تشكلت الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة حسان دياب في وقت ليس بطويل نسبة لما كانت تأخذه الحكومات السابقة من وقت لتأليفها لا سيما الحكومات التي تشكلت في السنوات الاخيرة، ومع ذلك وقبل ولادة الحكومة الحالية وجدنا من أخذ يصوّب على ما اعتبره إطالة التحضيرات للولادة الميمونة وتارة اخرى على مكونات الحكومة واسماء الوزراء.
ومن المعروف ان من يشاركون بالحكومة ليسوا من حزب او تيار واحد وانما هم اطراف سياسية متعددة وقد يحصل نقاشات قبل التأليف، ولكن هم تجمعهم غاية واحدة هي إخراج لبنان من الازمة التي يمر بها جراء اقتراب الاوضاع المالية والاقتصادية من الانهيار نتيجة كل السياسات التي طبقت منذ ما يقارب الـ30 سنة وحتى اليوم في مختلف القطاعات.
واللافت ان العديد من الجهات التي صوبت قبل التأليف وما زالت تطلق سهامها على الحكومة الوليدة، هم ممن ساهم بتخريب الاوضاع اللبنانية ولا يزالون سواء عبر تسلمهم مقاليد الحكم لسنوات او عبر المناصب التي يتحكمون بها بواسطة مجموعة من الاتباع او عبر موظفين موزعين في هذا المركز او ذاك، وبالتالي لا يحق لمن جعل لبنان يعاني طوال سنوات ان يبادر لعرقلة عمل الحكومة الجديدة بدون أسباب حقيقية او واضحة، خاصة ان نفس الفريق الذي ينوي عرقلة عمل الحكومة ويصوب بهذا الاتجاه هو من رفض المشاركة بحجج واهية وبنية ركوب موجة الحراك الذي انتفض اولا على السياسات المتبعة منذ سنوات واوصلت البلاد الى ما هي عليه اليوم.
والواضح ان خارطة قطع الطرقات التي تنتشر في العديد من المناطق تظهر ان كثيرين ممن يقطع الطرق هم من المؤيدين لمن رفض الاستمرار في تحمل المسؤولية وتنفيذ الورقة الاصلاحية بل اداء حكومة تصريف الاعمال لدورها الكامل، اضافة الى اطراف اخرى ترفض اعطاء الحكومة فرصة لاثبات عملها في مجال مكافحة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة ناهيك عن وضع الخطط الاساسية لاعادة النهوض بالقطاعات المختلفة التي دمرتها السياسات الاقتصادية المتبعة منذ تسعينات القرن الماضي وحتى الامس القريب.
ولكن هل لبنان يحتمل المزيد من إضاعة الوقت؟ وهل الوطن يتحمل ترف المناكفات السياسية والإضرار بمصالح الناس والدولة عبر قطع الطرقات وافتعال المشاكل مع القوى الامنية والاعتداء على الاملاك العامة والخاصة وتخريب الساحات والمرافق المختلفة؟ وهل من يريد فعلا إنقاذ الوطن من الازمة، ينتهج ما يقوم به البعض من التعطيل والعرقلة التي بدأت في السياسة والاعلام وبدأنا نراها شيئا فشيئا تتحول الى قطع الطرق وانتهاك حرمة القانون مرورا بالتلاعب بسعر الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي ومنه الى تخويف الناس من غياب بعض السلع الاساسية والخدماتية الضرورية في الحياة اليومية؟
الأكيد ان لبنان في أزمة ليست عادية بل هناك شبه إجماع إنها أزمة غير مسبوقة في تاريخ البلاد، لذلك فالمنطق والعقل والمسؤولية الوطنية تحتم على الجميع تحمل المسؤوليات، فمن اختار عدم التصدي للعمل ومواجهة الازمة الافضل ان لا يعرقل ويضع العوائق امام الاطراف التي تحملت المسؤولية ووضعت رصيدها الوظيفي والعملي في رهان الازمة والقدرة على إنقاذ الوطن من الاوضاع الصعبة، وفي هذا السياق جاء كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال في “لقاء الاربعاء” النيابي “كلنا معنيون في الاستفادة من فرصة حكومة الانقاذ بعيدا عن تصفية الحسابات لتحقيق الاستقرار عبر برنامج من الاصلاحات “.
من هنا يجب التضامن والتكاتف لدعم عمل الحكومة العتيدة ومن لديه بعض الملاحظات وضعها في أطرها القانونية والسياسية وعدم محاولة هدم الهيكل على رأس الجميع تنفيذا لرغبة سياسية او لتنفيس احتقان او انتقام من هذا الطرف او ذاك، وبالتالي على الجميع الإدراك والاعتراف ان المرحلة ليست بالمرحلة السهلة والطبيعية إنما هي مرحلة غاية في الصعوبة وهي استثنائية بامتياز وتحتاج الى نيات صافية للاستفادة من كل الخبرات والقدرات التي تملك شيئا مهما منها هذه الحكومة عبر رئيسها واعضائها، والانطلاق للعمل الجدي في مختلف الجوانب والتي ينتظرها المواطن اللبناني بفارغ الصبر.
وحول هذه الامور قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مستهل الجلسة الاولى للحكومة الجديدة مخاطبا الوزراء “مهمتكم دقيقة وعليكم اكتساب ثقة اللبنانيين والعمل على تحقيق الاهداف التي يتطلعون اليها سواء بالنسبة الى المطالب الحياتية التي تحتاج الى تحقيق أو الأوضاع الاقتصادية التي تردت نتيجة تراكمها على مدى سنوات طويلة”، ودعا إلى “ضرورة العمل على معالجة الأوضاع الاقتصادية واستعادة ثقة المجتمع الدولي بالمؤسسات اللبنانية والعمل على طمأنة اللبنانيين الى مستقبلهم”.
وبالنسبة لمدى خطورة المرحلة يكفي الاستماع لما قاله وزير المالية في الحكومة الجدية غازي وزني حيث قال إن “ما تشهده البلاد ازمة مصرفية ومالية ونقدية واقتصادية لم يشهدها لبنان منذ ولادته”، وحذر من انه “إذا استمرينا في هذه الأزمة سنصل إلى الإفلاس، ويجب على الحكومة ان تهيئ خطة أو برنامجا إنقاذيا شاملا”.
لكل ما سبق ذكره يجب إعطاء الحكومة الفرصة اللازمة والضرورية وتركها تعمل كل ما تستطيع خلال فترة زمنية معقولة نسبيا ومن ثم تقييم عملها والحكم على أدائها، وهذا أفضل بكل المعايير من اعتماد البعض أسلوب التعطيل وزعزعة الاستقرار وقطع الطرق في محاولة منه لتسجيل اعتراض او موقف قد يضر بدل ان ينفع في مثل هذه الظروف.
المصدر: موقع المنار