انتشرت خلال الساعات الماضية أنباء عن قرب فرض عقوبات أميركية على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في أخبار اعتبرها البعض مفاجئة لان الرجل طالما كان من المدعومين أميركيا ويحظى بالغطاء الكامل من واشنطن وينفذ لها كل ما تطلبه، بل في كثير من الاحيان كان “ملكا اكثر من الملك”، فهو ومن معه من المصارف طالما كانوا يزايدون على الاميركي نفسه في فرض حصار على بعض اللبنانيين وتكريس عقوبات عليهم باغلاق حسابات ومنع التحويلات المالية والتدقيق في مصادر الاموال ولو كانت مبالغ بسيطة آتية من مغترب الى عائلته في لبنان، وغيرها من الممارسات التي زادت الخناق على اللبنانيين.
ولكن يبقى السؤال الأهم: هل دقت ساعة التخلي الأميركية عن رياض سلامة؟ وهل فعلا ستتخلى واشنطن عن رجلها الأول في لبنان وأحد أهم أذرعها للتحكم بمجمل الأوضاع اللبنانية؟ هل من المفاجئ ان تتخلى أميركا عن أدواتها والتابعين لها أم أنها سياستها التي اعتادت ممارساتها في مختلف بلدان العالم؟ وهل رياض سلامة وغيره لا يضعون في حساباتهم بإمكانية حلول ساعة الغدر الأميركية منهم وتركهم يواجهوا مصيرهم بعد ان نفذوا لهم كل ما أرادوه؟ والأهم كيف ستستثمر الإدارة الإميركية هذا التخلي عن رياض في مصلحتها؟
قد لا يكون مفاجئا ان تبيع اميركا رياض سلامة وغيره للتنصل من جرائمها في لبنان وممارساته بحقهم عبر حصار مالي واقتصادي خانق منذ 3 سنوات، لكن الأخبث من كل ذلك هو كيف تحاول الإدارة الأميركية وأدواتها الإعلامية والسياسية تحوير الحقائق وإلصاق التهم بخصومها وأعدائها، فكان اللافت ان التسريب الاميركي حول العقوبات على سلامة جاء عبر مصادر لقناة “الحدث” السعودية التي تبث من دبي، حيث قالت إن “وزارة الخزانة الأميركية وجدت علاقات تربط بين حاكم مصرف لبنان وممولين على صلة بحزب الله”، وتابعت أن “واشنطن تقترب من خطوة فرض عقوبات على سلامة بتهمة تسهيل عمليات مالية تتعلق بالحزب”.
الواضح ان الإدارة الأميركية ستسعى من خلال ما تفعله(فيما لو صدر القرار الرسمي بفرض عقوبات على سلامة) ان تنفض يدها منه ومن كل ما قام ويقوم به، كما تفعل دائما عند التخلي عن أدواتها، وتستثمر اكثر في هذا التخلي عبر فرض عقوبات عليه للقول إنه لا يعنيها بل هو يعمل لمصلحة أعدائها وبالتحديد حزب الله في محاولة مكشوفة منها للقول إن كل ما حصل يتحمل مسؤوليته الحزب لا هي وأدواتها من التابعين الفاسدين، وهذا الامر بالطبع لا يصدقه عاقل بل هو الجنون بعينه، لان جردة بسيطة على تاريخ رياض سلامة ومن أتى به وعينه في منصبه منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، ومن ثم ربط البلد بمنظومة اقتصادية سياسية إدارية كاملة يتحكم بها فرد بعينه هو حاكم مصرف لبنان يدرك ان سلامة هو أحد أزلام الأميركي الأوفياء في لبنان.
ومن المفيد التذكير ببعض المواقف الأميركية الداعمة علنا لرياض سلامة، حيث قال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر في حديث له يوم 2-5-2020 إنه “ليس سرا أن واشنطن لديها علاقة مثمرة مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة…”.
كما ان المسؤولين الاميركيين كانوا يزورون سلامة في منزله وليس فقط في مقر المصرف المركزي، ففي يوم 15-4-2021 زار وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل برفقة السفيرة الاميركية دروثي شيا منزل رياض سلامة في كسروان، وقد اختار هيل ان يتناول طعام الغداء إلى مائدة سلامة في تأكيد على العلاقة المتينة بين الجهتين.
وحول هذه الزيارة قالت صحيفة “الجمهورية” اللبنانية بعددها الصادر يوم 16-4-2021 نقلا عن مصادرها المطلعة ان “هيل ما كان ليقوم بهذه الخطوة لو لم تكن الادارة الاميركية راغبة في توجيه رسالة واضحة الى من يعنيهم الامر مفادها انها لا تزال تعتبر رياض سلامة الركن الاساسي في الهيكلية المالية، وانها لا تتوافق مع الاصوات التي تحاول ان تحمّل حاكم المركزي مسؤولية الانهيار…”، واعتبرت ان “التعاطي الرسمي الداخلي مع سلامة لا بد ان يأخذ من الآن فصاعدا الموقف الأميركي في الحسبان، وسيكون صعبا استمرار محاولة تحويل الرجل الى كبش فداء…”.
بالطبع هذا غيض من فيض الدعم الاميركي لرياض سلامة، ولا يتسع المقام لجمع كل مواقف الدعم الأميركية له، فما يجري الآن وما كان يجري دائما هو تطبيق لسياسات واشنطن وفقا لمصالحها، فهي لا تتأخر ببيع أزلامها وأدواتها بأبخس الاثمان عندما تتطلب مصلحتها ذلك.
هذا وعادت مصادر دبلوماسية أميركية وقالت لوسائل إعلام لبنانية يوم الخميس 16-2-2023 “أننا لن نعطي أي أهمية للاشاعات التي يطلقها أشخاص بهدف تأجيج الازمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان من أجل مصالحهم”، فهذا النفي إن صح فيؤكد ان علاقة سلامة بواشنطن قديمة وهي من تغطيه، وأي محاولة للتنصل من كل ما ارتكبه هو ضرب من الجنون.
المصدر: موقع المنار