أجرى فريق من الخبراء الأوروبيين بحوثاً على المادة الكيميائية الأكثر شيوعاً في منازلنا، ألا وهي مادة ثاني أكسيد التيتانيوم، حيث تبين أن هذه المادة تسبب السرطان.
وما يخفى عن الكثيرين أن خضاب التيتانيوم الأبيض يوجد في العديد من الأشياء التي نستعملها بصفة يومية، خاصة في معجون الأسنان والكريم الواقي من الشمس والعلكة. فضلاً عن ذلك، تظهر هذه المادة على شكل مادة ملونة، تحمل رقم E171، في بعض المواد الغذائية، بحسب صحيفة Welt الألمانية.
كما تظهر هذه المادة في بعض مستحضرات التجميل على شكل خضاب يحمل رقم CI 77891، كما تعتبر هذه المادة الكيميائية من مكونات الطلاء. ونظراً لكثرة استعمالاتها، ازداد الطلب العالمي على هذه المادة الكيميائية، حيث وقع إنتاج قرابة 6.5 مليون طن من مادة ثاني أكسيد التيتانيوم سنة 2013.
ومنذ سنوات، أجرى العلماء أبحاثاً حول تأثير هذه المادة الكيميائية على جسم الإنسان. وقد أفضت نتائج تلك الأبحاث إلى أن هذا الخضاب قد يؤدي إلى الإصابة بمرض السرطان. ووفق آخر التقييمات، تعتبر هذه المادة خطرة فقط عندما يتم استنشاقها في شكل مسحوق وتتسرب إلى الرئتين.
وفي شهر كانون الثاني/يناير الماضي، أورد باحثون فرنسيون في مجلة “نايتشر” أن مادة E171 أثرت على جهاز المناعة الخاص بالفئران، لتبين لهم التحاليل فيما بعد ظهور علامات مبكرة لمرض السرطان. والجدير بالذكر أن هؤلاء الباحثين أجروا تجارب على عدد من الفئران تحت إشراف الباحث إيريك هودو، حيث تم تقديم جرعة من ثاني أكسيد التيتانيوم لهذه الحيوانات، التي تسربت المادة السامة إلى أمعائها ومجرى دمها. وقد عانت الفئران أيضاً من التهاب الأمعاء.
أجرى العلماء بحثاً جديداً بهدف التيقن من مدى تأثير ثاني أكسيد التيتانيوم على الجسم على مدى الطويل. لهذا الغرض، وضع العلماء الخضاب في الطعام على امتداد 100 يوم. وفي وقت لاحق، ظهرت العلامات المبكرة لمرض السرطان على أربعة فئران من بين عشرة خضعوا لهذه التجربة. وتجدر الإشارة إلى أن حالة الفئران قد تزداد تعكراً في صورة تمت معالجتها بمادة مسرطنة أخرى، إذ أنه من الممكن أن تتطور الخلايا السرطانية.
في المقابل، لم يتحقق العلماء من مدى تأثير مادة ثاني أكسيد التيتانيوم على صحة الإنسان. وفي هذا الصدد، أفاد العلماء أن الدراسة لم تهدف إلى تحليل مخاطر مادة ثاني أكسيد التيتانيوم، بل كان الهدف منها أكاديمياً بحتاً ألا وهو تجميع معطيات جديدة حول هذه المادة. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تمثل هذه الدراسة تحذيراً للسلطات والحرفاء على حد السواء حيال مخاطر استعمال هذه المادة.
ومن هذا المنطلق، منحت الحكومة الفرنسية الضوء الأخضر للوكالة الوطنية الفرنسية لسلامة الأغذية وحماية البيئة والسلامة المهنية لتحديد مدى خطورة مادة ثاني أكسيد التيتانيوم على الغذاء البشري. وبعد إجراء التجارب، تبين أن مادة E171 لا تؤثر على سلامة الأغذية الاستهلاكية، والأمر سيان بالنسبة للنتائج التي توصلت إليها الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية. إلى جانب ذلك، أثبت الخبراء أن لمادة ثاني أكسيد التيتانيوم انعكاسات غير مألوفة.
في الحقيقة، استندت وكالة “أنساس” في تقييمها إلى الدراسات الهادفة إلى التحقق من قدرة مادة ثاني أكسيد التيتانيوم على اختراق الحاجز الدموي الدماغي. وفي ختام أبحاثها، دعت الهيئة الأوروبية لسلامة الأغذية إلى تصنيف مادة ثاني أكسيد التيتانيوم في خانة المواد المسرطنة.
خَلُصت لجنة تقييم المخاطر لدى الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية إلى نتيجة مغايرة، حيث أكدت أن ثاني أكسيد التيتانيوم خطير فحسب عند استنشاقه وتسربه إلى الرئتين. من جهة أخرى، لم تجد هذه اللجنة أدلة كافية لتصنيف مادة ثاني أكسيد التيتانيوم في خانة المواد المسرطنة، لكن هذا لا ينفي أن الوكالة الأوروبية ستعمل على تحديد أسماء هذه المادة في المستقبل.
وفي هذا الصدد، أفادت الأستاذة بمعهد الفيزياء التطبيقية بالجامعة التقنية بفيينا، أولريكه ديبولد، أن قرار اللجنة مبرر. في المقابل، أفادت ديبولد أنه لا يمكن للإنسان أن يصاب بسرطان الرئة إلا في حال استنشاق ثاني أكسيد التيتانيوم.
لذلك، يوصي الخبراء بعدم استنشاق هذه المادة كي لا تتراكم الجسيمات في الرئة، مما يمكن أن يؤدي إلى التهاب الرئتين وإلى تشكل ورم”. وفي الإطار نفسه، تابعت هذه الأستاذة أنه “لا توجد أدلة تثبت قدرة ثاني أكسيد التيتانيوم على التسبب في الإصابة بمرض السرطان عند أكله أو ملامسته للجلد. كما يمكن للإنسان أن يواصل استهلاك هذه المادة خلال حياته اليومية”.
أقر الأستاذ لدى جامعة بليموث البريطانية، ريتشارد هاندي، أنه لا توجد أدلة واضحة تؤكد خطورة مادة ثاني أكسيد التيتانيوم على الأطعمة والجلد. وفي هذا الشأن، أفاد هاندي أنه “لا يمكن الجزم بمدى خطورة ثاني أكسيد التيتانيوم على غذائنا”.
وحسب رأي هذا الأستاذ، يتناول الإنسان 0.1 مغ من مادة ثاني أكسيد التيتانيوم بصفة يومية عن طريق الأكل”. ومع ذلك، يتعرض الإنسان لأكبر نسبة من هذه المادة عن طريق الاستنشاق ولعل ذلك يتم خاصة في بعض الأوساط المهنية.
المصدر: هافينغتون بوست