تشكيل لجنة لمكافحة الفساد في الليل، وقبل انبلاج الفجر يتمّ اعتقال العشرات من الأمراء والوزراء وكبار رجال الأعمال، ما يعني أن لوائح المطلوبين جاهزة، والإتهامات جاهزة، والإجراءات العقابية أيضاَ جاهزة لدى “لجنة سلمان وولده”، كما أسماها أحد المُعارضين السعوديين، ولم يُدافع هذا المُعارض عن الفاسدين، بل تساءل عن توفُّر عناصر المحاكمة وفق الأصول بغياب محاميّ الدفاع، وانتفاء وجود شفافية إعلام، كافة وسائله باتت بالكامل تحت سيطرة محمد بن سلمان.
المُفارقة هي في المُصادفة، أن محمد بن سلمان فتح ملف الفساد في ظل حُكم والده الذي يُعتبر ملك ملوك آل سعود في الفساد، وجزر المالديف هي مثال من عشرات الأمثلة، عندما استأجرها الملك سلمان بفنادقها ومنتجعاتها يوم كان ولياً للعهد عام 2014 بمبلغ 30 مليون دولار لقضاء أسبوع مع حاشيته، وأن أمراء العائلة المالكة السعودية من هواة السياحة الشاطئية، يحاولون شراء جزر مرجانية في المالديف بصفقات تُضاهي ثلاثة أضعاف إقتصاد هذه الدولة الفقيرة، لكن المعارضة المالدية رفضت، وهددت رئيس الدولة عبدالله يمين بتسيير مظاهرات بوجه الملك سلمان الذي كان ينوي قضاء إجازة في الجزر خلال مارس / آذار الماضي، وفعلاً أُلغيت الزيارة وبررت الحكومة إلغاءها بحجَّة أن الإنفلونزا منتشرة بين السكان وأنها حريصة على سلامة الضيوف.
إضافة الى ذلك، تداول الإعلام الغربي بذهول، حكاية أسطول من السيارات الفارهة التي شحنها الملك سلمان منذ فترة، في رحلة إستجمامه بالمغرب مع المئات من أفراد حاشيته، وعلَّقت إحدى وسائل الإعلام بالقول، أن رحلة واحدة في السنة للملك سلمان كافية لإطعام الصومال وإنماء السودان.
رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومركزها برلين، علي الدبيسي، تساءل في اتصال مع “هيئة الإذاعة البريطانية مساء الثلاثاء الماضي، كيف لهكذا لجنة، لو كانت نزيهة، محاكمة الملك سلمان على 63 عاماً أمضاها في عدة مناصب، خاصة القيادية منها، وماذا عن فضائح “وثائق بنما” التي تم تسريبها وتكشف فضائح عدد من القادة والسياسيين والزعماء الكبار في العالم والتي كان الملك سلمان من المتورِّطين بها لجهة التهرُّب الضريبي؟ وتساءل الدبيسي أيضاً، هل أن الفساد في المملكة يقتصر على الفساد المالي؟ وماذا عن باقي أنواع الفساد في غياب المعايير؟
إن فساد الوظائف والترقيات، الذي حدا بمحمد بن سلمان الى اعتقال وزير وظَّف إبنه براتبٍ عالٍ، يدفع الشعب السعودي الى مراجعة ملف ترقيات محمد بن سلمان، واستحداث منصب ولي ولي العهد من أجله، والإطاحة بمقرن بن عبد العزيز وبمحمد بن نايف لتمهيد الطريق لمحمد بن سلمان، الذي أنهى عصر الأجنحة بين الأخوة، وبدأ عهده بتكسير أجنحة الجميع.
فساد صرف المال لتمويل الإرهاب حتى الإفلاس، وبدء سحب موجودات الإحتياطي النقدي تزامناً مع انهيار أسعار النفط، واستمرار الصرف على تمويل “صناعة الموت”، لإنهاء وجود كيانات مستقلة ذات سيادة، ومحاولة ترسيم “الإسرائيليات” وتدمير اليمن بشراً وحجراً بحقدِ لا يمتلكه أحدٌ أكثر من محمد بن سلمان.
شراء العرش من دونالد ترامب، يوم سافر محمد بن سلمان كأول ضيف يهنىء ترامب، وكانت الدفعة الأولى 100 مليار دولار لموافقة الرئيس الأميركي على مبدأ زيارة السعودية، وقطف خلالها 450 مليار دولار من مملكة مُفلِسة، وهذا الإفلاس هو الدافع الرئيسي لحملة اعتقال الأمراء والوزراء والمدراء العامين مؤخراً، بحيث بلغت قيمة الأموال التي وضع بن سلمان يده عليها 800 مليار دولار، وبمُباركة شخصية من ترامب، الذي أوفد صهره الى الرياض قبل أسبوع من تشكيل لجنة مكافحة الفساد وبدء الإعتقالات.
وإذا كانت السلطات السعودية مُغتبطة، بتأييد شريحة الشباب السعودي لخطوات بن سلمان في “مكافحة الفساد”، فلأن المواطن السعودي لا خيار أمامه سوى التصفيق لخطوات “اولياء الأمر” من جهة، ومن جهة ثانية، فلأن الشباب السعودي الذي يُعاني البطالة، يعيش حقداً مكبوتاَ على أمراء من سلالة أمراء، بلغ عددهم 15 ألف أمير، من كبيرهم الى الصغير، يتقاضون جعالة من أموال النفط ويعيشون بذخاً لا يُصدَّق ويتباهون لا بل يتنافسون بامتلاك القصور في الداخل والخارج والطائرات الخاصة والسيارات المُذهَّبة وحياة الترف الماجن.
وإذ أكدت مصادر مطَّلعة، قيام السلطات السعودية بتجميد ارصدة ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف واعتقال أشخاص مقربين من أسرة ولي العهد الراحل الأمير سلطان بن عبد العزيز، وتوقعت المصادر وفق وكالة رويترز، وصول عدد المعتقلين في الحملة التي تستهدف الامراء والسياسيين ورجال الاعمال تحت عنوان مكافحة الفساد الى المئات، ووصول عدد الحسابات المصرفية المحلية المجمدة نتيجة للحملة التي يقودها ولي العهد السعودي يزيد عن 1700 حساب، وآخذٌ في الارتفاع، فإن هذه الخطوات الخطيرة تهدف الى إفلاس كل من تسوِّل له نفسه الوقوف بوجه بن سلمان في طريقه الى العرش.
السابقة الأخطر في كل ما يحصل، أن لا “هيئة البيعة” في السعودية باتت لها الكلمة بعد اليوم، ولا وجود لتوازن أجنحة الأخوة بعد أن وصل أول حفيد من الجيل الثالث الى العرش، وعزل بن نايف ووضعه في الإقامة الجبرية، وهو الذي كان أميركياً بدرجة ممتاز، يعني أن السعودية باتت بالكامل تبحث عن من هو أميركي أكثر، ومن هو عميلٌ أكثر، ليصدُر “أمر البيعة” من البيت الأبيض، وأول مواصفات أي ملك مستقبلي، أن يبطش بالآخرين كما يفعل بن سلمان، ليصِل مستقبلاً كل من يُشبه بن سلمان ويُضاهيه بطشاً، ويتفوَّق عليه في العمالة وبيع السعودية وخيراتها لأميركا ثمناً لعرش الإستبداد…
المصدر: موقع المنار