وقف بنيامين نتانياهو على متن الباخرة الثانية القادمة من الإمارات وسأل عن حمولتها، فَقِيل له أنها تنقل معدات كهربائية ومن ضمنها الغسَّالات، فأبدى فرحته لأن سعر الغسالات سوف ينخفض جراء الإستيراد من الخليج، وتناسى، أن غسَّالة الملابس لن تغسل لا الأيادي الصهيونية من دماء الجرائم ولا بعض الأيادي الخليجية والعربية من العمالة والتطبيع الذليل.
ليس في تطبيع علاقات الإمارات والبحرين مع الكيان الإسرائيلي ما هو جديد، لأنهما كانتا أصلاً ضمن منظومة ما يصفه الاميركيون “الإعتدال العربي”، والعلاقات كانت موجودة من “تحت الطاولة”، وإعلانها فوق الطاولة، ليس أكثرمن ورقة إنتخابية وازنة لدونالد ترامب في معركته الإنتخابية بداية الشهر المقبل، وورقة إبراء ذمة للفاسد بنيامين نتانياهو في الداخل الإسرائيلي، لكن كل محاولات التطبيع التي حصلت أو سوف تحصل مع إسرائيل لن تؤمِّن لها الأمان، ولو أنها باتت شريكاً مع أميركا في الإبتزاز المادي لأصحاب العروش العائلية في الخليج.
لن ندخل في الرهان على بعض الشعوب العربية والخليجية المسحوقة وقدرتها في رفض التطبيع، ولا في جامعة الدول العربية التي تعتبر الأمر مسألة “سيادية” داخلية لكل دولة، لكن البحث في أمن وأمان إسرائيل سيبقى دون جدوى طالما هي دولة إحتلالٍ وعدوان، والقبب الحديدية التي تُناطح سحاب الوهَم لديها لم تستطع ولن تستطيع نزع الكوابيس من نفوس المستوطنين الإسرائيليين.
الشارع الإسرائيلي المبتهج بالسياحة الخليجية القادمة لإنعاش الإقتصاد، يُبدي ترحيباً بما يعتبره أنه بداية السلام المنشود، لكن البعض يتساءل أمام وسائل الإعلام عن أمن “دولة إسرائيل” ما دام هذا السلام لم يحصل مع أصحاب الشأن الأصليين، وما دامت المفاوضات مع الفلسطينيين متوقِّفة.
وخلافاً لما يُبديه سكان تل أبيب من اغتباط بالسياحة الخليجية، يُبدي سكان شمال ووسط الكيان الصهيوني خشية، من أن السلام المنفرد مع دولة من هنا أو هناك، لن يُلغي العداء العربي والإقليمي وحتى الدولي المتعاطف مع القضية الفلسطينية، وأن السلام المنفرد هذا لم يخفِّف من احتمالات حربٍ قادمة، لا بل زاد من احتمالات حصولها، نتيجة استياء شعوب محور المقاومة من الذين باعوا القضية مرَّتين، الأولى عندما اعتقدوا أن اتفاق أوسلو سوف يُعِيد الأرض مقابل السلام وتركوا إسرائيل تتوسَّع في مستوطناتها دون حصول أي تقدُّم في مفاوضات السلام، ومرَّة عندما اعتبروا أن التطبيع مع إسرائيل لا يمنع من المطالبة بحلّ القضية الفلسطينية.
وما دامت المطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني والإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة، كانت تحصل في الماضي عبر القِمم العربية الكلامية، وما دام الوضع العربي على ما هو عليه، فإن التطبيع الإماراتي – البحريني مع إسرائيل لا يُعتبر سوى حلقة من مسلسل الهروب الى الأمام في الشارع العربي كما في الداخل الشعبي الإسرائيلي، وهذا التطبيع يُمكن أن يؤمِّن لإسرائيل الكثير على المستوى الإقتصادي لكنه لن يؤمِّن لها الأمان، وهذا ما يعترف به المستوطنون الإسرائيليون في تساؤلاتهم أمام حكومتهم..
المصدر: موقع المنار