منذ آب الماضي بدأنا نلاحظ مواقف اميركية وتقارير على وكالات ومواقع غربية عالمية مثل “رويترز” و “سي ان ان” تشير الى تراجع الدعم الاميركي للسعودية في “حرب اليمن” او تقارير عن سحب اميركا عسكرييها من خلية استشارية في السعودية وما شابه ذلك..
بعد مجزرة صنعاء منذ ايام لوحظ تكثف للموقف الاميركي المتنصل والذي يُبدي استياءً اميركياً من التحالف الذي تقوده السعودية، وجاء قول المتحدث باسم مجلس الأمن القومي للبيت الأبيض بعد المجزرة إن “التعاون الأمني للولايات المتحدة مع السعودية ليس شيكا على بياض. وفي ضوء هذه الحادثة وغيرها من الحوادث الأخيرة، شرعنا في مراجعة فورية لدعمنا” ليوحي بموقف اميركي متقدم في هذا الخصوص.
ظهرت في الإعلام الاميركي ايضا مواقف اميركية منتقدة للسعودية مجددا وورد في صحف اميركية جو من الاستياء الاميركي مثل ذلك الذي جاء في “واشنطن بوست” نقلا عن مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية: “هل على الحليف أن يعطيكم شيكا على بياض لكل ما تفعلونه في الحرب؟”
محاولات التملص ومزاعم الاستياء تأتي رغم ان الوقائع تشير لاستمرار تغطية العدوان -الذي ينفذ بأسلحة وطائرات اميركية- وتنفيذ اتفاقات بمليارات الدولارات من صفقات اسلحة للسعودية آخرها وُقّع منذ فترة قصيرة . تستمر محاولة التعمية على الحقيقة، تلك الحقيقة التي تقول ان الاميركي هو الداعم الاول للعدوان ومستمر في هذا الدعم وتغطية الجرائم ومن المؤكد ايضا انه غير مبال بالدم اليمني ولم يتحرك لديه “الحس الانساني” بعد المجازر.
والاميركي هو منذ فترة حاول الايحاء بلعب دور “الوسيط” في الازمة للتوصل لحل سلمي عبر وزير خارجيته كيري وقد اكد اليمنيون ان كيري لا يمكن ان يكون وسيطا فالاميركي ليس وسيط سلام بل طرف.
ورغم كل ذلك فالمنظمات الدولية لا تأخذ الكلام الاميركي جديا، وفي مقال لإحدى باحثات “هيومن رايتس ووتش” تحت عنوان “على الولايات المتحدة الكف عن اختلاق الأعذار لانتهاكات السعودية في اليمن” تقول ” لا يبدو على الإدارة الأميركية أنها ستحاول كبح حليفتها السعودية”.
يذكر المقال ان “الولايات المتحدة تدعم الحملة العسكرية بقيادة السعودية بتزويد الطائرات بالوقود جوا والمساعدة في تحديد الأهداف، دون انتقاد السعودية وحلفائها لقصف المدنيين بشكل متكرر وغير قانوني، وارتكاب ما يبدو أنها جرائم حرب. طبيعة هذا الدعم تجعل الولايات المتحدة طرفا في النزاع المسلح، وربما مسؤولة عن ضربات غير قانونية، كما تستمر الولايات المتحدة في بيع الأسلحة للسعودية – ما يزيد عن 20 مليار دولار من الدعم العسكري والأسلحة في 2015 – رغم اعترافها المتزايد بأن الأسلحة قد تستخدم بشكل غير قانوني”.
اذاً ورغم ما سيق من تحليلات ان السعودية تلعب ادوارا منفردة في المنطقة او اليمن وتخرج عن التنسيق مع اميركا منذ استيائها من توقيع الاتفاق النووي او القول ان جاستا كان تعبيرا عن الانفصال بين الدولتين، لكن في الساحة اليمنية اظهرت الوقائع حتى فترة غير بعيدة حجم المساعدات وصفقات الاسلحة. وهذا ما ظهر على الملأ، أما ما تحت الطاولة فتتحدث عنه تقارير عديدة حول الدور الاميركي في مساندة تحالف العدوان لوجستيا ومخابراتيا ولأهداف ليست سعودية بحتة بل اميركية ايضا في اليمن والمنطقة وياتي التملص اليوم مشابها لقانون جاستا حيث تنفذ السعودية ادوارا لصالح اميركا ثم تتملص منها اميركا اعلاميا او تصدر قوانين ضدها مثل جاستا .
لذا السؤال هنا لماذا ابداء الاستياء ولماذا التملص اعلاميا من السعودية رغم استمرار الدعم ورغم ان احدا لا يصدق ان اميركا تريد كبح جماح السعودية في اليمن حرصا على اليمنيين وهي التي لم تكبحها لسنة ونصف ذبح فيها عشرات الاف اليمنيين وحوصر البلد بحرا وبرا وجوا؟
عندما يخرج كلام اميركي يوحي بسحب التغطية عن السعودية في اليمن فليس ذلك نتيجة شعور اميركا الانساني جراء اقترافات السعودية واقترافاتها هي في اليمن ومساندتها العدوان، فاميركا اصل الارهاب في العالم وأصل الاحتلالات في المنطقة والداعم التاريخي للكيان الصهيوني المجرم لن يصدق احد انها مستاءة من مجزرة صنعاء!
يمكن تفسير الموقف الاميركي بما يلي:
1- استياء من عدم نجاح التحالف بقيادة الرياض في اليمن في تحقيق اهدافه المرسومة رغم كل هذا الوقت والدعم وضغط على الرياض لدفعها نحو اداء “افضل” يحقق اهداف العدوان.
2- تخوف من عواقب قانونية تطال اميركا: وهنا يمكن ان نشير الى تقرير لرويترز اليوم تحت عنوان مخاوف أميركية من العواقب القانونية للقصف السعودي في اليمن، يظهر ان وثائق حكومية وروايات مسؤولين حاليين وسابقين اظهرت أن إدارة أوباما نفذت صفقة بيع أسلحة قيمتها 1.3 مليار دولار للسعودية العام الماضي رغم تحذيرات من بعض المسؤولين من إمكانية توريط الولايات المتحدة في جرائم حرب بدعم حملة القصف الجوي التي تقودها السعودية في اليمن وسقط فيها آلاف القتلى من المدنيين.
وينقل التقرير عن اربعة مسؤولين حاليين وسابقين إن خبراء القانون بالحكومة الأمريكية لم يتوصلوا بعد لرأي نهائي بشأن ما إذا كان الدعم الأمريكي للحملة الجوية يجعل الولايات المتحدة شريكا في الحرب بمقتضى القانون الدولي.
ويقول : إذا استقر الرأي على هذا الأمر فسيلزم ذلك واشنطن بالتحقيق في الاتهامات الخاصة بارتكاب جرائم حرب في اليمن ولأثار ذلك خطرا قانونيا يتمثل في إمكانية مقاضاة بعض رجال الجيش الأمريكي من الناحية النظرية على الأقل. ويذكّر التقرير ان الهجوم السعودي الاخير في صنعاء “دى إلى أعنف رد لفظي من واشنطن حتى الآن إذ قالت أنها ستراجع دعمها للحملة في اليمن”.
هذا التقرير يؤشر الى ان واشنطن رغم محاولة اظهار استياء في الاعلام من الحملات الجوية السعودية لكن تستمر في دعمها ويُظهر من جانب اخر ان ابداء هذا الاستياء هو شكل من اشكال الدفاع المسبق بوجه اي عواقب قانونية قد تطال الجيش الاميركي والادارة الاميركية جراء دعمهم للعدوان السعودي.
3- إبداء الامتعاض بشكل مكثف في الاونة الاخيرة احد اهدافه ايضا التمهيد لأي خطوات تراجعية وتسوية في اليمن في ظل الفشل المتكرر لتحالف العدوان.
المصدر: موقع المنار