لا شك ان المقاومة هي الاسلوب الانجح لمواجهة الاحتلال بشكل عام والعدو الاسرائيلي بشكل خاص ومباشر، ولا شك ان اقوى وأفعل صورة المقاومة ضد هذا الاحتلال هي المقاومة المسلحة التي تنزل الخسائر بالعدو وتوجعه وتقض مضاجعه، إلا ان هذه المقاومة تحتاج الى تعميمها ثقافتها على شعوب المنطقة والشعوب الحرة في العالم وترسيخها اكثر فأكثر في النفوس والوجدان ونشرها للرأي العام الاقليمي والعالمي، كي لا تكون المقاومة مجرد ردات فعل على جرائم العدو الاسرائيلي وكل محتل، بل يجب إبرازها لفضح ممارسات العدو وجرائمه امام العالم أجمع ولتعميم ثثاقة العزة والانتصار على الظلم.
وهنا لا بد من التنويه بقدرة الشعب الفلسطيني على حمل قضيته بعد عشرات السنين من استمرار الاحتلال الاسرائيلي، فاليوم من نراه يقف ليواجه المحتل هم الشباب اليافعين ممن يعتبروا من الجيل الثالث لفلسطين بعد الاحتلال وهناك من كان يراهن من الصهاينة ان الاجيال الفلسطينية الشابة ستنسى “القضية الام”، قضية الآباء والأجداد وسيندمجون شيئا فشيئا مع المحتلين او يرغبون بالرحيل الى بلاد الغرب، سواء ممن يقيمون في الاراضي المحتلة او ممن يعيشون في قطاع غزة المحاصر في ظروف صعبة او ممن يعيشون في مخيمات الشتات في دول الجوار لا سيما لبنان وسوريا وفلسطين.
وهذه القدرة الفلسطينية على استنهاض الاجيال والاطفال والشباب وزرع بذور المقاومة فيهم منذ الصغر يعود الفضل فيها لدماء الشهداء ولتضحيات عائلاتهم والجرحى، ولعل التيارات الفلسطينية المختلفة لعبت الدور المهم في تثقيف الاجيال وتربيتهم على هذا الطريق، ويمكن القول ان مقاومة المحتل الاسرائيلي ومعاداته باتت ثقافة متجذرة في نفوس الفلسطينيين، وهذا الامر غاية في الاهمية لانه يعطل الكثير من المشاريع الاميركية والاسرائيلية التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية ومن ضمنها ما تم التسويق له ضمن “صفقة القرن” وتم رفضه من عامة الشعب الفلسطيني ونظم التحركات والفعاليات الرافضة ، فهذا الشعب الفلسطيني لا يتأخر عن تلبية الدعوات الهادفة لحماية قضيته وقدسه، كما ان الشعب الفلسطيني وتياراته المختلفة يواجهون “خطة الضم” الصهيونية حيث يسعى العدو لضم المزيد من الاراضي المحتلة في الضفة الغربية وغور الاردن.
وهذه الثقافة المقاومة راسخة ايضا لدى العديد من شعوب منطقتنا بدءا من لبنان حيث المقاومة التي واجهت الاحتلال منذ ثمانينات القرن الماضي وصولا لايران الثورة الاسلامية بقيادة الامام الخامنئي، حيث يعتبر شعبها ودولتها الرافد الاساسي والداعم الاهم لقضية وشعب فلسطين وكل حركات المقاومة والتحرر في المنطقة ورفع راية الحق في العالم، مرورا بالشعب العراقي الذي واجه ولا يزال الاحتلال والغطرسة الاميركية وانتصر على العدو التكفيري، كما فعل الشعب السوري بالتكاتف مع قيادته وجيشه على مدى أعوام الحرب الكونية التي شنت ضده، وصولا الى اليمن حيث يقدم الشعب هناك أروع الصور لمواجهة الظلم ورفض الخضوع رغم استمرار العدوان لخمس سنوات ولا يمكن ان ننسى شعب البحرين الصابر والثابت بوجه الظلم والرافض لكل المحاولات التطبيعية التي يعمل على التسويق لها النظام الحاكم بالمنامة.
والتطبيع الذي يواجهه شعب البحرين يجب التنبه منه والعمل على مواجهته من قبل كل شعوب وأنظمة المنطقة كلها دون استثناء، لانه يحمل في طياته ما يمكن تسميته “صلحا خفيا” مع العدو الاسرائيلي الذي قتل وسفك دماء الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والسوريين والاردنيين وغيرهم من شعوب المنطقة بشكل مباشر وغير مباشر، فخطورة التطبيع الواضح او الملتوي مع العدو انه يعطيه “صك براءة” عن كل الجرائم التي ارتكبها منذ عشرات السنين وحتى اليوم، ناهيك انه يبرر للعدو وجوده غير الشرعي وغير القانوني في فلسطين واحتلاله لمقدساتها ناهيك عن الاراضي اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشويا وايضا احتلاله للجولان السوري المحتل.
والخطير بمسألة التطبيع انه قد يأخذ أشكالا رياضية او اقتصادية او ثقافية او دينية وغيرها من الاشكال، حيث يحاول العدو ومن يتواطأ معه من انظمة في المنطقة، تغطية هذا التطبيع بغلاف غير سياسي لابعاد الشبهات عن الهدف المنشود من الفعاليات التي تقام في هذه العاصمة او تلك، فهم يريدون “كي الوعي” لدى الشعوب وإدخال الوجوه الصهونية سواء الاعلامية او السياسية او غيرها من الصور، في يوميات الناس على شاشة الفضائيات العربية او في المعارض والندوات او وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث نعتاد على مشاهدتها وسماع افكارها ومناقشة ما تطرحه وكان الامر مجرد اختلاف ثقافي او فكري، ومن ثم يُعمل على تقريب وجهات النظر بين الظالم والمظلوم او بين الجاني والضحية، إلا ان المسألة أعمق من ذلك بكثير وهو ما يجب ان يتم توضيحه والتذكير به والتأكيد عليه بشكل متواصل وبدون انقطاع في وسائل الاعلام المقاومة والحرة في المنطقة والعالم، كما يجب التنبيه من وسائل الحرب الناعمة التي تخاض ضدنا والتطبيع الذي يسعى اليه البعض بالتفاهم مع العدو.
وهنا لا بد من تسليط الضوء على كل الفعاليات المريبة التي تقام في اي دولة تحت عناوين مختلفة ويكون هدفها التطبيع مع العدو، ولا بد من تكوين وتفعيل الاجهزة والجهات العاملة في إطار مواجهة ومكافحة التطبيع وصد الابواب والثغرات التي يمكن للعدو ان ينفذ منها، وهو مجال بالغ الصعوبة لانه واسع جدا خاصة اننا نواجه عدوا ماكرا متلونا يناور كثيرا ويتربص بنا وينتظر الفرص لاقتناصها بالدخول الى المجتمعات او تجمعاتنا في مختلف المجالات.
المصدر: موقع المنار