“أنا المدعو نمر باقر أمين النمر، وأنا بكامل قواي العقلية المعتبرة شرعاً، أقرُ بأن جميع الخطب والبيانات التي صدرت مني كانت بمحض إرادتي، وأنني لستُ نادماً على ذلك”.
بهذه الكلمات رافع الشهيد الشيخ نمر باقر النمر عن نفسه… مرافعة الكرامة شكّلت إقراراً وخَتماً للنضال ضد سطوة القوة ومنطق الغلبة، الذي حكم بموجبه آل سعود. لتصادق عليها السلطة السعودية بحكم إعدام أُبرم بتنفيذه صبيحة الثاني من كانون الثاني 2016.
من بين 47 أُدينوا بجرائم إرهابية جُلها مرتبطة بتنظيم القاعدة، أتى إعدام الشيخ النمر وثلاثة من الشبان “بجرم” مشاركتهم في الحراك الشعبي الذي شهدته المنطقة الشرقية عام 2011. التظاهر لرفع واقع التهميش عن المنطقة شكّل سبباً كافياً بنظر السلطة، لإعدام كل من علي الربح ومحمد الصويمل ومحمد الشيوخ. أما الشيخ النمر فسلة الاتهامات كانت متنوعة، على رأسها الخروج عن “ولاية أمر”، قال الشيخ النمر إن من سطا عليها هم من قتل أبناء منطقته واعتقلهم، وصادر حرياتهم.
من على منبره وقف يوماً الشيخ النمر متحدثاً عن تغوّل وتوحش وزارة الداخلية في عهد نايف بن عبدالعزيز، وفي خطبته نفسها التي أتت بعد وفاة الأمير السعودي انتقد الشيخ النمر اسناد ولاية العهد لسلمان بن عبدالعزيز كخلف لأخيه نايف رافضاً منطق الوراثة المحصور بأبناء عبدالعزيز. هاجم النمر فساد السلطة، وأعلن تأييده للتظاهرات المطلبية في منطقته، وفي موقف لم يجرؤ عليه غيره، وقف النمر راجماً ديكتاتورية آل خليفة في البحرين وآل سعود في بلاده بكلمات هدارة، معلناً كل التأييد لتظاهرات شعب البحرين الذي كان يقتل بدم بارد في شوارع بلاده، والعالم أصم أبكم.
عامان مرا على الجريمة، ولايزال صوت الشيخ النمر صادحاً: “لا نؤيد آل سعود”، مع كل ليلة يتردد صوت المعدوم ظلماً: “لا سمع ولا طاعة لمن يسلب كرامتي”… ومع كل قرار لملك السطوة، يتجدد نداء النمر: “لا نؤيد آل سعود، ولماذا نؤيدهم؟ على قتل أبنائنا أم على اعتقال شبابنا أم على الظلم والجور الواقع من قبلهم علينا؟ فنحن لم ننتخبهم ولم نخترهم حكاماً علينا، ولم يجعلهم الله كذلك حتى نؤيدهم، وإنما حكمونا بحكم الغلبة”. على أسوار حي المسوّرة المهدم كانت تجثم صورة النمر أمام عيون القتلة، وكل قذيفة كانت تسقط في العوامية كانت تستهدف صوته الذي أعجز الموت.
أٌعدم النمر لانتقاده الفساد وسطوة الداخلية، وهي عناوين استعادها قاتل النمر نفسه في معركته مع خصوم الحكم. فكانت عناوين السطوة المدخل لتقليص نفوذ محمد بن نايف، وكانت مكافحة الفساد شماعة لاعتقال كل من يشكل منافساً أو عقبة على سكة وصول محمد بن سلمان -الملك الفعلي من خلف الكواليس- إلى العرش.
عامان مرّا على إعدام النمر، ولا يزال حضور الشيخ الشهيد يهزّ أركان بيت آل سعود. تسطّر مواقف النمر مسيرة نضال المهمّشين ضد سيف الغلبة، تذكر المناضلين أن هناك من فدى برأسه كرامة أمة، ويعود صوت النمر من مرافعته مجدداً:”الكرامة الإنسانية لا يحق لأحد أن يسلبها، ولا يجوز لأي إنسان أن يتنازل عنها لأنها من الحقوق التي لا يملك أحد التصرف بها. لا قيمة لحياة إلا بها”، ليعود ويقول: “أقر أنّ الدولة ليست أهم من كرامتي بل أن حياتي أيضاً ليست أهم من كرامتي”.
المصدر: موقع المنار