شاء البعض تسمية كلام الزٌور أنه إتهام سياسي، وشرَّع أهل السياسة في لبنان هذا المنطق، الذي انسحب على الشاشات والإذاعات والصحف والمواقع الإخبارية، الى أن استوطن على صفحات التواصل الإجتماعي، وبات “رمي الحرام” على الآخر من صُلب الحياة اليومية في الأداء، وانعكست الأحقاد على كل مفاصل هذه الحياة إقتصادياً واجتماعياً، والكلّ يرنو الى تحقيق “النصر”، وما لمسنا لغاية الآن أن أحداً حققه على أرض الواقع سوى في خلق أجواء مسمومة لم تعُد تُحتمل!
من حادثة كفتون الى زيارة ماكرون، كل المدوِّنين على مواقع التواصل يستبقون الأمور ويتسابقون ويَسبِقون القضاء ومؤسسات الدولة في إصدار الأحكام وتقييم المسارات، ولا شيء يردع المُضلِّلِين بوجود المُضلَّلين في شارع التلقِّي عن بُعد، وما على المواطن اللبناني سوى أن يحتمل هذا الكمّ من الكراهية المُتبادلة، مع ما يرافقها من أكاذيب وتلفيقات وتحليلات أقلّ ما يُقال فيها أنها حرام الحرام.
نتغنَّى في لبنان بحرية الإعلام، ومن غير المسموح مساءلة إعلامي حتى ولو كان أشدّ خطراً على السلم الإجتماعي من حامل القنبلة الإنشطارية، وهذا النوع من الإعلاميين يُداهمنا في عُقر الدار لينقل لنا الشارع الى بيوتنا بكل موبقاته، وتجارة الذمم تُمعِن في مطاردتنا وانتهاك حرمة مسامعنا والضمائر!
حريَّة الإعلام في لبنان سقطت صريعةً بأقلامٍ كما الخناجر التي تطعن الخاصرة وتنحر الصدر، والمسؤولية باتت أخلاقية أكثر منها وطنية، وبتنا نحتاج الإعلام الموجَّه ليس على قاعدة الإعلام الرسمي، بل على قاعدة حماية الوحدة الوطنية من مراسم الدفن.
وعجباً من شعبٍ يمتلك ثقافة جيدة، يتراجع الفكر السياسي لديه من مستوى الميدان الوطني الى الزواريب الفئوية المُظلمة القبيحة، وبلغنا مرحلة حافة الهاوية، وبات كل لبناني مسؤولاً عن حماية ثقافته من المُلوِّثات، لأن المحطات والمواقع الإخبارية انتهت مراحل اختبارها، وبات التوجيه السياسي والوطني الجامع صاحب الفضل في تزكيتها ليس لأعلى درجات المصداقية والواقعية فحسب، بل في مادة الأدبيات الوطنية التي لا غبار عليها في مواجهة محطات ومواقع الفتنة.
هي الفرصة الأخيرة أمام اللبنانيين للتخلِّي عن شعارات المواطَنَة بالقول بلا فعل، والبداية هي حتماً بمنع كل وسائل الإعلام بما فيها وسائل التواصل من اختطافهم الى حيث لا وطن، والثقة موجودة بالمستوى الفكري لهذا الشعب، عساه يستفيق من الغيبوبة، ويُحطِّم سلاسل شاء صبيان السفارات من أهل السياسة والإعلام وأبواق مواقع التواصل الإجتماعي تطويق عنقه بها، كي يكون شاهد زور على بقاء ما تُسمَّى حرية إعلام وهي ليست أكثر من فلتان من كل الضوابط والقِيَم…
المصدر: موقع المنار