لن نتناول هزالة التمثيل للدُوَل المُشاركة في مؤتمر وارسو، لأن الترويج الديبلوماسي والإعلامي لهذا المؤتمر قبل أشهر من عقدِه، بدأً على أنه يهدِف الى إقامة تحالف دولي ضدّ إيران، ثم بدأت التنازلات الأميركية لإغراء المدعوين، ليُصبح العنوان عناوين، نختصرها بمسألة “بحث مسألة الإستقرار في الشرق الأوسط”، لكن المضمون لم يتغيَّر، فكانت المواقف السلبية من المؤتمر، سواء من روسيا أوألمانيا أوفرنسا، ووزير الخارجية البريطاني غادر المؤتمر مبكراً، ومسؤولة السياسة الخارجية في الإتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني اعتذرت عن الحضور متذرِّعة بإرتباطات أخرى، ولعل غياب موغريني المُتمسِّكة بالإتفاق النووي مع إيران كان الرسالة الأقوى لهكذا مؤتمر ولـ”أميركا ترامب” بشكلٍ خاص.
أوروبياً، نتائج هذا المؤتمر محسومة، كما كل مؤتمر قد تدعو اليه أميركا مستقبلاً، لأنه سبق للمسشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن أعطت رأيها بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، منذ حاول ابتزاز ألمانيا كأكبر مموِّل لحلف الناتو ودعوته لها الى المساهمة بالمزيد، ثم بعد انسحابه من الملف النووي الإيراني، فكان أن حسمت ميركل الأمر لمصلحة بلادها، بالتنسيق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أيار/ مايو من العام 2018، بهدف حماية الإتحاد الأوروبي ومصالحه مع إيران، الى أن صدرت منذ أسابيع الآلية المالية الأوروبية للتبادل التجاري والإستثماري مع إيران في مواجهة العقوبات الأميركية.
عربياً، ولأن الغاية المُتداولة في أروقة المؤتمر، هي حصراً محاولة لتشكيل لوبي دولي إقليمي لمواجهة إيران بعد فشل العقوبات الأميركية عليها، اعتبر محللون، أنه منعاً لإحراج الدول العربية المُشاركة فيه كتفاً على كتف مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو،عدَّلت واشنطن من مسمى المؤتمر بمُسمَّى آخر” السلام والأمن في أرجاء الشرق الأوسط”، في مسعى يبدو مكشوفا لتبرير الحضور العربي المُهِين.
ومهما بلغ عدد الدُول المشاركة في المؤتمر، التي أعلنت وزارة الخارجية البولندية أنها نحو 60 دولة، من بينها، السعودية، البحرين، اليمن، الأردن، الكويت، المغرب، عُمان، الإمارات، مصر وتونس، فقد خصّ نائب الرئيس الأميركي “مايك بنس” العرب بكلمة افتتاحية وأعلن عن بدء حقبة جديدة من العلاقات بين قادة “إسرائيل” والبحرين والسعودية والإمارات، وقال: “نحن الآن شهود على بدء عهد جديد بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من “دولة إسرائيل”، وقادة البحرين والسعودية والإمارات، جميعهم يتقاسمون الخبز”.
وبعد تقاسم الخبز، خلال جلوس نتانياهو الى جانب “اليمني” اللاجىء في الرياض، و”البحريني” المُرتهَن للرياض، إضافة الى لقاءات أخرى سواء مُعلنة أو بعيدة عن الإعلام لعرب أميركا مع رئيس وزراء العدو، يخرج مؤتمر وارسو بتمنيات أميركية أعلنها كلٌ من “مايك بنس” ووزير خارجيته “مايك بومبيو”: دعا “بنس” الدول الأوروبية للإنسحاب من الإتفاق النووي مع إيران، لأنها الراعية الأولى للإرهاب في العالم”، وتوعَّد بعقوبات جديدة عليها، فيما ذهب “بومبيو” الى الإعلان بتفاؤلٍ غبي، عن “عهدٍ جديد من التعاون في الشرق الأوسط، وتطوير خطة لوقف تمدُّد إيران في المنطقة، ووقف عدوان روحاني وسليماني”.
وفي المحصِّلة الواقعية، لا انسحاب أوروبي من الإتفاق النووي، ولا استعداد لدى حلف الناتو أن يتورَّط بمغامرات خاضعة لمزاجية ترامب، لأن أقوى دولتين، ألمانيا وفرنسا، حَسَمتا موقفهما بأن الناتو حلف دفاعي عن أوروبا وليس لديهما النيَّة لجعله حلفاً هجومياً على إيران حيث مصالحهما المشتركة معها، وبريطانيا التي تُعاني من أزمة الخروج من الإتحاد الأوروبي، تسعى للبحث عن أسواق تجارية واستثمارية جديدة لها وربما تكون طهران أحد هذه الأسواق، ولا يبقى في الميدان سوى “العربان”، وكما فشِل تشكيل “ناتو إسلامي” بوجه إيران، وسقطت فكرة تشكيل “ناتو عربي” أيضاً لمواجهة إيران، سيسقط كل رهانهم على “وارسو” ويخرجون منه بلُقمَة خبزٍ مُغمَّسة بالدمّ والعار والعمالة تقاسموها مع نتانياهو ولن تُطعِمهم خبزاً في مواجهة أمبراطورية إقليمية بحجم إيران …
المصدر: موقع المنار