاً والسبكُ آياتُ

ياء- يعشوشبُ القولُ من فيكَ النديّ فإذ…  جواهرٌ رُصفت والوهجُ آهاتُ

شين- شذى بلاغتِكَ الأطيابُ تحسدُهُ… أما بيانُكَ فالحُسّادُ قِمّاتُ

ألف- أعدَّ عهدًا لسُحبانٍ وعنترةٍ… شعرًا ونثرًا إذ الأصداءُ رنّاتُ

لام- لا بلبلُ الرَّوضِ لا شحرورُ وارفةٍ… لا عود زرياب أو رقٌّ وناياتُ

بعد ذلك كانت كلمة نقيب الممثلين في لبنان  الاستاذ جان قسيس، حيث قال: آل البيت من علي ع إلى المهدي الغائب الحاضر تاريخ أمةٍ تنسف، تاريخ أمةٍ ثارت على الطغيان، تاريخ أمةٍ أبت أن يتوقف زمنها عند لحظةٍ كتبها الظلم. جرحُ الحسين جرح الكون الذي لا يندمل، تحمله هذه الأمة الطاهرة الشريفة على قلبها وروحها وضميرها ووجدانها. نحمله نحن أيضًا في العيونِ والأكباد، في دمٍ يضرج كل يومٍ أرض الوطن، في صرخة كل مظلوم ومقهور، في دمعة كل طفلٍ جائعٍ متألم. جرح الحسين قدوتنا جميعاً إن عزمنا أن نقف في وجه الظلم. جرح الحسين سيف الحب في زمنٍ لم يعد للحب فيه مكان. لهذا كتب ميشال كعدي عن أهل البيت عليهم السلام. سلّ ريشته الذهب واستصرخ الحق قبل الكلام. ليسمح عن وجه التاريخ غمامة الجهل ويصوب المسار. ليشهد للحق وإن الشهادة للحق فعل فداء ودم الحسين فداء. من قال إن علياً والحسين عليهما السلام حكرٌ على الشيعة؟

وقال قسيس: لقد وعى ميشال كعدي القيمة السامية لمهنته، ولم يكن مداهنةً أو مسايرة بل قناعةً منه وإيمانًا بأنّ من يكتب عنهم أولياء حقٍّ وعظماء في الدنيا والدين. ولعله أصاب في معرفته وفيما كتب ما لم يصبه كبارٌ من أدباء الشيعة أنفسهم. ميشال كعدي هذا المسيحي الأرثوذكسي كما أعرفه شغوفٌ بآل البيت حتى العظم.

ثم تحدّث عبر الفضاء الافتراضي من طهران الشيخ الدكتور محمد مهدي التسخيري، قائلًا: يفتخر بوجوده عالم الأدب والشعر، في لبنان والعالم والعربي بل والإنساني، شخصية تميزت بالإبداع الفكري والثقافي والموهبة المتوقدة التي أغنت لغة الضاد بروائع من نتاج قلمه الخلاق، وفكره الوقاد،سواء في الشعر أو النثر أو الفكر،والذي عبر حجب الحصار القومي و الطائفي والديني،ليكون حرا داعيا لحرية الإنسان أين ما كان، ويملأ الدنيا أدبا متحررا من كل شائبة،وشعرا مدركا لماهية القصيدة النامية بأصالة تكوينها وجمالية عناصرها،  في عوالم الوجود المادية والمعنوية.

وأردفَ التسخيري قائلًا إن كعدي نحاتٌ ينحت بكلمات من طينة الفطرة الإنسانية، مجسمات الفكر والأدب الهادف الراقي لبناء الإنسان.

فقال: أتحدث عن الأديب والشاعر والمفكر الأستاذ الدكتور ميشال كعدي، الإنسان الذي لا يمكن أن يختصر في ساعة من الزمن، فهو يقود المحب الى الانحناء إجلالا وتكريما، فقيه وعالم لغوي وأديب بارع خدم الأدب والشعر والبلاغة العربية لأكثر من نصف قرن، في مسيرته الإنسانية الخالدة. فلا يحصر في  قرية ومدينة  لبنانية وان كانت أصله ومصدر اعتزازه. وانطلق ليتوسع في كافة بقاع العالم العربي والإسلامي والإنساني.

وبدورِه الشاعر الشيخ إبراهيم البريدي تحدّثَ عن الأديب كعدي قائلًا: إنّ هدف الثورة الإسلامية الإيرانية كان الإنسان أولًا وثانيًا وثالثًا، أرادت الثورة من الإنسان أن يرتبط بالسماء عبر أناسٍ كان للوحي في سدادهم القسط الأكبر. وها هي أفلحت. وهذه بركات الرجل العظيم الإمام الخميني. لقد كانت لنا أنا وميشال كعدي لقاءات وزيارات في الجامعات وكانت لنا كلماتٌ. والحق يقال إن ما رأيناه من تكريم وعناية تليق بأهلها كان مدهشًا. سألني كعدي ما تقول في الجمهورية الإسلامية. قلت إن من يسكن في إيران ساعة تسكن إيران في قلبه الى قيام الساعة. فقال اذا كانت هذه الثورة من نتاج أهل البيت فلأفنينّ العمر في خدمة آل البيت عليهم السلام.

أضاف البريدي:  دكتور ميشال في رحلتي تلك الى طهران يوم تبادلنا الأحاديث وتشاركنا السكن والتجوال، في الحق تعلمت منك الكثير. تعلمت ان أتخلى عن واقعي وبيئتي وعصبيتي من اجل إبداء كلمة الحق وإعلائها أيًا كان مصدرها. تعلمت أن صداقتي بمن هو على غير ملتي لن تدخلني النار وأن عزوفي عنهم لن يدخلني الجنة.

لقد سعى كعدي في شخصية الإمام علي عليه السلام حتى تلبست فيه سماتٌ من شخصيته رأيتها في تصرفاته وتعامله وحيائه وجوده وإيمانه وأمانته. هو شاعرٌ وأديبٌ وأبٌ وأخٌ وصداقته فخرٌ لمن حظيَ بها.

ثم كانت كلمة الصحافي والأديب الشاعر لامع الحرّ، الذي قال في كعدي: ميشال كعدي شاعرُ اللحظة التي تعبرُ الزمن إلى ملكوته الأخير. كأنه يمتشقُ سيف المعرفة ليمضي به إلى عرزاله الملكي الذي يتغذى شغفاً يستضيء بنطفةِ انبعاثٍ مهدويّ. ميشال كعدي آخر الكبار الآتين ألينا بريقًا مشعاً كأنه تفاحة الزمن الجميل التي تحمل في طياتها كنوزاً ولا أثمن وعطرًا روحانياً ولا أِهى. مبدع استثنائي نسج على رغم الخراب الملتف على الاعناق رؤيةً تضيء وتستضيء بما تبدع من جمال يكمل بهاء الصورة التي تقتني بإشراقاتها المتوردة المعزوفة على إيقاع وترٍ جديد. ميشال كعدي الباحث الاكاديمي هو نفسه الشاعر الذي يحلق في فضاء الابداع ليعطيه ما يستحقّ من مدارج توصله الى سدرةٍ تليق بهذا النصراني الجميل الذي يعلمنا كيف نحب أئمتنا المعصومين وكيف نغور في جنى عطاءاتهم التي تزين الدنيا حبًا ذا غورٍ ولا أعمق.

وقال الحرّ: دكتور كعدي، ستبقى علمًا منفتحًا على الآخر، برؤيةٍ إشراقيةٍ تتوغّل في الجمال الذي يسطّر الحب الإيماني، على إيقاع قلمٍ يستضيء بنور المعرفة، ويختمر بموازين العرفان التي ينكشف أمامها الغطاء فنرى بأم العين أجمل ما كان، وأجمل ما سيكون من كينونة العشق الإلهي المقدس.

بعد ذلك كانت كلمة الأب الدكتور طوني غانم، الذي قال: إنه الأخ والصديق والجار الحبيب والمفكر الدكتور ميشال كعدي، رجل الحوار والانفتاح دون استثناء. إني لفخورٌ جدًا اليوم بأن أقف لأتحدث عنك وعن مآثرك لأوفيك القليل بما تحدثتَ به عني يومًا. مع الدكتور الفقيه كنا نسكن في نفس الحيّ، أخالُ نفسي وكأننا كنا حماة الضياء في هذا الحيّ. لقد شقّ كعدي عباب الحياة واخترق كل الحدود ليصل الى ما بعد النجوم. أٌقول لك يا صديقي الحبيب في هذا الاحتفال المهيب، طوبى لأبيك وأمك لأنهما غذيا فيك هذه الروح.

وقال غانم: هنيئًا للبنان والمشرق ولكل من عرفك. فأنت أعلنتَ كمسيحي بشارة الأرز والسلام بين كل من عرفتهم في العالم وكعليك الإمام عدم التمييز بين عرقٍ ولونٍ وملة ودينٍ وطائفة. هنيئًا لنا بك لأنك راهبٌ وقديسٌ عندنا نحن المسحييين وإمامٌ وفقيه اللغة عند إخوتنا المسلمين ومتيمًا بحب عليٍّ والحسين عليهما السلام.

وتحدّث الكاتب الشيخ الدكتور محمدرضا زائري عبر الفضاء الافتراضية واستحضر أسماء ورموزًا أدبيةً عديدةً لعبت دورًا تبليغيًا ومقرّبًا بين الأديان عبر التاريخ القديم والمعاصر. ثم قال: رأينا أمين نخلة يكتب عن صوت الأذان والقرآن ونرى الياس أبو طعمة هو الوحيد الذي ينشد قصيدة في مدح الزهراء. ومع بداية الخمسينيات دخلت هذه الحركة الى لبنان بفضل الإمام شرف الدين والإمام الصدر فكان التركيز على القيم العاشورائية أكثر. فنرى أمثال بولس سلامة وجورج جرداق يكتبان عن الإمام علي ونرى جورج شكور وسليمان الكتاني يكتبان عن الحسين.  من نجوم هذه السماء التي لمعت خلال السنوات الأخيرة كان الدكتور ميشال كعدي، فكان كتابه عن الإمام علي عليه السلام منذ ثلاثين عامًا. ثم استكمل مسيرته عن الأئمة حتى شجعته وأصدرنا معًا كتابه رياحين الإمامة. أ{جو من الله له طول العمر حتى يضيء نجمه أكثر وأكثر. وعيد ميلاد سعيد أيها الدكتور العزيز أطال الله بعمركم.

بعد ذلك كانت كلمة الشاعرة والأديبة الدكتورة صونيا الأشقر. فقالت بدورها: كم هو في الفِقهِ، يتألقُ، آنَ الكتابةُ عنهُ: أديبٌ، شاعرٌ، فقيهٌ ذو أبعادٍ لاهوتيّةٍ غائصةٍ في الإنشادِ الرُّؤيويِّ المُميّزِ، يرتَحِلُ إلى الجوهَرِ لِيأتيَ بالجواهرِ والمضامينِ التي تُنشدُ القصيدةَ. إنَّه المكرَّمُ ” ألعلاّمّةُ الدكتور ميشال كعدي” الّذي استمدَّ السُّموَّ الروحيَّ الفوقيَّ آياتٍ يحوِّلُها عبرَ صوفيّتهِ إلى مباحثَ ضوَّاءةٍ على حدائقَ فلسفيّةٍ وجوديّةٍ، غرسَها في ملحمةِ المسيح، وأطروحتِه عن الإمام عليّ بن أبي طالب، والأَئِمّةِ العُظماء.

وأضافت الأشقر: ميشال كعدي المتواضعُ، سبرَ الفلسفةَ الخلاصيّةَ، فمَدَّها إلى ملاحمَ إيمانيّةٍ، مُنقِّبًا في الحياة الليتورجيّةِ التي تحقِّقُ المستحيلات، حتى نخالَ بلاغةَ حروفِهِ، ناياتٍ معَ اللهِ تُشْرِقُ. ها نحنُ اليومَ نجتمعُ ، لكي نشهدَ معًا على محبَّتهِ:

مجدُ الوفا لم يُعْطَ إلاَّ للوفا

حتى نقولَ لكلِّ مُفتَخِرٍ كفى

حَمْدُ الإلَهِ قد حَباكَ مَناقِبًا

لِتِلْكَ الفَصاحَةِ جَدَّ مُتْحَفا

ما كلُّ منْ حَملَ اليراعةَ مُبدِعًا

ما كلُّ من حملَ النُبوَّةَ مُصطفى

أما الإعلامية والكاتبة مريم بيضون، فعبّرت قائلةً: عرفته إنسانًا خلوقًا يمتاز بكثيرٍ من الصفات ولا غرو في ذلك، فهو الشاعر والأديب والفقيه ويمتاز بكثير من الخلقيات والأدب الرصين. فهو منفتح على الأديان السماوية، وحياد الرسالات التي امتاز بها الأنبياء عبر الإنجيل والقرآن الكريم ونهج البلاغة الذي يعترف بأنه المعلم الأول.  وقد كان لوالده التربية الصحيحة في ميادين الأدب أهل البيت. معلم الأجيال هذا له في ذمة النشر وذمة الأديان التوحيدية المؤمنة بالإله الواحد. من  هنا قدّرناه بالمنفتح على الأديان تحت شعار حياد الرسالات. وإذا غصنا في حياته نجده لخص الدين المسيحي في كتاب ملحمة المسيح كما لخص الدين الإسلامي في العديد من المؤلفات. وغالبًا ما نسمعه يقول” أنا لا أكون مسيحياً ما لم أكن مسلمًا لله”.

وقالت بيضون: إننا نعاهده على أن نكونَ معه دائمًا، فالأيام تقضي علينا أن نبقى تحت فكرك ويراعك الذي لم يعرف إلا الصدق والمحبة أولًا وأخيرًا. شئناك صديقًا ومعلمًا وأديبًا ورائدًا للفكر في مجتمعنا اللبناني والعالمي.

بعد ذلك كانت الكلمة للمهندس الأديب واصف شرارة، الذي قال: إن ميشال كعدي ليس صاحب السيف الذهب بل هو صاحب القلم السيف ولا هو الذي لونه الله بالحرير بل إن حرير لغته هو مصدر اللون والزخرفة وكل صنوف الإبداع. معه نعبر الى جهةٍ سادسة من النوع الذي لم يسمى بعد. من أرض البقاع انطلق تشده نحو الشمس ألوان قوس قزح. ما كتبه ميشال كعدي سيبقى يسكننا ويداعب ماء خيالنا. غاص في بحور أهل البيت وأجاد. أعطى التربية والتعليم نصف قرنٍ من عمره. امتاز نثره بأسلوبٍ جماليٍّ خاص. هو سيف الكلمة والخطيب المفوّه. ميشال كعدي العضو المؤسس في نادي الإحياء العربي لك منا كل الحب والثناء ولك مديد العمر.

ثم تحدث الدكتور الأستاذ خضر نبها، فقال: يقول النفّري اسمك سجنك فاخرج من اسمك تخرج من جسمك. شاعرنا الكبير ميشال كعدي خرج من اسمه ومن سجنه. لا أٌقصد بالخروج من اسمه الخروج من مسيحيته ومن تعاليم المسيح. أبدًا بل ميشال كعدي هو نفسه ميشال كعدي. إنما قصدته من الخروج هو أن شاعرنا الكبير خرج من سجن الأنا والذات، من سجن الطائفية من الانسداد التاريخي. خرج لينفتح على الآخر ليبني جسورًا من المعرفة بدلا من جدران الانغلاق. أراد أن يبني حوارًا مسيحيًا شيعيًا إماميًا على قاعدة إما أن ندخل معًا في الحوار أو نخرج معًا من التاريخ. أراد أن ينظر إلى المسيح فنظر إلى علي وأهله. في الفكر اللبناني المعاصر هناك ظاهرة لم تدرس بعد ولم تحظ بما تستحق من عنايةٍ وبحث. إنها كتابات الأدباء المسحيين في علي وأهل بيته. ظاهرة تستحق التأمل. مسيحيو لبنان كتبوا في أهل البيت أبحاثاً وموسوعات. وليس شاعرنا هو أو لمن كتب وألف. ولكن باعتقادي أنت يا أستاذنا الكبير أصدقهم بالمشاعر.

أما كلمة الدكتور رياض حلاق فكانت: الدكتور ميشال كعدي. وجهٌ مشرق من وجوه أرز لبنان الحبيب. واديب متمكن من أدبائه وشاعر فحل كبير من شعراء العروبة. له في ميدان الأدب العربي مواقف مشرفة وجولاتٌ صادقة وآثارٌ تدعو إلى الفخر والاعتزاز. هذا الأديب الفقيه والشاعر الأًصولي، اشتغل على اللفظة الشعرية والنثرية بحذقٍ وجلَد، حتى غدا من رواد الكلام وصاغتِه. وهكذا بات سمعه في الملأ قدرة بلاغةٍ، ومجمع قلوب السامعين والقراء، وهو فوق ذلك مصدر النوابغ.

وقال حلاق: هكذا تمكّن كعدي أن يكونَ مربياً وأديبًا وشاعرًأ وفقيهًا ومعلم جمالية في الأدب والتأليف من دون أن تتحكم في حياته  مظاهر التعليم، وقد كان فعلًا كالشجرة المثمرة، يحلّق حولها طلاب المعرفة.

ثم توجّه عددٌ من الضيوف الحاضرين مع المستشار الثقافي لتسليم كعدي هدايا وشهادتي تقدير من وزارة الثقافة الإيرانية ومن المستشارية الثقافية الإيرانية. وبعد تسليم الهدايا كانت لميشال كعدي كلمةٌ ختامية توجه بها للحاضرين:

“الى أصحاب السماحة والسعادة والكتاب والمفكرين وأهل النخبة كافةً سأقول ما يلي: نحن دائمًا ننسى الإنسان الأو لمن 120 سنة الذي كان له أول ملحمة عن الامام علي عليه السلام. عبد المسيح الأنطاكي. ملحمته 5000 بيت شعر قافية واحدة. يعز عليّ دائمًأ أن نذكر فلان وفلان وفلان ولا نذكر عبدالمسيح الأنطاكي. الكلمة التي أريد أن أشكر فيها، إذا كان الشكر محبة فقد أفرغت خزائن الأبجدية، لشهاوى ائتُمنوا على شعبٍ وأمةٍ ودين. فكانوا صيّانَه في وقع الحقيقة، والثقافة والحرف والإيمان، وأريِ الخليّاتِ في المجتمع الإنساني.

من أين أبدأ ومحبتي أصبحت ملكًا لكم جميعًا؟ أصبحت ملكًا لآل البيت لا لحسنة، بل لأننا نحن المسيحيين نكره الظلم. وأنجزت ذلك بعد اثني عشر كتابًا أجمل ما فيها الفرح وأنا أكتب عنهم من أطروحة الدكتوراه بكر أعمالي عن سيد الأئمة في الدنيا ولا جدال على الإطلاق، سيد الأئمة في الدنيا الإمام علي عليه السلام نهجًا وروحًا وفقهًا. وجرّت السُّبحة عن بقية الأئمة والسلام عليهم جميعًا. ويجب عليّ أن لا أنسى عظماء لهم بمكانة القدر ذاته كالإمام الخميني، ولا بدّ من كلمة للقيمين على هذه المناسبة فشكرًا لاستضافتهم لنا. الإمام الخميني ألوف الرحمات عليه. وقائد الثورة الإمام الخامنئي الذي له في ذمتي أكثر من وفاء. فقد كان سبب كتابة “الإمام زين العابدين والفكر المسيحي” وكنا معًا في إيران عندما طلب إلي هذا الطلب. وواجبي يقضي أن أشكر سفراء الجمهورية الإسلامية الإيرانية الذين خدموا إيران في لبنان، ويطول شكري ولا جدال، المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان الدكتور عباس خامه يار وشكر كبير للعاملين المخلصين في المستشارية الحبيبة”.

ثم أنهى كعدي الحديث بجمال الكلام المنثور الذي خصّ به كل الضيوف المتحدثين في مناسبة تكريمه في يوم ميلاده. فكانت أجواءً غايةً في المحبة والألفة والحفاوة.

قدمت الندوة الكاتبة والمترجمة مريم ميرزاده التي كانت قد قدّمت لكعدي قائلةً:  أخجلُ ويعتري كلماتيَ الحياءُ إذ ترومُ الثناءَ على مسيرةِ مدرسةٍ للأدبِ على هيئةِ رجل. رجلٍ سخّرَ بيانَه وبلاغتَه وأناقةَ صياغته اللغويةِ في مديحِ الصالحين من كلّ الأديان، حتى بلغَ عتبةَ أهلِ بيتِ محمدٍ (ص)، فجلسَ هناكَ ذاهلًا خاشعًا عاشقًا، في رحابِ وجدانِه، ليفصحَ عن حبّه وإخلاصِه وإعجابه، وكان بذلك مريدَ الأئمة الطيّبين.. كما الأولياء والقدّيسين. وكان أديبَهم وشاعرَهم الذي استحقَّ صولجانَ الولاء الأصيل، ويراعَ الوفاء الجميل، حتى صارَ الصليبُ بيدِه معلّقًا بسُبحةٍ ترابيّة، يهمسُ قلبُه بذكرٍ من الإنجيل وآيةٍ من القرآنِ. فيقول: “أَنا لا أَكونُ مَسيحيًّا إِنْ لَمْ أَكُنْ مُسْلِمًا للهِ”.

 

المصدر: موقع المنار