ليس بالضرورة فقدان روح حبيبة غالية، أو أن نُصاب بالوباء ونعيش المُعاناة كي نصرخ الوجع، لأننا بالفقدان نُخاطب الله ونسأل الرحمة، ونشكره لأن الروح التي غادرت كانت عزيزة كريمة مُحاطة بوجوه حبيبة حاولت المستحيل، لكن الإصابة بالكورونا أخطر ما فيها هو في جهل مصدرها وكيفية انتقال العدوى، مما يعني أن صمّ الآذان عن وضع الكمامة واتخاذ تدابير الوقاية، فيه من المُكابرة ما يبلغ حدود المخاطرة القاتلة.
عاش أجدادنا زمن الأوبئة، ورُوِي الكثير عن الطاعون في بداية القرن العشرين، وعن “تمنية القمح” التي كان في ذلك الزمن يقوم كرام الأخلاق من الأهل والأقارب بتهريبها عن عيون العثمانيين لإيصالها الى عائلة جائعة، أو “العونة” التي كانت تبدأ من جرف الثلج عن سطح منزل وتنتهي بوضع رغيفين من دقيق الذُرة في “طاقة البسينة” وهي فتحة صغيرة جانب أسفل باب عائلة مستورة، وهذا التعاضد المجتمعي اللبناني ما زال والحمدلله بخير، ولو أن تمنية القمح ورغيف دقيق الذرة تم استبدالهما في زمن الكورونا باتصال هاتفي يُشعرنا أن الدنيا ما زالت بخير طالما فيها أهل وأقارب قلوبهم نابضة بالرحمة واللهفة.
مشكلة لبنان في مواجهة وباء الكورونا، أن الضائقة الإقتصادية قد استبقت وصول الوباء، وأن شريحة واسعة من شعبنا تكاد تشتهي “تمنية قمح” أو رغيف ذُرة بعد أن ارتفعت نسبة العائلات التي تعيش تحت خط الفقر من 8% عام 2019 الى 23% عام 2020، وبعض الأحزاب والجمعيات الأهلية والتعاونيات بدأت فعلياً وبعيداً عن التنظير، في الإستثمار بالأراضي البور والتركيز على الزراعة بهدف تأمين شبه إكتفاء ذاتي غذائي، وهذه الخطوة لو اطلع البعض على تفاصيلها وحجمها يُباركها لأنها تُغني على الأقل عن ترداد معزوفة “الحق عالدولة” في كل شيء!
“الحق عالدولة”، ووزير الصحة الدكتور حمد حسن الذي يستحق لقب مُناضل، وإن كان واقع المستشفيات الخاصة والحكومية لا يُشبه تعاطيه الراقي والواعي والمسؤول، لكن أهم نداء توجه به الى اللبنانيين منذ اليوم الأول للجائحة ويكرره بشكل شبه يومي هو : “تعامل مع الآخر وكأنك أنت مُصاب وهو مُصاب، وحافظ على نفسك وعلى الآخر بوضع الكمامة واعتماد المسافة الآمنة والتعقيم”، ولا نعتقد أن ما تطلبه وزارة الصحة من المواطنين فيه الكثير من العبء عليهم، وهو بات “ستاندرد عالمي” للوقاية، سيما وأننا نقترب من عتبة الألفي إصابة في اليوم.
هي صرخة وجع نطلقها، للإبتعاد عن الإستنسابية في الفتح والإغلاق أولاً، وفرض عقوبات صارمة على مخالفي التعليمات الوقائية ثانياً، ومكافحة رعونة التجمعات غير الواعية ثالثاً وأخيراً، لأن وضعنا الإقتصادي لم يعُد يحتمل إقفال المؤسسات، ولا اتخاذ إجراءات جزئية مثل المفرد والمزدوج، أو إقفال هذا النوع من القطاعات والسماح بفتح أخرى، وحسبنا أن نتجاوز هذه المحنة / المأساة بقطعة قماش يجب أن تصبح جزءاً من ملابسنا الى أن يقضي الله مشيئته في مصير جرثومة لعينة يقف العالم مستسلماً لها ولا سلاح مواجهة لدينا سوى قطعة قماش إسمها كمَّامة …
المصدر: موقع المنار