ذهب البعض في تحليلاتهم، الى أن تجربة الصاروخ البالستي الإيراني، قد حصلت عمداً في الأسبوع الذي دخل فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب البيت الأبيض، في ما اعتبروه رسالة إيرانية مُبكِرة لترامب، علماً بأن إيران أسوةً بكافة الدول، تُجري تجاربها من منطلق علمي بحت، وأن أية تجربة تقتضي شهوراً من الدراسات والتحضيرات، وهي، كما علَّق أحد الخبراء العسكريين، ليست مسألة كبسة زرّ لترهيب أحد أو للترحيب بأحد.
وإذا كانت مشكلة أميركا المُزمنة في الشرق، هي مع إيران منذ قيام الثورة الإسلامية، فإن مشكلة الرئيس ترامب في العقوبات الإضافية عليها، هي مع نفسه ومع الداخل الأميركي المُشتعِل، والذي يُحاول احتواء ناره عبر سياسات خارجية أقلّ ما يُقال فيها أنها حُزمة خرطوشٍ فارغ متى بلغت الأجواء الإيرانية، لأن سنوات طويلة من الحصار الأميركي الغربي لإيران، لم تنَل من معنويات ومواقف الحكومة والشعب الإيرانيين، لا بل استفادت إيران من هذا الحصار عبر الإعتماد على فلسفة الإكتفاء الذاتي الى حدود الإنتاج النووي وصناعة الأسلحة.
وفي أول ردٍّ إيراني على تهديدات الرئيس الأميركي عقب التجربة الصاروخية البالستية، قال مرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي: “إن الشعب الإيراني سَيَردُّ على ترامب في 22 بهمن وهو شهر الدلو في التقويم الفارسي- ذكرى إطاحة الثورة بالشاه، وسيكشف له عن موقفه في مواجهة تهديداته، سيما وأن سلفه أوباما هو من جلب الحظر على الشعب الإيراني، لكنه بالطبع لم يصل لمبتغاه وأي عدو لن يستطيع شل الشعب الايراني”.
وبالعودة الى أميركا، فإن الرئيس ترامب صاحب المواقف المثيرة للجدل خلال حملاته الإنتخابية، وجَد نفسه فور وصوله الى البيت الأبيض وسط مساحة رمادية في اتخاذ القرارات، بحيث أنه على المستوى الداخلي لم يجرؤ على إلغاء مشروع التأمين الصحي المعروف بإسم “أوباما كير” كما سبق له أن وَعَد خلال حملته، بل أحال المشروع للدرس وإجراء التعديلات، تمهيداً ربما لإصداره تحت مُسمَّى آخر، وهو على المستوى الخارجي لم يُقارب الملف النووي الإيراني بجدِّية حتى الآن، لأنه إتفاق أُممي ليست لدى أميركا حرية إعادة طرحه للنقاش، فابتدع ترامب مسألة العقوبات الإضافية على إيران بعد التجربة الصاروخية إنقاذاً لماء وجه ” ترامب المُرشَّح” لعدم قدرة “ترامب الرئيس” على الفعل، نتيجة دخول دول خمسة زائد واحد (الغربية) ومن ضمنها أميركا في متاهات داخلية لا عدَّ لها ولا حصر.
لا أميركا مرتاحة داخلياً، ولا بريطانيا ولا فرنسا، وألمانيا تشهد صراعاً سياسياً على خلفية مشكلة اللجوء، وهنا تكمُن قوَّة إيران في مواجهة ما تعتبره إعتداءً على حقوقها الطبيعية في إجراء التجارب العسكرية:
– أميركا، يواجه رئيسها إنخفاضاً غير مسبوق في شعبيته، بعد أسبوعٍ واحدٍ من وصوله الى البيت الأبيض، ويواجه إضطرابات في الشارع، على خلفية قراراته التي رفض القضاء الأميركي بعضها، إضافة الى المحاولة الجدِّية للإنفصال التي بدأت في كاليفورنيا التي هي كُبرى الولايات وأقدرها على الإستقلال.
– بريطانيا، ومع موافقة مجلس العموم على بدء إجراءات الإنسحاب من الإتحاد الأوروبي، تواجه الحكومة معارضة من مقاطعات عديدة ترفض الإنسحاب، ومنها اسكتلندا والعاصمة لندن، إضافة الى الإحتجاجات الشعبية العارمة على استمرار تزويد السعودية بأسلحة بريطانية تفتُك بالشعب اليمني الى حدّ الإبادة الجماعية.
– فرنسا، التي هي على أبواب استحقاق إنتخابي رئاسي في الربيع المقبل، يواجه فيها، المرشَّح اليميني المعتدل والذي كان الأوفر حظاً فرانسوا فيون، دعاوى قضائية على خلفية إهدار المال العام عبر إسناد مهام شبه وهمية الى زوجته وأولاده ترتبط بمنصبه كنائب، والنتيجة الإنتخابية في فرنسا ستكون حُكماً ليست لصالح السياسة الأميركية / الغربية ومعها حلف الناتو، لأن فوز “فيون” المقرَّب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعني التفاف فرنسا نحو علاقات ودِّية مع موسكو، وفوز اليمينية المتطرِّفة مارين لوبان سيكون الخطوة الأولى للإنسحاب من الإتحاد الأوروبي وإنكفاء فرنسي ضمن الحدود وتطهير داخلي عرقي وطائفي قد يُشعِل الشارع في أكبر دولة أوروبية من حيث تعداد المواطنين الفرنسيين المسلمين.
– ألمانيا التي تواجه مستشارتها أنجيلا ميركل معارضة سياسية شرسة، نتيجة مواقفها المتعاطفة مع مشكلة اللجوء، وخسرت ميركل بنتيجتها الإنتخابات المحلية، تواجه ألمانيا أيضاً تداعيات إنسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، وعدم تعاون الدول الأوروبية بمسألة توزيع اللاجئين لديها، إضافة الى تهديدات روسية منذ يومين لحلف الناتو على لسان الرئيس بوتين الذي قال: “إن توسيع الناتو لقواعد إنتشاره ووجود الجيش الألماني على حدودنا يدعونا لتحذير دول هذا الحلف من أي احتكاكٍ مفاجىء..”
وسط هذا الضعف الداخلي الأميركي/الغربي، جاءت العقوبات الأميركية الجديدة على إيران نتيجة تجربة الصاروخ الباليستي، وهذه المواقف، التي قد يليها تصنيف أميركا للحرس الثوري الإيراني ضمن قائمة الإرهاب، وَصَفها أحد القادة العسكريين الإيرانيين وكأنها تصرفات “نمر من ورق”.
المصدر: موقع المنار