تستمر منذ عدة أشهر الازمة المالية والاقتصادية في لبنان ما يزيد من المعاناة الحياتية والمعيشية اليومية للمواطن اللبناني، وتلعب المصارف الدور الكبير في زيادة الأعباء على الناس خاصة عبر حجزها الودائع المالية لا سيما منها بالدولار الاميركي ما يمنع الناس من الاستفادة من اموالهم باعتباره حقا مكتسبا، كما يؤدي ذلك الى خلق حالة من عدم الاستقرار في الاسواق تنعكس بشكل واضح عبر ارتفاع مستمر في الأسعار.
والمصارف استغلت بشكل كبير ما جرى في لبنان من حراك وتظاهرات وقطع طرقات في خريف العام 2019 وعملت على وضع قيود لا قانونية على حرية الانسان في سحب أمواله والتصرف بها، وكانت المصارف وما تزال تختلق كل يوم المزيد من الحجج والذرائع التي ما أنزل الله بها من سلطان بهدف حجز أموال الناس وتكديس الدولارات الاميركية لديها بدون وجه حق، لعله للتغطية على شيء ما غير معلوم بشكل أكيد حتى الساعة بينها وبين مصرف لبنان وجهات معينة من أهل السياسة، لكن الواضح ان هذا التفاهم العميق بين هذه الاطراف يؤكد انهم شركاء في سرقة أموال الناس واستغلال معاناتهم في عز الأزمات التي يعاني منها البلد.
وبالسياق، لا تتوقف هذه المصارف اليوم عن ابتزار وإذلال الشعب اللبناني في خضم ما يعيشه من أزمة وخوف من تفشي وباء كورونا، فعلى الرغم من توقف الكثير من الأعمال والوظائف وعدم قدرة العديد من الأفراد على قبض رواتبهم كاملة او تحصيل قوت يومهم، تمتنع المصارف عن تسليم الودائع بالدولار الاميركي او اي جزء منها للمواطنين ولو بحدود الـ100 دولار، وذلك بحجج مختلفة ليس آخرها ان مطار بيروت الدولي مغلق بسبب كورونا ولا تستطيع إدخال كميات من الدولار عبره الى الداخل اللبناني، حسب زعمها، مع العلم ان هناك ودائع يفترض انها موجودة لدى المصارف وهي تضعها في مكان ما، وبالتالي يجب عليها تأمينها للناس لا سيما في مثل هذه الظروف الدقيقة والصعبة التي نعيش فيها، اللهم إلا اذا كانت هذه الاموال غير موجودة أصلا وقد صرفت بشكل او بآخر وبطريقة ما ولم تعلن المصارف عن ذلك بتواطؤ من بعض السياسيين وبعلم من مصرف لبنان.
والمصارف التي تحجز الدولار ولا تعطيه للناس، تضغط عبر موظفيها على من يراجعها من المودعين من خلال الطلب إليهم والعرض عليهم بأن يسحبوا أموالهم بالليرة اللبنانية باعتبار ان ذلك أسهل وأسرع ويؤمن لهم سيولة في جيوبهم، وهذا ما يؤكد لا أخلاقية المصارف ولا إنسانيتها، لأنها تريد استغلال ضغط الحياة وغلاء الأسعار الذي يزداد نتيجة ما نعيشه من أزمة كورونا وقبلها الازمة الاقتصادية وممارسات المصارف نفسها، لإجبار الناس على سحب ودائعهم بالليرة اللبنانية بدل الدولار مع اعتماد سعر الصرف الرسمي أي ما يقارب الـ1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، بينما في السوق السوداء ولدى كثير من الصرافين بات سعر الدولار يلامس الـ3000 ليرة لبنانية، فالمصارف تراهن على الاوضاع الراهنة وعلى حاجة الناس للمال كي تشتري الغذاء والماء والدواء والاحتياجات الضرورية للعائلات، لتدفعهم للحصول على اموالهم بالليرة اللبنانية والتخلي بذلك عن حقهم بودائعهم كما هي والرضوخ لطمع وجشع القيادات المصرفية واصحاب البنوك ومن خلفهم من سياسيين.
بالتأكيد ان هذه الممارسات التي تقوم بها المصارف لا تقف عند حد ونراها تتوسع يوما بعد يوم، وكان آخرها ما حصل من أخذ ورد بخصوص الطلاب في الخارج وتحويلات المغتربين وغيرها، بدون ان نرى او نسمع أي تحرك فعلي من قبل الحكومة اللبنانية او اي من الاطراف السياسية الذين لهم “موّنة” على أصحاب المصارف من التابعين لهم او الأزلام، للدفع باتجاه إعطاء الناس حقوقهم واموالهم، ما يؤكد المؤكد ان هناك علاقة خفية وعميقة بين المصارف والعديد من الجهات السياسية التي حكمت منذ سنوات طويلة.
ومن هنا نوجه دعوة لكل سياسي بأن يرفع الصوت وان يبادر بالضغط الحقيقي وبالطلب من أي مصرف يرتبط به بشكل او بآخر، بأن يفرج عن أموال المودعين لديه بما سيشكل ذلك من رفع للغطاء عن بقية المصارف الحاجزة لأموال الناس ومن خلفها للسياسيين الذين يغطونها، فقيام بعض البنوك(ولو كان مصرفا واحدا) بالافراج عن أموال الناس سيشكل عامل ضغط كبير على بقية المصارف وسيكشف من الذي يتلاعب بحقوق وأموال اللبنانيين ومن الذي يبتزهم ويسرق قوت عيالهم وجنى عمرهم، حتى في أصعب الأوقات.
وحول هذا الامر نذكّر بكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في إطلالته التلفزيونية يوم السبت 28-3-2020 حيث قال إن “المصارف قادرة على حل مشكلة صغار المودعين بما لديها من أموال في لبنان والخارج وهذا الملف أصبح ضرورة إنسانية وأخلاقية أيضا”، وسأل “كيف يمكن أن نستثير إنسانية أصحاب المصارف؟”، وأضاف “عندنا مصارف عندها مليارات الدولارات، أرباح، ومن أموال الشعب اللبناني، ولا أريد أن أقول كيف أخذوها لا أريد أن أفتح هذا الملف الآن، يمكن أن نضطر أن نفتحه لاحقا…”، وأكد ان “هذا الموضوع لم يعد يمكن السكوت عليه..”.
وبالسياق، وفي ظل الازمة الاقتصادية وازمة كورونا يجب دعوة كل التجار في لبنان الى عدم اتباع سياسة أهل المصارف الاستغلالية وأخلاقهم الأنانية، وبالتالي على التجار عدم استغلال الاوضاع الراهنة لزيادة الضغط على الناس عبر احتكار بعض السلع ورفع الأسعار، وحول هذا الامر قال السيد نصر الله “أدعو التجار الشرفاء الذين عندهم إحساس بالإنسانية تجاه الآخرين أن يتدخلوا ويُنزلوا بضاعتهم على السوق ويخففوا من أرباحهم ليكسروا هذا الجشع لبعض التجار ولبعض الباعة يكسروا الاحتكار ويكسروا ارتفاع الأسعار..”، وأكد “هذه أيضا مهمة إنسانية وأخلاقية ودينية ووطنية كبرى يستطيع التجار والباعة أن يشتغلوا عليها”.
المصدر: موقع المنار