مُؤلِمٌ أن نرى العديد من الدّول التي تدعي تمسكها بالهوية العربية، تتسابق لإغاثة ضحايا الزّلزال في تركيا، عبر جُسور جوية، على حين أن تلك الدول العربية نفسها، تجاهلت ما أصاب سورية، وانكفأت عن إغاثتها في مصابها الجلل، وهي التي توصف بقلب العروبة النابض.
إنها بعض الحُكومات العربيّة، وهي التي لعبت الدّور الأسوأ في الحرب التدميرية على سورية، وضخّت مِئات المِليارات من الدّولارات بأمْرٍ أميركي، بغرض تمويل وتسليح مِئات الآلاف من الإرهابيين، وكمً كُنّا نأمَل من هذه الدول العربية، أن تَستغل فُرصة هذه الكارثة الإنسانيّة، للتّكفير عن خطاياها، بإرسال المُساعدات الفوريّة لنصرة الإنسانيّة ولإنقاذ المشردين المنكوبين من الزلزال المدمر في سورية، ولكن حكومات تلك الدول لم تفعل ذلك حتى الآن.
رب سائل يسأل: لماذا التركيز على سورية، بينما الزلزال نكب الشعب التركي كما أصاب الشعب السوري؟ وهنا يهمنا التوضيح، بأننا نتعاطف مع الشعب التركي المنكوب ونكن له كل مشاعر العطف والمودة والإنسانية، كما هو الحال بالنسبة للشعب السوري الشقيق، لكن ما نود قوله هو أن حجم المساعدات وسرعة تلبيتها لتركيا، لا تقاس بضآلة المساعدات العربية المقدمة إلى سورية، خصوصاً إذا ما قارنّا حجم إمكانات الدولة في كل من سورية وتركيا واختلاف الظروف الحياتية فيهما.
تركيا لم تتعرض لحرب مدمرة أتت على البنى التحتية فيها، ولم تحاصر من كل جوانبها، ولم يشرد شعبها عنوة، ولم تقطع عنها المياه، ولا الأدوية، ولا حليب الأطفال، ولم تضرب فيها المصانع، ولم تقطع عنها الكهرباء، ولم تحرم من ثرواتها الطبيعية، ولم تسرق آبار نفطها، ليصار بيعها في أسواق المافيا التركية والأميركية، وبأبخس الأسعار، وفوق كل هذا تركيا لم تتعرض لاعتداءات إسرائيلية مستمرة، ولم يفرض عليها «قانون قيصر» الأميركي الجائر، بل إن كل ما ذكر آنفاً سبق أن تعرضت له سورية العروبة وشعبها العزيز ومنذ 12 عاماً ولم تزل، في ظل حصار أميركي جائر ومن غرب ظالم وحتى من بعض العرب الخائف، وذلك قبل وفي أثناء وبعد الزلزال، بهدف ضرب المؤسسات الحكومية السورية.
صحيح لقد ضرب هذا الزلزال فأصاب كل من تركيا وسورية معاً، لكن الإمكانيات المتاحة لدى تركيا لا تقاس بإمكانيات سورية المنهكة والمدمرة والمفلسة اقتصادياً ومالياً وصناعياً، وفي شتى المجالات الحياتية، إضافة لملايين من المشردين في دول الجوار ومنها تركيا نفسها، حتى إن الشعب السوري يكاد يفقد الأمل بالحياة الكريمة وبالغد أو بالمستقبل، بينما تركيا لم تكن تعاني الظروف نفسها التي عانت منها سورية ولم تزل حتى يومنا، ولم ننس أن حكومة تركيا نفسها، كانت ولم تزل المسبب الرئيس لمعاناة الشعب السوري المكلوم، من خلال دعمها للمنظمات الإرهابية واحتلالها لأجزاء من سورية.
إنه توصيف للواقع كما هو، وليس تشفياً والعياذ بالله، فالإنسانية لا تتجزأ أبداً، وتعاطفنا مع الشعب المنكوب في سورية هو نفسه مع الشعب التركي، وبالدرجة نفسها، وبعيداً عن أي حسابات سياسية ضيقة فإن الواجب الإنساني والأخلاقي، يفرض على المسؤولين في كلا البلدين، القفز فوق الخلافات والنزاعات والمبادرة إلى فتح ممرات حدودية بين البلدين الجارين، بغرض تبادل الخبرات وتمرير المساعدات وبناء مراكز الإيواء، تماماً كما حصل بين تركيا وأرمينيا أو بين تركيا واليونان، إنقاذاً لأرواح الآلاف من الشعبين التركي والسوري.
دول عربية شقيقة مثل الإمارات العربية المتحدة والجزائر والعراق إضافة إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، كانت السباقة في مد يد العون إلى الشعب السوري في محنته، حتى إن دولة الإمارات العربية المتحدة أقامت جسراً جوياً مع سورية وصلت إلى حد إقلاع طائرة إماراتية إغاثية كل ثلاث ساعات، في أضخم حملة تبرع وإغاثة تضامناً مع سورية.
إن زيارة وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة عبد الله بن زايد على رأس وفد إماراتي إلى دمشق، ولقائه الرئيس بشار الأسد، وإعلانه تضامن بلاده مع سورية وشعبها، لهو تعبير واضح وصريح عن متانة الأخوة التي تربط الإمارات مع سورية، وهي خطوة تشكر عليها دولة الإمارات، لأن ثمارها لن يكون على المستوى الإنساني فقط، بدليل أن الزيارة سيكون لها ارتدادات لزلزال دبلوماسي مثمر.
إن إرسال دولة الإمارات وفداً رفيع المستوى لزيارة دمشق، واللقاء مع الرئيس الأسد يصب في خانة كسر «قانون قيصر» الأميركي الجائر، اقتناعاً من أبو ظبي بضرورة إزالة الضيم عن الشعب السوري في هذه الظروف الأليمة، وبكسر الحصار الأميركي المفروض على سورية، وهي خطوة تحسب لدولة الإمارات العربية المتحدة لأنها تجسد معنى الأخوة العربية والتضامن العربي الحقيقي.
لم تعد عودة سورية إلى جامعة الدول العربية مطلباً، بل أضحت واجباً عربياً، ولو إن البعض منهم لم يبرح معارضة خطوة العودة، فما أصاب سورية جراء الحرب المدمرة يصب في كفة مصالح الدول، أما ما أصابها بسبب الزلزال المدمر، فهو نكبة إنسانية حقيقية، فاقت كل التوقعات، والأخطر من ذلك انعدام الإمكانات اللوجستية، نتيجة العقوبات الأميركية الظالمة على سورية وشعبها.
إن القرار الأميركي القاضي بتعليق «بعض» من العقوبات عن الشعب السوري لمدة 180 يوماً، هو قرار لذر الرماد في العيون ليس إلا، وذلك بعد انكشاف الإجحاف الأميركي بحق الإنسانية، وانعدام القيم، واضمحلال الأخلاق، وسحق المبادئ، أمام مصالح الطغمة الحاكمة في الإدارة الأميركية، والسؤال كيف يمكن لدولة عظمى مثل أميركا التشدق بالإنسانية وهي محتلة لأراضٍ سورية، وتسطو على ثرواتها النفطية، لتبيعها بأسعار زهيدة لتمويل المنظمات الإرهابيةً.
المدير الأسبق لوكالة الـ«سي آي إيه» جورج تينيت قال: إذا ما خُيّرنا بين مصالح أميركا، وبين المبادئ والديمقراطية والأخلاق والإنسانية، فإن الأولوية هي لمصالح أميركا، أما المبادئ والقيم والإنسانية والديمقراطية فيجب نسيانها، وهذا ما يكشف حقيقة أميركا.
نعتز بتضامن بعض الإخوة العرب والحلفاء مع سورية، لكن المطلوب الآن هو تضامن حقيقي، من كل الحكومات والأحزاب العربية، والمنظمات الإنسانية، في موقف موحد، وبصوت عال، لكشف الإجرام الأميركي اللاأخلاقي، وانعدام القيم الإنسانية فيها، ولتعرية أميركا وحلفائها أمام العالم، من خلال دعوة المجتمع الدولي، لإحداث زلزال دبلوماسي مثمر، كاسر لـ«قانون قيصر» الجائر يقضي برفع العقوبات الأميركية الظالمة عن سورية الدولة وشعبها.