عدنان علامة
وصف قادة جيش العدو العسكريون والسياسيون الإنسحاب من لبنان عام 2000 بدون قيد أو شرط بالنكسة ، وعبروا عن ذل الهزيمة بقولهم:” لقد انسحبنا من جنوب لبنان وذيلنا بين ارجلنا”.
بالعودة الى عام 1982 حيث انطلقت اولی مواجهات المقاومة في مثلث خلدة اثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان، وبعد وصول قوات العدو إلی العاصمة بيروت نفذ مقاوم جريء عملية نوعية في مقهی الويمبي في شارع الحمرا حيث تقدم ببطء نحو ضباط العدو في المقهی واطلق النار علی الضباط الثلاثة وارداهم . وتوالت العمليات ضد قوات الإحتلال لكن الكثيرين في تلك المرحلة شجبوا هذه العمليات وقالوا بالفم الملآن : “العين لا تقاوم المخرز”. ولكن ذلك لم يثن عزيمة المجاهدين الذين نهلوا من نهج الإمام الخميني ( قدس سره ) الذي وصف الكيان الغاصب بالغدة السرطانية والتي يجب ازالتها من الوجود . واستمرت المقاومة بالرغم من كافة المؤامرات التي نسجت ضدها وقدمت العديد من الشهداء ليثمر ذلك نصرا للمجاهدين وهزيمة مذلة للعدو الصهيوني وعملائه.
إن الإنسحاب دون قيد او شرط وبدون تفاوض عبر الوسطاء هو سابقة وحالة نادرة جدا لم تحدث مع اي جيش محتل عبر التاريخ. اما الاسباب التي أدت الى فرض المقاومة الانسحاب المذل على العدو وبالتالي تحقيق الانتصار فتعود الى:
1_ أسباب غيبية ( تسديد وتوفيق الهي).
2_ أسباب مادية :
أ – تزايد خسائر العدو في الجنوب المحتل وعدم الشعور بالامن والأمان في لبنان نتيجة ازدياد عمليات المقاومة .
ب – الحرب النفسية التي برعت المقاومة في شنها جنبا إلی جنب مع البندقية علی عدة مستويات حيث استهدفت كافة شرائح مجتمع الكيان الغاصب . وكانت تضخ المعلومات وخاصة الأخبار التي تستهدف جنود الإحتلال مع التركيز علی الخسائر في الأرواح الی موقع ” الامهات الأربع” التي شكلت جهة ضاغطة يُعتد بها علی حكومة الكيان الغاصب .
إن موضوع التسديد الالهي والمدد الغيبي قد يعتبر موضوعا إشكاليا لدی البعض ولكنه كان أمرا يقينيا بالنسبة لكافة قادة ومجاهدي المقاومة الإسلامية وكانوا يمنون أنفسهم بالنصر دائما ولكن مسألة التوقيت كانت بمشيئة الله عز وجل وهو القائل :”
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) [محمد:7/8].
وأمَّا النصر فمنحة من الله تعالى: {وَكانَ حَقاً عَليْنا نَصْرُ المُؤمِنينَ} .
ومن هذا المنطلق الإيماني بالوعد الإلهي كان سماحة اﻷمين العام يقول في المواقف الصعبة والمصيرية :” كما كنت أعدكم بالنصر دائما أعدكم بالنصر مجددا ” .
ونذكر هنا عملية اعدام العميل عقل هاشم اذ اصيب بشظية واحدة في رإسه حين انحنی لجمع بعض الخشب من الارض فكانت هذه الشظية كافية لقتله.
في حادثة اخری ( نقلا عن وسائل الإعلام العبرية ) وبعد إحدی عمليات المقاومة الإسلامية في منطقة القطراني في البقاع الغربي كمنت دبابتا ميركافا وبقيتا حتی المساء وطلب طاقم الدبابتين بعض التموين من موقع قريب . وحيث كانت التعليمات تقضي بعدم سير الآليات غير المصفحة بطبقات مزدوجة القعر قرر طاقم الدبابة التأكد من الطريق فذهب بالميركافا وعاد الی الموقع . فاستنتج بان الطريق آمنة . فتم وضع التموين في ناقلة جند نوع M113 عادية غير مزدوحة القعر وزاد من عدد الجنود وسلكت نفس الطريق وقبل وصولها الی الدبابتين انفجر لغم مضاد للآليات اسفلها وفي وسطها تماما الأمر الذي أدی إلی مقتل كل من كان فيها . والجدير ذكره ونتيجة التحقيقات المكثفة حول كيفية حصول العملية افاد التحقيق بانه كان في الموقع ناقلة جند مصفحة القعر قيد الصيانة ولكن المسؤول نسي ان يدون بأنه اصلحها وأصبحت صالحة للإستعمال.
وفي العودة إلی الأسباب المادية فقد اعتبرت المقاومة الإسلامية العدو الصهيوني خطرا وجوديا ويجب إجتثاثه من الأراضي المحتلة في الجنوب اللبناني كمقدمة لإجتثاثه من فلسطين المحتلة . وبناء عليه أعدت المقاومة ما استطاعت من قوة لمقارعة الإحتلال وكان معدل العمليات حتی العام 1994 حوالي 45 عملية شهريا . وزادت الی معدل 70 عملية في العام 1995 مع تطور نوعي في العتاد المستعمل والمتنوع في كل عملية . ومنذ ذلك التاريخ ارتفع مؤشر العمليات بشكل مطرد لتلامس معدل 120 عملية شهريا حتی العام 1998 حيث بلغ حوالي 127 عملية شهريا واستمرت العمليات النوعية بالتصاعد وتجاوزت كافة الإجراءات المعقدة والمتطورة للحد من العمليات، وعلی سبيل المثال لا الحصر رادار أفراد ، اجهزة رصد حرارية وكمائن متقدمة … حتی الإنسحاب المذل عام 2000 .
ادركت المقاومة منذ انطلاقتها ضرورة ايجاد سلاح رادع لغطرسة العدو الصهيوني وبدأت بصواريخ الكاتيوشا التي يصل اقصی مداها 22 كلم وكانت تستهدف المستوطنات الحدودية . فعملت بصمت لتطوير قدراتها الصاروخية إلی أن أعلن سماحة الأمين العام في عدوان تموز 2006 عن المفاجآت حيث تم استهداف بارجة حربية وإصابتها ليلا وقد ذهل العدو بكيفية إصابة هدف بحري متحرك في ظلام دامس . وكانت المفاجأة الثانية إعلان سماحته عن :” حيفا وما بعد حيفا وما بعد بعد حيفا ” . وقد أكد سماحته مؤخرا بأن كل فلسطين أصبحت تحت مرمی صواريخ المقاومة الإسلامية .
أما بالنسبة للحرب النفسية فقد ادرك قادة المقاومة الإسلامية أهميتها فأنشأوا قسما خاصا بالإعلام الحربي مرتبطا مباشرة بمكتب القيادة العسكرية وكان هناك جهد حثيث لتجهيز طاقم الإعلام الحربي بأحدث آلات التصوير بحيث تجمع خفة الوزن وجودة الصورة بالإضافة إلی أحدث أجهزة المونتاج. وكان طاقم تصوير الإعلام الحربي جزءا أساسيا في اية عملية . فقد نقلت عدسات الإعلام الحربي عملية اقتحام المواقع ورفع رايات حزب الله علیها فكان لهذه الأفلام كبير الأثر علی شعب المقاومة بشعوره بالإفتخار وفي نفس الوقت تشعر العدو الصهيوني بالذل والهزيمة .
وبعض الأفلام كان يتم تأخير عرضها عن دراية ومعرفة بعد دراسة معمقة لبيانات العدو وتصريح قادته اثر العمليات النوعية . وعلی سبيل المثال لا الحصر نفی الناطق بلسان جيش العدو أصلا حصول اية عملية علی موقع الدبشة التي اعلنتها المقاومة الإسلامية، وتم بث مشاهد زرع علم حزب الله في اعلی إحدی الدشم . مما رفع مصداقية حزب الله لدی كافة وكالات الأخبار العالمية والمحلية.
وبدون أي شك كان للتوفيق الإلهي دور اساسي في توفير أفلام عن بعض العمليات التي تم تصويرها بالصدفة من قبل بعض الصحافيين كما حصل في عملية مرجعيون حيث تم تصوير تفجير العبوة بقافلة للعدو ومن ثم الجنود على الارض وهم في حالة هلع يستغيثون طلبا للنجدة. وايضا ما حصل في عملية انصارية حيث تم تصوير العملية من قبل مصور إحدی الوكالات الأجنبية لحظة إخلاء جنود العدو بعد إحراق المنطقة بنيران طاقم فريق الإنقاذ الجوي للعدو .
وفي اطار الحرب النفسية كان للتعاطي مع عملية انصارية من قبل الشهيد القائد الحاج مصطفى بدر الدين (السيد ذو الفقار) الاثر البالغ في كيان العدو اذ استفاد حينها من معلومة مفادها أن أشلاء قتلى أنصارية دفنوا في قبر واحد. ولمعرفته بعادات وتقاليد الدفن لدى اليهود والتي تقضي بدفن الأشلاء للجثة التابعة لها ، أمر بنشر صور اشلاء قتلى الصهاينة ليثير عاصفة بوجه قادة العدو من قبل اهالي القتلى . ويبدو بأن قيادة الفرقة دفنتهم سرا عن سابق تصور وتصميم لتلافي إثارة إخفاقهم في عملية أنصارية .
وبالفعل ادى نشر الصور الغرض المطلوب، اذ قام اهالي القتلى بعاصفة بوجه قيادة الجيش واتهموها بدفن أشلاء أولادهم كالكلاب سرا وطالبوا بتأليف لجنة تحقيق . وقد نبشت الجثث وأجري فحص الحمض النووي لها وأعيد دفنها في مراسم عسكرية كالمعتاد، وكانت نتيجة التحقيقات تقديم كبير حاخامي الجيش حينها كبش فداء وتم طرده .
المصدر: خاص