كالمنفصل عن الواقع وكأنه يعيش في عالم آخر، أطل الملك السعودي سلمان في كلمته الأربعاء 23-9-2020 عبر الفيديو أمام الدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن يسمع الملك السعودي يتحدث يعتقد انه يترأس الدولة الفاضلة التي لا تنشر إلا الخير والبركات على العالم وعلى جيرانها، فمن جهة نراه يتحدث عن التكاتف “لمواجهة التحديات المشتركة للإنسانية” وان “السعودية في طليعة الدول الساعية لتحقيق الأمن والسلم الدوليين”، ومن جهة اخرى يقول إن بلاده “من أكبر الدول المانحة في مجال المساعدات الإنسانية والتنموية، ولم تميز في هذه الجهود على أسس سياسية أو عرقية أو دينية…”.
هذا بعض الامثلة على الانفصام التام بين كلام وممارسات السعودية، فهي في الجانب النظري تتحدث عن الانسانية ودورها في حفظ السلم والامن الدوليين، بينما في دنيا الواقع هي تشن عدوانا على أحد جيرانها أي اليمن منذ ست سنوات دون هوادة، ولم توفر في جرائمها لا البشر والحجر والشجر، فأعداد الشهداء والجرحى تتزايد يوما بعد يوم، والحصار في ظل حائجة كورونا يتواصل، ما يسبب أزمات معيشية وصحية فادحة، وبعد ذلك نرى الملك سلمان يحدث العالم عن الانسانية والدور السعودي فيه، فعن أي انسانية تحدثنا يا هذا؟ ومع كل ذلك وبعد 6 سنوات تبين فشل العدوان السعودي الاميركي على اليمن رغم كل الامكانات المستخدمة من قبل قوى العدوان وذلك بفضل ثبات وإنجازات الشعب والجيش واللجان الشعبية في اليمن.
أما الحديث عن التنمية والمساعدات بدون تفرقة او تمييز او غيرها من الشروط، فنحن في لبنان خير من خبر هذا النوع من المساعدات ولا زلنا، فهذه المساعدات طالما كانت ترتبط بالشروط السياسية والسطوة التي تريدها الرياض على القرار اللبناني، ولا يوجد دليل أوضح على الأداء السعودي في هذا المجال هو ما جرى في شهر 11 من العام 2017 من استقالة مريبة لرئيس الحكومة الاسبق في لبنان سعد الحريري من منصبه واعتقال الرجل هناك قبل ان تتدخل بعض الاطراف المحلية والدولية للعمل على إطلاق سراحه.
أما فيما يتعلق بتهجم الملك السعودي على ايران، فهو كلام لذر الرماد في العيون ليس اكثر، وهو يؤكد الانفصام الذي يعانيه الملك سلمان عن الواقع وانه يمشي وفقا لما يريده الرئيس الاميركي دونالد ترامب والصهاينة الذي يعيشون على حلم فرض العقوبات على ايران، بينما العالم قبل ايام لا سيما الاوروبيين وبالتحديد بريطانيا وفرنسا والمانيا رفضوا السير بفرض العقوبات الاميركية على طهران باعتبار ان واشنطن خرجت بشكل آحادي من الاتفاق النووي.
ولا أحد ينسى كلام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي وعد بنقل النار الى الداخل الايراني، فهل هذا الكلام ينطبق مع كلام الملك سلمان حيث قال “لقد مدت المملكة أياديها للسلام مع إيران وتعاملت معها خلال العقود الماضية بإيجابية وانفتاح…”، هل الايجابية والانفتاح ينطبقان مع نقل الحرب والنار الى الداخل الايراني؟ يبدو ان الانفصام السعودي يعتبر ان هذا هو الانفتاح!!
أما الادعاء ان ما يجري في اليمن هو صراع سعودي ايراني فهو محاولة من سلمان للهروب من المسؤولية التاريخية التي تلاحقه وستبقى تلاحقه وولي عهده ابنه محمد بن سلمان الذي يعتبر القائد الفعلي وحامل لواء العدوان على اليمن، ولعله المسؤول الاول عن كل الجرائم ضد الانسانية وجرائم الجرب التي ارتكبت وترتكب هناك، والتي يجب ان يحاسب عليها في يوم من الايام مهما طالت الحماية “الاميركية الترامبية” له، وخير ما يرد به هنا على الملك سلمان هو ما قاله له عضو المجلس السياسي الاعلى في اليمن محمد علي الحوثي “فلتواجه ايران إذا كان لديك حسابات معها…”.
وأما حديث سلمان عن مواجهة التطرف والارهاب فهو أشبه بمزحة سمجة لان الجميع يدرك ان كل الجماعات الارهابية في العالم نهلت من منبع فكري واحد اساسه الوهابية التي دعمها ونشرها آل سعود في المنطقة والعالم واتخدوها آداة لتحقيق مصالحهم السياسة من أفغانستان الى الشرق الاوسط خاصة ما جرى خلال السنوات الاخيرة في العراق وسوريا، ولعل الحرب الكونية التي شنت على سوريا كانت خير دليل على ذلك، فكل الجماعات الارهابية كانت تتلقى الدعم الفكري والمالي من جهات خليجية وسعودية وحتى الغطاء السياسي واعتبارها حركات معارضة بغية إضعاف النظام القائم.
اما عن الصراع مع العدو الاسرائيلي فجلّ ما ركز عليه الملك السعودي هو ان “السلام في الشرق الأوسط هو خيارنا الاستراتيجي… ونساند ما تبذله الإدارة الأمريكية الحالية من جهود لإحلال السلام في الشرق الأوسط…”، كلام يحمل في طياته تماهيا مع مسلسل التطبيع الخليجي مع العدو الاسرائيلي، ولا يخفف منه اي كلام نظري عن دعم حقوق الشعب الفلسطيني لاقامة دولة، فالواقع يظهر ان النظام السعودي يقف قاب قوسين او أدنى من ارتكاب ما قامت به الامارات والبحرين، فالمواقف الاميركية تؤكد ان السعودية ليست بعيدة عما يجري وان المسألة مسألة وقت ليس اكثر.
كما تعرض الملك السعودي في كلمته لاحد الاحزاب اللبنانية وهو حزب الله الذي لديه ممثلين في البرلمان منتخبين من قبل الشعب، كما ان هذا الحزب مع حلفائه يشكلون الاغلبية النيابية، وبالتالي اتهام الحزب بالهيمنة على القرار اللبناني هو تدخل فاضح وغير مشروع من قبل الملك السعودي بالشؤون الداخلية للبنان ولا يقبل ذلك بأي عرف او قانون دولي او داخلي، اما حديثه عن تجريد المقاومة التي يمثلها حزب الله من سلاحها فهو مطلب اسرائيلي واضح سواء نطق به احد القادة الصهاينة او احد المسؤولين السعوديين لا فرق بين الامرين، وهنا يطرح السؤال البديهي اين هي بعض الاصوات اللبنانية التي تدعي الحرية السيادة والاستقلال وتدعو الى نظريات غير قابلة للتطبيق، اين هي من كلام الملك السعودي ولماذا لا ترد عليه حفاظا على السيادة اللبنانية؟
من كل ما سبق يظهر ان خطاب سلمان يتماهى الى حد التطابق مع الخطاب الاسرائيلي في مختلف الملفات لا سيما فيما يتعلق بسلاح المقاومة والملف الايراني والسعي لما يطلقون عليه “السلام” في الشرق الاوسط، وغيرها من الملفات التي تطرح الكثير من التساؤلات عن سر هذا التناغم السعودي الاسرائيلي وهل الامر مجرد تقاطع مصالح او انه تطابق في العلاقات الاستراتيجية المتينة بين الطرفين؟
يبقى اننا في كلام الملك سلمان لم نسمع أي شيء عن الداخل السعودي لا سيما فيما يتعلق بحقوق الانسان والخدمات التي تقدم لفئات دون فئات والتمييز على اساس طائفي ومذهبي ومحاولة تهميش مكونات كبيرة في المجتمع وفي بعض المناطق، كما لم نسمع من الملك سلمان اي شيء عن مصير المعتقلين السياسيين من ابناء العائلة السعودية نفسها او من رجال الدين والمفكرين الذين يتم الزج بهم في السجون لمعارضتهم الاداء العام او انتقادهم ورفضهم وصول محمد بن سلمان الى رأس الحكم في البلاد، او حتى ملف قتل الصحافي جمال خاشقجي وغيره على ايدي مرتزقة النظام السعودي، وغيرها الكثير من الملفات الداخلية التي كان الأجدى بالملك سلمان إطلاع العالم عليها ليدرك المجتمع الدولي مدى التطور الحضاري والفكري الذي يعيشه النظام والشعب في السعودية.
المصدر: موقع المنار