لطالما كان السودان هدفا استراتيجيا للكيان الصهيوني منذ قمة اللاءات الثلاث في الخرطوم عام 1967 (لا سلام، لا اعتراف، لا تفاوض)، وقد حاول الكيان منذ تأسيسه فتح علاقات معه لما يملكه من ثروات اقتصادية ومائية، بالاضافة لحدوده الواسعة مع العديد من الدول الافريقية والعربية وخاصة مصر، حيث عمل الكيان الصهيوني على اضعاف السودان وتفتيته وتسعير مشكلاته الداخلية بهدف صرفه عن قضاياه القومية والعربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
الاطماع الصهيونية في السودان
اعتبر كيان الاحتلال الصهيوني ان توطيد العلاقة مع السودان والمحيط الافريقي سيوفر مخرجا له من عزلته في المنطقة العربية، ولكن ومع توقيع اتفاقات ابراهام مع الامارات والبحرين والمغرب والحديث عن احتمال توقيع اتفاق مع السعودية تحول الهدف الصهيوني من العلاقات، من فتح الابواب له أمام محيطه الى هدف حمايته من التهديدات الخارجية ومع امتلاك اليمن للصواريخ والمسيرات التي يمكن ان تصل الى عمق الكيان الصهيوني ومع فقدان الكيان للعمق الاستراتيجي وعدم استعداد السعودية للعمل كمنصة او منطلق او عمق استراتيجي بديل يخوله الدفاع عن النفس ومواجهة العمق اليمني.
“الاتفاق هش، وإذا تم تنفيذه بالفعل، فإنه سيعزز قبضة إسرائيل على البحر الأحمر وأفريقيا ويعطي الشرعية لـ إسرائيل لإقامة علاقات دبلوماسية مع دول إفريقية مسلمة أخرى”
معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني – شباط 2023
أصبح السودان المنصة الاسترتيجية البديلة لتأسيس بنية تحتية دفاعية صهيونية على اراضيه وسواحله عبر بناء قاعدة بحرية او مطارات عسكرية او أجهزة رصد وانذار مبكر أو شبكة دفاع صاروخي ضد المسيرات، وان أي قوة بحرية اجنبية تتمكن من الحصول على تسهيلات عسكرية في سواحل السودان ستتمكن من تهديد اليمن و الملاحة البحرية بالاضافة لتهديد الملاحة البحرية الايرانية عبر البحر الاحمر.
وفي سياق متصل فان المطارات التي تتواجد في السودان وفي حال استخدامها من السلاح الجوي الصهيوني ستمكنه من استهداف مصر واليمن وليبيا وتونس ومالي بالاضافة لغيرها من الدول الافريقية.
الكيان يدعم العسكر
مع حدوث الانقلاب الثاني وبعد اخراج عمر البشير من الحكم واستلام “مجلس السيادة” الحكم في السودان لتعود وتنقسم في ما بينها ما أدى الى الاطاحة بالتيارات المدنية وحكومة عبد الله حمدوك، خرجت الى العلن مواقف صهيونية تظهر تدخل الكيان في ما يحدث، حيث تحدث المراسل السياسي لمواقع والاه العبري باراك رافيد بتاريخ 02/11/2021 مشيراً الى حراك ونشاط صهيوني مكثف في السودان وخصوصا لجهاز الموساد. ولفت رافيد إلى أن الكيان المؤقت يدعم الجناح العسكري في مجلس السيادة السوداني، وأنّ الكيان لعب دوراً في التوتر بين جناح عبد الفتاح البرهان، ورئيس الحكومة عبد الله حمدوك في حينها.
وقال إنه “ينبغي فحص ما يحدث هناك (في السودان)، فإسرائيل كانت فاعلة بما يحدث في السودان، عبر الموساد ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، وتقف بوضوح إلى جانب العسكر، إذ إنّ نائب البرهان، الرجل الثاني في السودان، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، يتعاون مع الموساد ويعمل معه علانية”
الكيان في عمق الصراع
دخل الكيان الصهيوني الى عمق الصراع المحتدم في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، لا خوفا على السودان وشعبه من ويلات الحرب الاهلية ودمار السودان، ولكن خوفا على اتفاق التطبيع الذي يدرك الكيان انه لن يتحقق في ظل حرب مستعرة، وان الحفاظ على مصالحه يكون من خلال تحقيق تطبيع كامل مع السودان، التي تخشى أن يتوقف بسبب الاقتتال في البلاد، وكان وزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين كان قد زار الخرطوم في مطلع شباط الماضي وأجرى مباحثات مع البرهان، قبل أن يخرج ويعلن وضع اللمسات الأخيرة على نص “اتفاق سلام” بين البلدين، والذي كان من المقرر توقيعه خلال العام الجاري، عقب تسليم السلطة لحكومة مدنية.
“اتفاقية السلام بين إسرائيل والسودان ستعزز الاستقرار الإقليمي وتسهم في الأمن القومي لدولة إسرائيل”
وزير الخارجية الصهيوني إيلي كوهين – شباط 2023
وكان موقع “اكسيوس” أكد قيام الاحتلال بإجراء اتصالات مع طرفي الصراع في السودان، قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، للوساطة من أجل وقف القتال، حيث نقل الموقع الاميركي عن 3 مسؤولين صهاينة قولهم إن “تل أبيب تستخدم علاقاتها مع قادة الجيش وقوات الدعم السريع لوقف القتال”، مشيرا إلى أن العلاقة التي بنتها تل أبيب، خلال السنوات الثلاث الماضية، مع البرهان وحميدتي مكنتها من التوسط بين الطرفين المتحاربين. وأضاف المسؤولون إن وزارة خارجية الاحتلال تولت الاتصال مع جانب البرهان، أما جانب حميدتي فتولى التواصل معه جهاز الاستخبارات الخارجية “الموساد”.
الاتصالات كشفت عنها أيضا صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، مشيرة الى ان أن الكيان المؤقت يجري اتصالات مع طرفي المواجهات المسلحة التي اندلعت في السودان لاستعادة الهدوء، حيث قال مصدر للصحيفة، إن وزارة الخارجية الإسرائيلية وجهاز الموساد يجريان اتصالات مع البرهان وحميدتي، وتحاول نقل رسائل تهدئة.
بينما قالت صحيفة “يسرائيل هيوم”، إن “مندوبين عن البرهان وعن خصمه حميدتي أجروا اتصالات مع إسرائيل، في اليومين الأخيرين، في أعقاب اندلاع المواجهات”. وأضافت إن مندوبي كيان الاحتلال طالبوا الطرفين السودانيين المتخاصمين بوقف التدهور العنيف وإعادة التهدئة.
وفي سياق متصل، يظهر مدى التقارب الصهيوني مع أطراف النزاع كان لافتا اجراء يوسف عزت، المستشار السياسي لقائد قوات “الدعم السريع” السودانية التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، مقابلة مع قناة عبرية حول تطورات الاشتباكات المسلحة مع الجيش السوداني، حيث اعتبر فيها ان حميدتي يخوض حربا على المتطرفين وعلى رأسهم البرهان.
وقال عزت في حديثه مع قناة i24 العبرية إن “العملية التي نخوضها كبيرة، ومتورطة فيها جهات كثيرة يرعاها التنظيم المتطرف، لقد ألقينا القبض على مقاتلين أجانب لا نعرف هويتهم، عملوا كقناصة يقاتلون إلى جانب عبد الفتاح البرهان”. وأضاف “نحن التزمنا كاملا بالهدنة لكن فوجئنا بهجوم بحري في شمال كافوري، وتم الاعتداء علينا بالطيران المسيّر وبالضرب المباشر، نحن أعلنا أن الهدنة هدنة إنسانية، ولكن حين فتحنا جسر شرق النيل تم الهجوم علينا من كل الاتجاهات وتصدينا لهم”.
في الخلاصة، يدرك الكيان الصهيوني بأنه لن يكون بالإمكان التوقيع على اتفاق تطبيع كامل بينه وبين والسودان قبل انتهاء الصراع الداخلي، ذلك خلافا لتقديرات صهيونية سابقة بأنه بالإمكان توقيع الاتفاق دون الانتقال الى حكم مدني وهو ما دفع الكيان في البداية لدعم عبد الفتاح البرهان والاطاحة بعبد الله حمدوك والتيارات المدنية، ولكن رغم حاجة الكيان الصهيوني لاتفاق التطبيع مع السودان فهو لن يكون على عجلة من أمره فبالنسبة له أن يبقى السودان مدمرا وقابعا تحت وطأة الازمات السياسية والاقتصادية والحروب الاهلية أفضل من أن يكون هناك دولة قوية قادرة على الوقوف في وجه الاطماع الصهيونية.
المصدر: موقع المنار