يمكن للعين البشرية تمييز ملايين الألوان بشكل طبيعي، إلا أن إدراك هذه الألوان يختلف من شخص لآخر بسبب الفروقات في التكوين البيولوجي بين البشر، حيث لا يستطيع البعض التمييز نهائيًا بين الألوان، بسبب خلل في الخلايا الحساسة للضوء “المخاريط”، ويكون هؤلاء مصابين بما يعرف بـ “عمى الألوان”، في حين يرى البقية اللون نفسه بطرق مختلفة، بسبب الاختلاف في توزع وكثافة هذه الخلايا.
ويعتبر تمييز الألوان تجربة ذاتية، لا تتعلق فقط بما هو موجود حقًا، بل بكيفية تفسير أدمغتنا للألوان لإنشاء شيء ذي معنى، أي أن الإدراك اللوني يحدث بشكل رئيسي داخل رؤوسنا.
ووفقًا لموقع “بي بي سي”، فإن ما سبق جعل عدة تجارب تعتمد على اختلاف التمييز اللوني، تلاقي ضجة على وسائل التواصل الاجتماعي، مثل صورة الفستان الذي يراه كل شخص بألوان مختلفة.
ونتعلم منذ ولادتنا تصنيف الأشكال والألوان والعواطف، ويتطور الأمر شيئًا فشيئًا باستخدام اللغة، التي تعد وسيلة مهمة للتعبير عما نراه، وهذا يعني أن كل لغة تتضمن كمًا هائلًا من المفردات لتصنيف التنوع اللوني الضخم إلى فئات ذات معنى، حيث يستخدم الرسامون وخبراء الموضة على سبيل المثال، مصطلحات دقيقة للإشارة إلى تدرجات لونية وظلال، يمكن للآخرين تحديدها كلها بكلمة واحدة.
ويختلف تصنيف الطيف اللوني في كل لغة بناء على الخلفية الثقافية والبيئية لكل شعب، حيث تحتوي لغة Dani المستخدمة في ليبيريا وغينيا الجديدة، على مصطلحين فقط تندرج تحتهما جميع الألوان، وهما “قاتم” و”مضيء”، إذ يصف متحدثو هذه اللغة جميع تدرجات اللون الأخضر، الأزرق والأسود بالألوان القاتمة، في حين يعبرون عن الألوان الأخرى الفاتحة كالأبيض والأصفر بمصطلح “الألوان المضيئة”.
ولا يمتلك شعب Warlpiri الذي يعيش في الإقليم الشمالي بأستراليا حتى كلمة “لون”، بل يعبرون عن الألوان بكلمات غنية أخرى تشير إلى البنية النسيجية، الإحساس الفيزيائي بالأشياء، والغرض من استخدامها.
وتحتوي أغلب لغات العالم على 5 مفردات تميز بين الألوان الأساسية، إلا أن هذا لا يمنع وجود استثناءات، إذ يوصف اللونان الأخضر والأزرق، بكلمة واحدة، في بعض اللغات، كلغة حضارة هيمبا في السهول الناميبية، ولغة حضارة برينمو في الغابات المطرية المورقة في غينيا الجديدة.
بالمقابل كانت بعض اللغات القديمة خالية من المفردات التي تعبر عن اللون الأخضر، وتحتوي مفردة واحدة لوصف اللون الأزرق، كاللغة الصينية واليابانية والويلزية، قبل أن تدخل مفردات جديدة طورت من اللغة نفسها (كما هو الحال في اللغة اليابانية)، أو استعيرت من لغات أخرى (كما هو الحال في اللغة الويلزية)، للتعبير عن هذا اللون.
وتحتوي بعض اللغات كالتركية والروسية واليونانية، مصطلحين للتعبير عن اللون الأزرق وحده، إذ يستخدم أحدهما للإشارة إلى درجاته الغامقة، ويستخدم الآخر للإشارة إلى درجاته الفاتحة، وهذا تأثر على ما يبدو بطريقة رؤية هذه الشعوب للألوان سابقًا، ويؤثر أيضًا على قدرة متحدثيها الأصليين على التمييز اللوني، أي أن من يعيش في دول لا تميز لغويًا بين الأخضر والأزرق، يصير أكثر عرضة مع الوقت لعدم التفريق بينهما، لأن دماغه يعتاد تفسير اللونين بالطريقة ذاتها.
ويشبه تعلم لغة جديدة إعطاء عقولنا القدرة على تفسير العالم بشكل مختلف، بما في ذلك كيفية إدراكنا للألوان، بسبب تأثير اللغات على وجهات نظرنا في مختلف مجالات الحياة، وهذا ما يدفع العلماء اليوم لتشجيع الشعوب على الانفتاح على الثقافات المختلفة، وتعلم ما يستطيعه المرء من اللغات خلال حياته القصيرة.
المصدر: العربي الجديد