نظّمت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان بالتعاون مع مركز البحوث الإسلامية في مدينة قم المقدسة، ندوةً تأبينيةً استحضرت مسيرة العلّامة خسروشاهي، مفكّرًا وفقيهًا وفيلسوفًا وناشطًا ثقافيًا أدّى رسالةَ التبليغ بأعماله وخطاباته وكتبه ما بين التأليف والترجمة، وذلك من خلال الضيوف الحاضرين الذين كانت لهم وقفات مع هذا الرجل أو مع فكره الكبير.
الندوة كانت بعنوان “السيد هادي خسروشاهي؛ سليلُ التقريب والتجديد”. وقد كانت بحضور رئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية وعضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران الدكتور أبوذر إبراهيمي تركمان، المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان د. عباس خامه يار ونجلِ المرحوم السيد محمود هادي خسروشاهي ممثّلًا لمركز البحوث الإسلامية، حيث حضرها كبار الشخصيات الفكرية والفلسفية والدينية في دول العالم، من مصر، إيران، لبنان، الجزائر، سوريا، العراق، بريطانيا، اليابان، وقدّمَ لها الباحث الفلسطيني الدكتور مصطفى اللداوي. وقد تخلّلَ الندوةَ فيلمٌ وثائقيٌّ يحكي سيرة السيد خسروشاهي وأعماله وعطاءاته. وقد تمّ بثّ الندوة مباشرةً عبر عدة مواقع في الفضاء الافتراضي، كما تمت تغطية الخبر من أكثر من قناة فضائية. وقد ألقيت كلمة القائد السيد علي الخامنئي في عزاء خسروشاهي في مقدمة الندوة، قرأها الدكتور مصطفى اللداوي، حيث يصف القائد المرحوم خسروشاهي بالصديق القديم الذي لا يعرف الكلل.
افتتحَ المستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الإيرانية الدكتور عباس خامه يار الكلام مرحّبًا بالحضور، ومؤكّدًا أنهم قلةٌ هم الذين لا يعرفون السيد خسروشاهي من الناشطين الإسلاميين والباحثين من أهل السنة والشيعة منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
الدكتور عباس خامه يار قال: “دون أيِّ مبالغة وتردّد، كان العلامة خسروشاهي من مؤرخي النهضات الإسلاميَّة، ومن رواد الأنشطة الدولية في المجالات العلميّة والفكريّة في تاريخنا المعاصر”.
أضاف الدكتور عباس خامه يار لقد كان المرحوم من رموز التّقريب خلال نصف القرن الأخير، أي منذ زمن دار التقريب في مصر، وكان من القلّة التي أدَّت دوراً أساسياً في لقاء النخب الشيعية والسنية والإسلامية والمسيحية خلال تلك الحقبة، من خلال الفكر والمعرفة والاعتدال، وكانت له علاقاتٌ واسعة مع الدول العربية، من مثل مصر والجزائر وشبه الجزيرة العربية، ومع تركيا وأوروبا. كما أنَّه كان كاتباً ومترجماً للعديد من كتب وأفكار منظري ومفكّرين رموز الحركات الإسلامية في العصر الحديث إلى الفارسية، إلى جانب دوره في الحقل الديبلوماسي، وفي مقام بلادنا التمثيلي في الفاتيكان والقاهرة.
وشدد الدكتور عباس خامه يار على ان خسروشاهي الباحث المخلص، استطاع أن يحمل، بحكمةٍ، الأفكار الموحّدة للقادة وكبار أعلام التشيّع، من أمثال السيد جمال الدين الأسدآبادي، آية الله البروجردي، آية الله محمد تقي القمي، الإمام الخميني، والإمام الخامنئي، كما استطاع أن يكرّر ويحلّل ويفكّك فكر الباحثين والمفكرين السنّة، من مثل المرحوم حسن البنا، سيد قطب، أبو الأعلى المودودي، وإقبال اللاهوري، منشئاً بمكاتباته وعلاقاته جسر تواصلٍ محكماً بين القادة الفكريين، الدينيين والمذهبيين، من الشيعة والسنة.
في هذا المسير، لم يهدأ له بال جزم الدكتور عباس خامه يار, كان ثابت الخطى، شجاعاً، وفي حالةٍ متواصلة من المثابرة العلمية الخطابية والميدانية. معرفته الدقيقة بجذور انحطاط المجتمعات الإسلامية، وآفات الجهل المدمرة، وعوامل التفرقة الأصلية بين المسلمين، وإيمانه العميق بوحدة العالم الإسلامي، كلّ ذلك صنع منه شخصيةً عالميةً، وضاعف من شعبيّته إلى ما بعد الحدود المذهبية والجغرافية.
كما أن كتابة عشرات المؤلّفات العلمية والبحثية، ونشر عشرات المقالات والمذكّرات باللغات الفارسية والعربية والإنجليزية، أغنى اليوم المكتبات ومراكز مطالعات العالم الإسلاميّ، وجعلت أبحاثها مرجعاً للباحثين.
إنَّ اعتزازي بمعرفة الأستاذ يعود إلى عهد الشباب ومنتصف العقد الثامن من القرن الماضي، إذ كان قد أسَّس، إلى جانب فعاليته التبليغيّة الخارجيّة، مركز نشر “رسالت”، إلى جوار مكتبة آية الله المرعشي النجفي في مدينة قم المقدسة. وقد كنت تلميذا أتردَّد إلى تلك المكتبة آنذاك.
لقد أسَّس المرحوم خسروشاهي هذه الدار بشكل أكثر تميزاً من الطراز المعتاد في تلك الحقبة، ما يدلّ على رؤيته للمستقبل وطبعه التجدّدي.
ازدادت معرفتي به بعد انتصار الثورة الإسلاميَّة، وخلال سنوات مسؤولياتي الثقافية، كنت أسعى إلى الإفادة من هذا الأستاذ الحكيم والباحث المقتدر.
ولقد اقترحتُ على الدكتورة بروجردي، رئيسة مركز التوثيق والمكتبة الوطنية الإيرانية، تكريم الأستاذ في حياته، فرحَّبت بالأمر كثيراً، لكننا لم نوفّق أنا وزملائي في إقناعه، إذ عبّر الأستاذ، عن رفضه لهذه الأمور رغم امتنانه الشديد.
لعلَّ سبب عدم رغبته في ذلك، كان التعب أو المرض أو عتبه على الزمن! وربما والاحرى تواضعه الدائم .
وختم الدكتور عباس خامه يار كلمته بالقول اليوم، أورثنا السيدهادي مكتبةً من الفكر الأصيل الذي بناه عمرًا في طريق التقريب والحوار الحضاري والتجديد الفكري والفلسفة والمعارف. أورثنا وأورث أبناءَه خطًا نهضويًا لا تخبو أنوارُه، ودربًا معبّدًا من القيم المعرفية والأخلاقية التي يلتقي حولها المسلمون سنّةً وشيعة ويلتحقُ بقافلتها أبناء الديانات الأخرى، لِما فيها من محبةٍ وتسامحٍ وأصالة..”
ثم كانت كلمة لرئيس رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية الدكتور أبوذر إبراهيمي تركمان الذي قال: “: القلمُ سفيرُ العقل. القلمُ ليس له استقلاليةٌ ولكنه تابِع. لَدَيهِ تبعيةٌ خالصةٌ للفِكر. في الأزمنةِ القديمة، كانَ يَتِمُّ أسرُ الأجسادِ البشرية، واليومَ يَتمُّ أسرُ الأفكار. وأقلامُ الّذينَ ینشرونَ الوعيَ بعقولِهم الحُرّة؛ وسيلةٌ يُمكنُها أن تحرّرَ الإنسانَ من عبوديةِ الفِكر. كان المرحوم السيد هادي خسروشاهي رفيقًا للقلمِ مُنذُ صغرِه وحتى وفاتِه. كان القلمُ أنيسَهُ الدائم. كان دائمًا يوجّهُ القلمَ في حياتِه نحوَ إظهارِ الحقِّ ولا يستخدمُه في خدمةِ الباطِل. سوفَ أذكرُ بعضَ السماتِ المُهِمّة لهذا الرجلِ صاحبِ الفكرِ الحُرّ.
أضاف الدكتور أبوذر إبراهيمي تركمان امتنعَ المرحوم خسروشاهي عن التفكيرِ في الميولِ القوميّةِ أو الحزبية، وكانت الأمّةُ محورَ أفكارِه. الأمة الواحدة التي يتحدث عنها القرآن، لذلك بقدر ما يفكر في قضايا بلده ؛ لم يكن غافَلًا عن قضايا مصر والمغرب والجزائر وباكستان ولبنان وسائر ِالدول. كانت تربطُه علاقةٌ وثيقةٌ بالعديدِ من العلماءِ والمفكرين في العالمِ الإسلامي.
وأكد الدكتور أبوذر إبراهيمي تركمان على ان إحدى سماتِ الراحل خسروشاهي كانت هي دورُه التقريبي والتبليغي كذلك. كان رجلًا ناضجًا قد رأى العالم كلَّه وكان دائمًا على درايةٍ بأفكارِ المُصلحينَ في العالمِ العربي. لم يَكُنِ التقريبُ بين الأديانِ السماوية استراتيجيةً له بل عقيدةً يؤمنُ بها. واعتبر أن القواسمَ المشتركةَ بين الأديان السماوية هي أكثرُ بكثيرٍ من الاختلافات. مشدّدًا على أنه يجبُ على المسلمين التخلي عن التحجّرِ والتعصّب والتركيز على القواسمِ المشتركة فيما بينهم. إلى جانب ذلك كان مشرفًا ومتعاونًا ومؤسّسًا للكثير من دور ومراكز النشر والثقافة في إيران والعالم العربي، وعلى رأسها تأسيس مكتبة مركز البحوث الإسلامية في قم المقدسة. وكانت مؤلفاته وترجماتُه الكثيرة بمثابة الحجر الأساس في بناء جسر التقارب والتقريب بين المذاهب الإسلامية والأديان، حيث كان متبحّرًا في فلسفات النهضة الإسلامية وحركات الإصلاح في العالم العربي، مع تأكيده على مفهوم العدالة والاعتدال لدى أهل البيت عليهم السلام، فكان بذلك خير مبلّغٍ يحملُ رسالةَ الإسلامِ السَّمِح والمتسامح إلى سائر الأديان.
وختم الدكتور أبوذر إبراهيمي تركمان كلمته قائلا :وصفَهُ السيد القائد الإمام الخامنئي ، في رسالةٍ أصدرَها بمناسبةِ وفاةِ الراحل خسرو شاهي، بأنه رجلٌ لا يعرف الكلَل. في الواقع، كان شخصيةً لا تعرفُ الكلل. لقد ثابرَ لمدة ستين عامًا ولم يتعَب قَط. اليوم ، يعاني العالمُ الإسلامي من فقدانِ الأفكارِ المعتدِلة. لطالما كان للأفكار المتطرّفة آثارٌ مدمِّرة. الاعتدالُ لا يعني تجاوزَ المعتقداتِ لصالحِ معتقداتِ الآخرين. إنه يعني الوقوفَ على خطّ التوازن. إن الإفراط والتفريطَ يوجّهانِ ضرباتٍ مدمّرةً لجوهرِ الفكرِ الإسلامي. لقد فهمَ الراحل خسروشاهي نقطةَ الاعتدالِ جيدًا ووقفَ دائمًا على هذه النقطةِ في مواقفه وأعمالِه المكتوبة. كان مُلِمًّا بتاريخِ الإسلامِ وكان ضليعًا في العلومِ الإسلامية. ودائما ما كان يستخدمُ معرفتَه لتعديلِ الأفكارِ المتطرفة.
وكانت بعد ذلك كلمةٌ لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة في لبنان الشيخ ماهر حمود، قال فيها: يؤلمني أنني لم أكن مطلعا على هذا القدر من الانجازات والنشاطات التي قام بها السيد هادي خسروشاهي. لكن يسعدني اني عام 1984 كنت في هامبورغ حيث كان هناك مؤتمر للحج في المركز الإسلامي وكنت رئيس الجلسات في المؤتمر. ثم اتى الشيخ عبدالله بن محسن التركي والذي اصبح رئيس رابطة العالم الإسلامي. لعله اتى من غير دعوة وطلب ان تكون له كلمة وكنت أحب ان اسمعه حتى أناقشه حول دور الحج. كذلك كان السيد هادي خسروشاهي حيث عرفت فيما بعد انه كان متحمسا لمحاورة هذا الشيخ السعودي.
هذا التصرف الذي لمسته بيدي يدل على روح الحوار لدى السيد خسروشاهي. كان يحب الحوار حتى مع الخصوم. من هنا أعجبت بهذا السيد الراحل الكبير وزاد إعجابي به شبهه بالسيد جمال الدين الأفغاني بطريقة لبسه العمامة ولحيته وقد كرس خسروشاهي وقته بإعادة طبع ونشر مؤلفات الأفغاني. السيد خسروشاهي أراد الإصلاح فعلا من مصر من الفاتيكان من حيث وجد وكان صادقا واقسم انه كان صادقاً في البحث عن المساحات المشتركة، عن التاريخ ، في الفقه وفي الموقف السياسي ولم يكن متشنجاً في التعبير عن أي فكرة على الإطلاق. واليوم هذا المؤتمر المتواضع صحيح لكنه يليق به وهو يستحقه وأكثر. ونودّ جداً أن نطلع على مؤلفات هذا الرجل ونحن بحاجة الى قراءة فكره وجهده وقلمه السيال. نحن بإذن الله نسير على خطاه رغم أننا نعرف أنها أهداف صعبة المنال وكلنا نعلم أن دعوة الأنبياء تبدأ دائماً بالتكذيب والتعذيب والقتل والظلم لكنها تنتهي بالانتصارات دائماً. واليوم هذه الدعوة دعوتنا، دعوة مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وعلينا أن نتحد من أجل تحقيق هذا النصر، كما انتصرت إيران واليمن وكل بلاد الأحرار.
بعد ذلك تحدّثَ مستشار مركز دراسة الحضارات العالمية في لندن الدكتور كمال الهلباوي، قائلًا: “رائدنا اليوم رحمه الله تعالى ، كان رجلا محيطيا، من واقع سمعته الطيبة التى سبقته ثم معرفتنا الطويلة به واللقاءات معه والحوارات الممتدة ، فإننى أعنى بذلك، كثرة الاحاطة والعلم والاهتمامات، والواقع العملى فى سيرته شاهد على ذلك . نادرا ما يجمع الانسان هذه السمات والصفات والمهمات الكبيرة ، فقد كان عالما وسياسيا، وفى الوقت نفسه وبعد الثورة المباركة 1979، أصبح ديبلوماسيا بارزا وكاتبا ومحققا ومترجما.
تعكس حياة السيد هادي خسروشاهى الزاخرة بالنسبة لي ولكثير ممن أعرفهم، وكانوا على صلة وثيقة بالرجل رحمه الله تعالى ، تعكس كثيرا من القيم والمثل التي نحتاج إليها في الحياة حتى تستقيم وفي الواقع حتى ينصلح.
ثم تطرّق الهلباوي إلى عوامل نشأة السيد خسروشاهي والتي ساهمت في بناء شخصيته، متحدّثًا عن أهمية البيت في التنشئة والتحاقه بالحوزة العلمية لدراسة العلوم الإسلامية، ثم مسيرته المهنية العلمية ما بين الفاتيكان ثم مصر، ثم أضاف: سعدنا بمصاحبة السيد خسروشاهى في العديد من المؤتمرات، وخصوصا مؤتمرات وندوات التقريب بين المذاهب، ولقاءات السعي لتوحيد الأمة، ومواجهة الأخطار التي تتهددها، والهيمنة الغربية وخصوصا الأمريكية، ودعم القضايا الإسلامية وخصوصا فلسطين والدفاع عن المقدسات جميعا.
وقال الدكتور عزام الأيوبي، أمين عام الجماعة الإسلامية في لبنان: لا أخفيكم أنه عندما طلب مني المشاركة في هذا اللقاء ترددت في الموافقة، على خلفية أنه ما سبق لي أن التقيت بصاحب الذكرى سماحة السيد هادي خسروشاهي، وبالتالي فإن شهادتي بالرجل في لقاء إنما يقام لإحياء ذكراه تصبح لزوم ما لا يلزم. لكن بعد اطلاعي على محور عمل العلامة السيد خسروشاهي وتاريخه الحافل، وتحديدا في مجال التقريب بين المذاهب وإقامة جسور التواصل بين مكونات الأمة، خاصة في ظل الأجواء المشحونة التي تعاني منها أمتنا، أدركت أن المشاركة باتت واجبة، إنصافا لهذه القامة، وتثبيتا لوجوب استمرار الرسالة التي قضى حياته منافحا عنها.
أما الإنصاف فلإدراكي أن من يحمل منهج التقريب في زمن الانقسام، ويتبنى الخطاب الوحدوي في ظل تصاعد لغة الاستقطاب والانكماش على الذات والاعتداد بالنفس وبالقومية وبالعشيرة وبغيرها مما يفرق ولا يجمع، إنما يضع نفسه في مواجهة العصبيات العمياء المستقوية بالخطاب الشعبوي الذي ينتهجه ويتقنه العوام والدهماء وأصحاب النفوس الضعيفة والمصالح الآنية والدنيوية من الناس، وهو حتما سيصبح عرضة لكل أنواع الاتهامات بالتمييع والتخاذل عن نصرة فئته التي ينتمي إليها، ولن يدرك حتى العاقلون قيمة وأهمية مواقفه إلا بعد فوات الأوان. وهذا العمل لا يتقنه ولا يتصدر له إلا راسخ الفكر والعقيدة وصاحب الشخصية القيادية المرتبط بالله بعيدا عن الحسابات الدنيوية الرخيصة. لكل ذلك أقول أنه من الإنصاف أن نعطي السيد هادي خسروشاهي ما يستحقه من شهادة حق فيما نذر نفسه له من رسالة سامية، إن أفقدته اكتساب الشهرة الشعبوية إلا أنها أكسبته رضى ربه أولا ونصرة دينه وحماية أمته.
وفي حديث البروفسور عمار طالبي، نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، جاء: أريد أن أشير الى أمرين الأول شهادة، لقد كان يحضر ويناقش وكان كامل الإدراك في القضايا الإسلامية. وأتذكر في إحدى المسامرات الليلية مع الشيخ ابو زهر باعتباره سنيا ومع السيد خسروشاهي باعتباره شيعيا وكانت سهرة ودية فيها إخوة وتسامح ومحبة. واذكر اني أيضا اجتمعت في طهران في مجمع التقريب وكان حاضراً وطلب لو يحصل على مجلدات كتب الفكر الإسلامي وقد وعدته بذلك، دعوته في بيتي وكان مريضاً لكنه كان حاضر الذهن وفرح بشدة لأننا جددنا العهد معه وأحيينا الذكريات معاً. أنا أريد ان أشير الى خاطرات السيد هادي خسروشاهي. هذا الكتاب أهداه لي في بيته في قم. وان كان باللغة الفارسية ولكني قرأته بروحي وقد استرعى انتباهي انه اهتم بالسيد قطب وترجمة كتبه المتعددة وتكلم عليه كثيرًا في هذه الخاطرات لكن الذي يهمني انه سجل في قسم الوثائق الوثيقة التي أرسله السيد محسن الطباطبائي والتي فيها إدانة لحكم الإعدام على السيد قطب. ولهذا أود أن أشير الى هذه الوثيقة التي لا نجدها في مكان آخر لدينا. ثم تكلم في كتابه عن فكرة تقريب المذاهب وعرّف المذهب الاثني عشري. هذا الكتاب بالتالي فيه أشياء مهمة واعتقد انه مهم وفيه رسائل هامة بينه وبين العلماء. وخسروشاهي لديه مجلدات عن جمال الدين الأفغاني وقدّم لها قائلًا إن الذي يريد دراسة الفكر الإسلامي عليه ان يتبحر في فكر الأفغاني ورواد تلك النهضة.
السيد خسروشاهي إذن كان من أركان النهضة وقد كتب كتابًا عن احمد بن بلا وكان مناصرًا لقضية الجزائر، ونحن نتابع ما يحدث في إيران. وها نحن اليوم نفقد رجلًا وحدويًا يدعو الى نهضة الأمة الإسلامية. هذا الرجل فقدناه. واليوم نرى أفرادا آخرين يساعدون العدو ويبثون الفتن. فأين هؤلاء الرجال من أمثال السيد خسروشاهي؟ رسالة توحيد الأمة والدخول في عصر جديد من الحضارة؟ متى نخرج من الذل والهوان؟ ونمتلك الطاقة والقدرة والاكتفاء. لكن البعض يريد أن يبقى العالم الإسلامي أداة له. حتى نصبح أممًا شتى تتصارع وتتقاتل وتستباح أراضيها.
ثمّ تحدّثَ الشيخ الدكتور مصطفى بروجردي، أستاذ كلية العلاقات الدولية وسفير إيران لدى الفاتيكان ومنظمة التعاون الإسلامي وتونس سابقًا، وقال: ليس من السهل الحديث عن شخصية العلامة المجاهد خسروشاهي، خاصة بالنسبة لي، أنا الذي تشرفت بأن أكون صديقًا له لمدة ثلاثة عقود. هذا العالِم الربّاني، الذي رحل عنا في الأيام الأولى لانتشار وباء کورونا وانضم إلى الملكوت الأعلى، هو بلا شك أحد الشخصيات الثقافية والثورية المهمة في العالم الإسلامي في العصر المعاصر. هو الذي أمضى أكثر من ستين عامًا في البحث والتنوير ومحاربة خرافات ومؤامرات المستعمرين ودعم حركات التحرر الإسلامي وتقديم الشخصيات الثورية المؤثرة، كان دائمًا ما یحملُ هاجسَ الأوضاع المضطربة في العالم الإسلامي والمسلمين. وحتى الأيام الأخيرة من حياته الزاخرة لم يدخر أي جهد في سبیل القیم الدينية والثورية. من الأعمال المهمة أخرى للسيد خسروشاهي، فضح مؤامرات المستعمرين الرامية إلى تعزيز الانقسام والصراع بين المسلمين، وتضخيم خلافاتهم. كانت رسالته الدائمة هي التنوير والتحذير من العواقب الوخيمة للنزاع والانقسام بين المسلمين. كان نهجُه الاهتمام الحقيقي بالتقريب، السعي في طريق الأخوة الإسلامية والوحدة ضد العدو المشترك للمسلمين، والذي يتجسد في موجات الإلحاد العاتية.
إنّ انتصار الثورة الإسلامية في إيران، بالنسبة لمن كان يفكر تفكيرًا عالميًّا مثل السيد خسروشاهي، أتاحَ فرصةً ثمينةً لمتابعة قضاياه واهتماماته المستمرة وذلك من خلال حضوره في مجال الدبلوماسية، ومن ناحيةٍ أخرى، أن يبنيَ علاقاتٍ واسعة مع المفكرين والمثقفين، من خلال عقد مؤتمرات وندوات دولية أو من خلال الحضور فيها.
وبدوره الدكتور أبو القاسم جعفري، أستاذ الدراسات الدولية في جامعة ريوكوكو في كيوتوي اليابان، قال: آية الله المجاهد الفقيه، السيد هادي خسروشاهي، كان التاريخ الناطق لمقاومة الشعب ورجال الدين الشيعة في إيران للنظام الشاهنشاهي الظالم، هذه المقاومة التي تُوّجَت بالثورة الإسلامية الكبرى وإيجاد الجمهورية الإسلامية في إيران. إنّ مجاهدتَه في المجال الثقافي، حفظ وثائق رجال الثورة ومستنداتهم، سعيه في التقريب بين المذاهب الإسلامية وفي النهاية، ترجمته لأعمال المفكرين والمقاومين العرب، كل ذلك أدّى إلى معرفة المجامع العلمية والحوزوية في إيران بالعالم العربي. السيد هادي خسروشاهي، كان سيد الجهاديين في مجال الثقافة، التقريب، وتأريخ الثورة الإسلامية، حيث من خلال كتابة وترجمة مئات الكتب والمقالات، ساهمَ بتقريب قلوب الإيرانيين والأعراب من بعضها البعض، وبذل ما بوسعه من أجل رفع الكثير من مواضع سوء الفهم الموجود بين هذين القطبين الإسلاميين. على سبيل المثال، إحدى مقالاته الأخيرة، تتعلق بالدفاع عن أصل نهضة الإخوان المسلمين، حيث إنه أثناء دفاعه عن السيد قطب ومؤلفاته، يوصي الشباب بأن لا يصدّقوا كلام المستشرقين المغرض في تعريفهم للمجاهدين الغرب ومفكريهم، وأن يطالعوا مؤلفاتهم بأنفسهم بشكلٍ مباشر وأن يسارعوا إلى لقائهم شخصياً وأن يقيموا علاقاتٍ علمية وثقافية مع الناشطين المسلمين العرب. للأسف علينا الاعتراف، بأنه اليوم في إيران ليست هناك شخصيةٌ مثله، يمكنها أن تعرف جيل الشباب بتلك الدقة والإحاطة العلمية والميدانية، على الكتّاب، المجاهدين، والمفكرين العرب.
أما الكاتب والأستاذ الجامعي الجزائري الدكتور نورالدين أبو لحية، فقال بدوره: سيدي هادي خسروشاهي.. اسمح لقلمي أن يكتب لك هذه الرسالة بعد سنة كاملة على وفاتك.. وقد كان من المقرر أن أكتبها لك بعد أن فُجعنا بنبأ وفاتك مباشرة.. لكن الأرواح التي حُصدت حينها ـ بسبب الوباء ـ جعلتنا نمتلئ بالأحزان الذي تصرفنا عن ذلك مؤقتا. وعندما حلت ذكرى وفاتك أو استشهادك ـ بسبب الوباء ـ عادت الذكريات التي تربطني بك وبشخصك الكريم وفكرك النبيل من جديد.
وآخرها ما تشرفت به من الزيارة ـ مع ثلة من الأساتذة ـ إلى بيتك في مدينة قم المقدسة، وقد كانت قبل وفاتك بحوالي ثلاثة أشهر..
لقد دخلنا عليك، وأنت جالس إلى مكتبك البسيط المتواضع الذي تراكمت حوله وفوقه الكتب.. حينها هرعت إلينا بابتسامتك العذبة، تحيينا بكل محبة ولطف، ثم تسألنا عنا، وعن المحال التي جئنا منها.. ثم تبدأ بعدها في سرد ذكرياتك المرتبطة ببلدنا الجزائر.. وكيف كنت تشارك في ملتقيات الفكر الإسلامي التي كانت تقام كل سنة.. وكيف كنت تلتقي بكبار النخب من المفكرين والعلماء من الجزائر وغيرها.. وتسميهم لنا.
وأضاف أبو لحية في رسالته: أنت في الجانب الثوري كنت ـ ابتداء من شبابك الباكر ـ من الجنود الذين وهبوا أنفسهم لمقاومة الاستبداد الشاهنشاهي، بدون خوف أو وجل، لا من السافاك ولا من غيرها، حتى أنك اعتقلت مرات عديدة، من غير أن تنثني أو تلين أو تجبن.. مثلك مثل كل رفاقك الذين تتلمذوا على الإمام الخميني وعلى شخصيته الثورية.
وقد ظل هذا الجانب فيك إلى طيلة حياتك، حتى أننا في لقائنا بك، لاحظنا فيك تلك الشخصية الثورية التي لم تؤثر فيها السنون.. فقد حدثتنا بأسف عن الطريق الخاطئ الذي سلكته الثورات العربية إبان الربيع العربي، وكيف أنها حادت عن الطريق الذي كان عليها أن تسلكه لتحقق النصر الذي حققته الثورة الإسلامية الإيرانية.
وتحدّثَ السيد علي العلاق، عضو المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في العراق، فقال: ونحن نحيي الذكرى السنوية لرحيل داعية التقريب والوحدة الإسلامية الكبير والعالم الرباني المجاهد السيد هادي خسروشاهي رضوان الله تعالى عليه نستدعي معه المشروع الإصلاحي الكبير الذي نذر المصلحون الأوائل أنفسهم لإحيائه وإنجاحه وتحقيق أهدافه الكبرى تأسيا بمسيرة الأنبياء والأولياء والشهداء والعلماء وجميع الدعاة إلى رسالة الله تعالى ودينه الحق وشريعته الغراء. أما فقيدنا الراحل اية الله السيد هادي خسروشاهي فان ذكره الخالد يقترن تماما بمشروع الوحدة والتقريب الإسلامي فهو رائد فذ من رواده ومنظر حاذق من منظريه ومجاهد كبير لتحقيقه وإنجاحه ، اخلص بصدق لهذا المشروع وسخر له كل جهده ووقته وامتاز بكل مواصفات المصلحين الربانيين وتحرك في بلدان الأرض لتحقيقه، جمع بين الفقاهة والسياسة وامن بالتلازم بين الدين والسياسة وعلى قدرة الإسلام وجدارته في إدارة الدولة وتلبية متطلباتها في المجالات كافة وفند أطروحة الغرب ومن تابعه على الفصل بين الدين والسياسة. عزز المرحوم السيد خسروشاهي دوره الفكري والاجتماعي بالعمل في مؤسسات الدولة الإسلامية ولاسيما وزارة الخارجية وتمثيل الجمهورية الإسلامية في الفاتيكان لتعميق الحوار الإسلامي المسيحية أيضا.
بعد ذلك كانت كلمة الدكتور سعيد شهابي، الناشط السياسي والصحافي وعضو حركة أحرار البحرين، الذي قال فيها: السيد خسروشاهي كان في ريعان شبابه، يقرأ ويكتب ويتواصل مع النشطاء الإسلاميين في بلدان شتى. ووفرت له وظيفته في روما فرصة لمد جسور التواصل مع من يتجشم فيهم الحماس للمشروع الإسلامي المتصاعد. ونظرا لعلاقته مع السيد محمد خاتمي، وزير الإرشاد بالجمهورية الإسلامية آنذاك، فقد تفتحت له ابواب للتواصل الثقافي والفكري مع المؤسسات والحركات الإسلامية. فتعمقت علاقاته مع المفكرين والكتاب بالإضافة لعلماء الدين ومنهم المرحوم الشيخ محمد الغزالي. كان السيد خسروشاهي احد رواد مشروع الوحدة الاسلامية، فقد تأثر بمشروع دار التقريب في القاهرة الذي تأسس في الخمسينات من القرن الماضي بدعم من آية الله البروجردي، وكان على تواصل مع الشيخ محمد تقي القمي الذي ارتبط اسمه بشكل وثيق بذلك المشروع. ونتيجة ذلك بقي على تواصل مع الثقافة العربية والمصرية. وكان على تواصل مع علماء الازهر وكذلك رموز الاخوان المسلمين.
ثم أردف قائلًا: قليلون هم الرجال الذين يتركون آثارا واضحة بعد رحيلهم عن الدنيا. والأقل من يترك وراءه مشاريع إنسانية او إيمانية او ثقافية او معرفية. اما السيد هادي خسروشاهي فقد ترك وراءه ذكرى طيبة بعد عمر قضاه في عالم التأليف والنشر، وساهم في تأسيس واحد من أهم المشاريع الإعلامية المرتبطة بصعود المشروع الإسلامي، فكان واحدا من رموز “الإسلام السياسي” وعمودا من أعمدة التقريب وذراعا إيرانيا طويلا ممتدا بالصداقة والحب للجانب العربي ممثلا بعلمائه ومفكريه وناشطيه وكتّابه. رحمه ألله فما أعظمه من رجل.
أما الدكتور علي أبوالخير، الباحث ونائب مدير مركز يافا للدراسات والأبحاث بالقاهرة، فقد قال: من الصعب على الإنسان أن يقوم بتأبين ونعي رجل مثل حجة الإسلام والمسلمين، السيد هادي خسروشاهي، السياسي والمفكر، الإنسان والفرد الشهيد. فمع الكلمة الطيبة، تنبع من القلب فتصوغها المشاعر الحانية حروفا من نور تشرق في السرائر وتتألق في الضمائر، وتسكب في جوانح الحياة ندى الخير وفجر الأمل، والأمل هو السعي والتواصل لإفاقة الوعي وتجديد الفكر ثم في موقف موحد للأمة الإسلامية. كان من التلاميذ النجباء للإمام روح الله الخميني، الذين تعرضوا للتضييق الفكري والجسدي، ولكنه المثقف الرسالي، والمفكر الإسلامي، الذي كان همه، هو التقريب بين المسلمين، بين المذاهب والمدارس. لقد كان الفقيد من رموز التّقريب خلال نصف القرن الأخير، أي منذ زمن دار التقريب في مصر، بقيادة الشيخين الجليلين تقي الدين القني ومحمود شلتوت.
وأضاف: وعندما ننظر في كتبه نجدها تؤكد هذا الاتجاه الفكري للسيد خسرو، لقد قرأت له عدة مؤلفات من أهم ما تم كتابته، منها قصة التقريب – في سبيل الوحدة والتقريب- أهل البيت في مصر- عبد الله بن سبأ بين الواقع والخيال.
وتمت مناقشة هذه الكتب في ندوات بالقاهرة، مثل مركز يافا للدراسات والأبحاث – منتدى الغد لعربي – نقابة الصحفيين، وغيرها، وكل هذه أمور مهمة وحقيقية ودؤوبة، جعلت من السيد هادي روح سارية بالمقاومة والحب لمصر وأهلها، وبادله المصريون حبا بحب، وشغفا بشغف، وخاصة عندما كتب عن أهل البيت في مصر.
وختم أبو الخير كلمته باستحضار ذكريات لقائه بالسيد خسروشاهي وحواره معه.
وكان الدكتور مصطفى اللداوي الباحث الفلسطيني قد افتتح كلمته التقديمية قائلًا: قلةٌ هم الرساليّونَ بيننا. اليوم نحتفلُ بالرجل العظيم السيد هادي خسروشاهي في مماته ولو أنه كان علينا أن نحتفيَ به حيًّا. غير أنه لا يضرّه أنه مجهولٌ بين البعض منا من جيل الشباب لأنّ مقامه عند الله عالٍ. هو لم يكن كاتباً وعالماً فقط. بل رجل دين وعاملًا وعالمًا فدائيًا يدافع عن الإسلام لا في إيران فقط وإنما في كل العالم الإسلامي. هو باحث محاور فيلسوف وأستاذ جامعي حقوقي فمن مثله جمع هذه الصفات كلها. قلةٌ ترتقي الى مصاف هذا الرجل العظيم. أهم ما تميز به أنه كان وحدوياً. وهو الذي آمن أن الأمة الإسلامية لن تكون قويةً إلا إذا كانت يدًا واحدة.
المصدر: موقع المنار