لاحظ العلماء وجود ثلاث مناطق في العالم يعيش أصحابها أكثر من 100 عام، وأطلقوا عليها اسم “المناطق الزرقاء”، ودرسوا على مدى سنوات الصفات التي تميز هذه المجتمعات وعاداتها الغذائية والتي أكسبتها هذا السر الغريب.
وظهر مصطلح “المناطق الزرقاء” لأول مرة عند دراسة نفذها العالم الإيطالي جياني بيس والديمغرافي البلجيكي ميشيل بولين، حيث درسا معدلات الوفيات في المجتمعات حول العالم.
وحدد العالمان مناطق يعيش سكانها عمرا طويلا، وميزوها باللون الأزرق، في فترة العقد الأول من القرن 21، ولاحظا أن المعمرين يعيشون بسعادة دون معاناة من الأمراض، في دارسة نفذوها بالمشاركة مع الصحفي دان بوتنير.
وحدد الفريق العلمي 5 أماكن على الأرض يعيش فيها السكان مابين 90 إلى 100 عام، وهي اليونان وأرخبيل إيطاليا، وجزر اليابان، وكوستاريكا، وسكان كاليفورنيا، بحسب صحيفة “بي بي سي.
وحدد الباحثون منطقة في العالم يعمر سكانها أكثر من أي مكان آخر في العالم، وبحسب معهد المحيط الهادئ للأبحاث الصحية في هاواي سجلت مقاطعة جزيرة أوكيناوا اليابانية اعلى نسبة للأشخاص المعمرين في العالم.
سر العمر الطويل
درس الباحثون على مدى سنوات العادات والتقاليد التي يتبعها سكان هذه المناطق ولاحظوا وجود بعض أوجه الشبه في الأنظمة الغذائية المتبعة في هذه المناطق والتي يغلب عليها الوجبات الغنية بالخضروات والبقوليات والحبوب الكاملة والمكسرات، بالإضافة إلى بعض الأسرار التي تميزت بها هذه المجتمعات وهي:
التوقف عن تناول الطعام عند امتلاء 80% من المعدة
أظهرت الدراسات الطويلة المدى على الحيوانات التي أجرتها العالمة روزالين أندرسون، التي تبحث في عملية التمثيل الغذائي والشيخوخة في جامعة ويسكونسن، أن قرود المكاك التي تتبع نظامًا غذائيًا “مقيدًا من السعرات الحرارية” سجلت بشكل ملحوظ انخفاضا بنسبة الأمراض المرتبطة بالعمر مثل السرطان والسكري وأمراض القلب، حتى أنهم يبدون أصغر سنا.
وفي جزيرة أوكيناوا اليابانية، يتبع المسنون القاعدة القديمة، وهي “التوقف عن تناول الطعام قبل الشبع، حيث تمتلئ المعدة بنسبة 80٪ فقط لديهم.
واعتبر بعض العلماء أن الجسم يعاني عند انخفاض استهلاك السعرات الحرارية باعتباره إجهادًا خفيفًا للغاية، مما يحول إشاراته للتركيز على صيانة الخلايا بدلا من بناء أنسجة جديدة وهو ما يقلل من الشيخوخة.
الاتصال الروحي والعادات الاجتماعية
بالإضافة إلى العادات الغذائية المشتركة بين هذه المناطق، أشار الفريق إلى وجود سلسة من العادات الاجتماعية والروحية المميزة المتواجدة في هذه المناطق.
حيث يميل الأشخاص في المناطق الزرقاء إلى العيش في مجتمعات متكاملة للغاية، وأسر منسجمة، مع تعزيز شعور الروابط الاجتماعية في تلك المناطق ووجود صداقات حقيقية.
واعتبر الباحثون أن وجود هذه الصداقات والروابط تشجع على زيادة النشاط العقلي والبدني بشكل عام، وفي إحدى الدراسات وجدت عالمة نفس في جامعة “بريغهام يونغ” في بروفو بيوتا، جوليان هولت لونستاد، أن جودة علاقاتنا مهمة لصحتنا مثل التمارين أو النظام الغذائي.
وأشار الباحثون إلى أن الديانات تعد مصدرًا مهمًا للتواصل الاجتماعي في المناطق الزرقاء، وغلب عليهم المتدينون والمثقفون والروحانيون.
المشروبات الساخنة
من الملاحظات التي سجلها الخبراء في المناطق الزرقاء، عادات المشروبات الساخنة المنتشرة في هذه المجتمعات، حيث لاحظ الباحثون أن سكان جزيرة إيكاريا اليونانية، لديهم عادة شرب بضعة أكواب من الشاي والقهوة يوميًا، ويبدو أن هذا يرتبط بانخفاض نسبة أمراض القلب والأوعية الدموية في المنطقة.
وقد يكون هذا بسبب أن هذه المشروبات تحتوي على العديد من المغذيات الدقيقة، مثل المغنيسيوم والبوتاسيوم والنياسين وفيتامين “أي”، والتي تعمل كمضادات للأكسدة.
ويُعتقد أن القهوة اليونانية جيدة بشكل خاص للجسم لأنها تطلق مادة البوليفينول، المعروفة باسم أحماض الكلوروجينيك، والتي تقلل الالتهابات في جميع أنحاء الجسم.
وبحسب الباحثة كريستينا كريسوهو من جامعة أثينا اليونانية، ومؤلفة دراسة حول أمراض القلب والأوعية الدموية في جزيرة إيكاريا، فإن هذه المشروبات “إنها تعزز عملية التمثيل الغذائي المفيدة للجلوكوز”.
الأطعمة المرة والحلوة
وعند تتبع الأنظمة الغذائية في هذه المناطق لاحظ الباحثون أن هذه المناطق تشترك بأكل البطاطا الحلوة والبطيخ أو الخيار المر، وتعتبر البطاطا الحلوة الطعام الأكثر شيوعًا في جزيرة أوكيناوا اليابانية منذ أن تم تقديمها لأول مرة في القرن السابع عشر.
ونوه الباحثون إلى أن البطاطس الحلوة تطلق السكر ببطء في الدم، بعكس باقي الأطعمة، كما أنها غنية بالعناصر الغذائية مثل الفيتامينات (A و C و E) بالإضافة إلى مضادات الأكسدة والتي تقلل مخاطر الالتهابات في الجسد. ويساعد محتوى البوتاسيوم الحلو في البطاطس على تقليل ضغط الدم.
البطيخ المر أو أنواع الخيار المر، لاحظ الباحثون استخدامه في مجموعة متنوعة من الأطباق، مثل السلطات ومشروبات العصير. وتحتوي هذه الأطعمة على مركبات قد تثبت امتصاص الجلوكوز والتمثيل الغذائي، مما يقلل من خطر مقاومة الأنسولين ومرض السكري من النوع الثاني.
الطبيعة المحيطة
أشار الباحثون إلى أن الطبيعة الخلابة المحيطة بهذه المناطق الخمسة من الممكن أن تكون عاملا مساعدا في إطالة العمر، وإعطاء المزيد من الراحة النفسية، أن أدت إلى زيادة نشاطهم البدني بسبب وجود الجبال والهضاب والبحر، واعتبر كل من بيز وبولين أن المنحدرات الحادة زادت من النشاط البدني لحياتهم اليومية الصعبة بالفعل.
المصدر: سبوتنيك