قبل أن يتوافق الأقطاب اللبنانيون على توزيع الحقائب السيادية، من الأفضل لهم تحديد مفهوم السيادة، لأن الغريب في الثقافة السياسية أن نُعمِّم نعمة السيادة على أربع وزارات حصراً، (المالية والداخلية والدفاع والخارجية)، ثم تلي هذه الوزارات، حقيبة وزارة الأشغال التي يتقاتل البعض من أجلها، وسقط مفهوم الوزارة السيادية لأنها باتت مُرادفاً للسيطرة السياسية على العباد وغير مرتبطة بالسيادة على البلاد، علماً بأن مفهوم السيادة الداخلية في إدارة شؤون المجتمع اللبناني هو في المقام الأول لوزراة التخطيط – متى استُحدِثت – ومفهوم السيادة الخارجية هو حتماً لوزارة الخارجية.
سيادية وزارة المال تأتي من دورها الإشرافي والرقابي على موازنات كافة الوزارات، لكنها تكتسب هالة سيادتيها من إعداد الموازنات في وقتها، والإبتعاد عن مهزلة الصرف على القاعدة الإثني عشرية التي اعتمدتها حكومات سابقة، وسياديتها هي في ضبط الإنفاق ومنع الهدر عبر تفعيل الأجهزة الرقابية على عمل الوزارات الأخرى، علماً بأن المفهوم السيادي لإدارة التنمية المُستدامة هو بداية يجب أن يكون لوزارة التخطيط التي تستحق صفة السيادة الداخلية بامتياز، وإذا لم نعترف بسيادية هذه الوزارة قبل سواها في تحقيقها للإنماء المتوازن والعادل، نبقى في تخبُّط الخلط بين شمولية مهامها، وخصوصية وزارة جاذبة كوزارة الأشغال، التي باتت رمز السيطرة المناطقية لمن ينال شرف الحصول عليها، بحيث تنمو منطقة دون أخرى ويبقى ثمن المواطن اللبناني “فلشة زفت”.
وسيادية وزارة الداخلية، ليست فقط في مسؤولية الأمن الداخلي، بقدر ما يجب أن تكون في تعامل القوى الأمنية مع المواطن، بعيداً عن الفوقية التي تفرضها “البذلة العسكرية”.
وسيادية وزارة الدفاع هي في شرف إدارة ومواكبة السياسة الدفاعية، لكن قيادة القوات المسلحة التي يتولاها فخامة رئيس الجمهورية، وسلطة مجلس الوزراء مُجتمعاً على قيادة الجيش، أعطت هذه المؤسسة الوطنية بعدها الوطني الشامل، بصرف النظر عن الغوص في موضوع الإسترتيحية الدفاعية التي نختلف عليها، لأننا للأسف، بتنا نستخدم هذه التسمية للمُماحكة السياسية الضيقة، تماماً كما نختلف مع البعض في عدم إقرارهم بواجب وجود المعادلة الذهبية للجيش والشعب والمقاومة، هذه المعادلة التي نعتبرها ونحن في أسبوع ذكرى نصر تموز 2006، أنها واجبة الوجود لضمان السيادة على أرض الوطن.
ومن مفهومنا الوطني لواجب وجود هذه المُعادلة السيادية، ندخل الى سيادية وزارة الخارجية، لأنها المنبر السياسي والديبلوماسي والإعلامي لنشر ثقافة سيادتنا ومنهجية صونها والإستبسال في الدفاع عنها، ومع تقديرنا لأي وزير يتولى حقيبة الخارجية، يجب دائماً أن يكون نهجه صياغة العلاقات الدولية الندِّية ضمن معايير السيادة اللبنانية المبنية على المعادلة الثلاثية، ولا بُدَّ هنا من تسجيل الأسف، على مَن يمدُّون اليد لمن يعتبرون مقاومتنا العظيمة تنظيماً إرهابياً، في الوقت الذي يُقرِّرون فيه بالنيابة عن الشعب اللبناني عدم تطبيع العلاقة مع الدولة العربية الوحيدة التي نتجاور معها برِّياً ونتشارك معها الحياة والمصير، ونطمئن البعض، أن العلاقة مع سوريا قائمة وطبيعية حالياً وفق القوانين الناظمة للعلاقات الدولية: السفارتان في البلدين تعملان، والحدود مفتوحة وآمنة، والإتفاقات الثنائية سارية المفعول، والتبادل التجاري حاصل، والإحترام المُتبادل في أفضل ظروفه، وليت البعض يعتمد الرويَّة في إطلاق التصاريح التي لا تُقدِّم ولا تؤخِّر، مع تذكير أي فريق عينُه على الخارجية، أخذ العلم، أنه لن يكسب هذه الحقيبة إلا إذا كانت لديه ثقافة سيادية لبنانية عنوانها معادلة الجيش والشعب والمقاومة، والله وليّ التوفيق…
المصدر: موقع المنار