يسود منطقة الشرق الاوسط حالةً من الضبابية وعدم وضوح الرؤية للمستقبل السياسي والامني, المتأرجح بين الانفجار الكبير وحروب اميركية متنقلة، خصوصاً بعد التحول التاريخي الذي احدثته عملية طوفان الاقصى، ذلك على صعيد الصراع الفلسطيتي الاسرائيلي واستطراداً محور المقاومة في المنطقة ضد الاسرائيلي والاميركي معاً.
الادارة الاميركية تنبهت الى انقلاب المشهد من خلال المنعطف التاريخي وجدية انهيار الكيان الصهيوني نتيجة عملية طوفان الاقصى، بعد الصدمة والانهيار الذي اصاب جيش واحهزة مخابرات العدو الاسرائيلي في 7 اكتوبر، وبالاخص بعد دخول المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله على خط المواجهة ضد العدو الصهيوني على طول الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وذلك دعماً للمقاومة الفلسطينية في عزةً.
اللافت ان المجتمع الاوروبي والغربي وحتى الاميركي هب في مظاهرات مؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني ومستنكرة الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، ولسياسة الفصل العنصري وتغول العدو الاسرائيلي بحرب ابادة وتهجير الفلسطينيين من عزة والضفة، فيما ساد المجتمع العربي الصمت المطبق وبقي متفرجاً على مأساة العصر في غزة.
معظم الانظمة العربية لم تكن ترغب بانتشال القضية الفلسطينية من بئر يوسف، حيث ان تلك الانظمة اسهمت بشكل او بآخر بالتواطؤ او بالتآمر المباشر في دفع قضية فلسطين والحقوق الفلسطينية نحو قعر البئر، بل انهم اختاروا تطبيع العلاقات مع عدو الامة ومحتل فلسطين والتآمر على محور المقاومة في المنطقة، وذلك لطمس القضية الفلسطينية وبالتالي بغرض تسهيل دمج الكيان الصهيوني الغريب و اللاشرعي في منطقتنا العربية، استرضاء لاميركا و حفاظاً على مراكز الحكم فيها.
دخول الحوثيين في اليمن على خط المواجهة و انطلاقاً من منطقة البحر الاحمر، احدث تحولاً جدريا ما لبث ان تطور الى المواجهة المباشرة مع اميركا، بعد قرار الحوثي بمنع مرور السفن المتجهة صوب الكيان الصهيوني، قبل وقف حرب الابادة ورفع الحصار الاسرائيلي عن غزة.
تعرض القواعد الاميركية اللاشرعية للهجمات المتتالية من قبل المقاومة العراقية، جاء كاشارة الى تماسك محور المقاومة ولافهام الاميركي بان تواجده العسكري في المنطقة سيكون هدفا دائماً، طالما لم تتخذ اميركا قراراً واضحاً بوقف الابادة الاسرائيلية بحق الفلسطينيين.
اميركا نفذت ضربات جوبة على مناطق تواجد فصائل المقاومة المدعومة من ايران في اليمن والعراق وسوريه، بحجة الدفاع عن وجودها وتفوذها في المنطقة، وبذلك يمكن القول ان اميركا مارست النقيض حيث اعربت عن عدم رغبتها في توسع رقعة الحرب فيما اميركا نفسها تشن غاراتها على اكثر بلد عربي، واضعة نفسها في المواجهة المباشرة.
اذاً بالنسبة للإدارة الأميركية بات كل شيئ يخص منطقة الشرق للأوسط يبدأ من غزة، ولذلك فان تلك الادارة تجهد في منع الوصول الى اتفاق ناجز لاطلاق النار في غزة لان ذلك من شأنه اعلان انتصار المقاومة الفلسطينية، فيما الاعتقاد السائد لدى الاميركي، ان الهدنة الطويلة هي السبيل الوحيد للوصول الى اتفاق دائم لاطلاق النار، والذهاب الى كذبة حل الدولتين، ولذلك تنشط الديبلوماسية الأميركية في منطقة الشرق الاوسط.
وزير الخارجية أنطوني بلينكن يبدأ جولته السادسة إلى المنطقة منذ 7 اكتوبر تاريخ بدء عملية طوفان الاقصى، فيما مدير وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي إي” وليم بيرنز، يجهد في باريس لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق الهدنة المقترح اميركياً، بالتفاهم مع الوسيط القطري ورئيس جهاز المخابرات المصري ورئيس حهاز الموساد الإسرائيلي، أما مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان تكفل بمهمة الاتصال بنظرائه في المنطقة وخصوصاً في السعودية، ناهيك عن حراك الموفدان الأميركيان آموس هوكشتاين وديفيد ساترفيلد في الشرق الأوسط.
كل ذلك الحراك الاميركي يتلخص بمهمة حرمان المقاومة الفلسطينية من اعلان الانتصار، وبالتالي لاعطاء العدو الاسرائيلي رخصة مفتوحة بالابادة والقتل والتهجير، وذلك لانقاذه من الهزيمة بعد الفشل الذريع في تحقيق اي من اهدافه في غزة.
تشبث المقاومة الفلسطينية بمطلب وقف دائم وملزم لاطلاق النار ورفع الحصار واعادة الاعمار في غزة، ثم البحث في آلية تبادل الاسرى، ضمن سلة متكاملة وبضمانات دوليه، اصاب الادارة الاميركية مع الوسطاء العرب والاسرائيليين بخيبة كبرى، نتيجة فشل تمرير هكذا اتفاق هزيل على حساب التضحيات الجسام من الشهداء والجرحى والمشردين في غزة.
اثبتت المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها، بانها لم تزل صاحبة الكعب الاعلى في اية مفاوضات، وانها لن ترضى باتفاق لا يرتقي لمستوى المنعطف التاريخي الذي احدثته عملية طوفان الاقصى.
ثبت بأن معظم الانظمة العربية المتواطئة تتعاطى مع حرب ابادة الفلسطينيين في غزة انطلاقاً من الايدولوجية السياسية، وليس من منطلق مركزية القضية الفلسطينية، وبأن طوفان الاقصى شكل المفصل التاريخي للقضية الفلسطينية وليس لغزة فقط.
لم يتجرأ اي من تلك الانظمة العربية على ادانة الاجرام الاسرائيلي بشكل واضح وحتى ان البعض منهم فتح حدوده لتزويد وتوريد البضائع الى الكيان الصهيوني القاتل للشعب الفلسطيني.
وحده الرئيس السوري بشار الاسد التقط اللحظة في مؤتمر الدول العربية والاسلامية في السعودية حين قال من الخطأ النظر الى ما يجري في غزة من منظار ضيق لان غزة هي من ضمن القضية المركزية فلسطين، الرئيس الاسد هو الرئيس الوحيد الذي لم تأخذه الخلافات مع بعض فصائل المقاومة، بل انه تجاوز كل الخلافات وقفز الى قلب القضية الفلسطينية، وفي كلمته بمؤتمر حزب البعث العربي بدمشق اشاد بصمود المقاومة الفلسطينية حيث قال: ان المقاومة الفلسطينية في غزة تدافع عن كل العرب و عن كرامة الامة العربية.
الرئيس الاميركي جو بايدن فور توجهه الى الكيان الصهيوني عقب عملية طوفان الاقصى قال نحن امام مرحلة مصيرية ويجب علينا العمل مع حلفائنا العرب لتحقيق هدف دمج اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط.
في أعقاب مقتل ثلاثة جنود اميركيين على اثر تعرض القاعدة العسكرية الاميركية في شمال الاردن الى هجوم بالطائرات المسيرة افادت صحيفة “وول ستريت جورنال” الاميركية، بان الطائرات الحربية الأردنية سوف تنضم إلى العملية العسكرية الامريكية في سورية والعراق، واضافت الصحيفة إن دور الأردن مهم جداً في إظهار التضامن العربي مع واشنطن في حربها ضد فصائل محور المقاومة المدعومة من ايران.
بالنسبة لمحور المقاومة اضحى مستقبل المنطقة واضحاً، فالحرب في غزة هي حرب وجود وحرب ارادات، اما بالنسبة لاسرائيل واميركا فالحرب في غزة هدفها اخداث انقلاب في مشهد المنطقة وفي الفكر العربي، وايضاً لاجل تثبيت واقع جديد يسمح باندماج اسرائيل في المنطفة وبمساعدة وتسهيل من بعض العرب.
انه الحاضر اللئيم هو حاضر معظم العرب المتوطئون بل المتآمرون على قضية فلسطين وحقوق شعبها، وها ونحن نعيش زمن نشهد فيه على مشاركة بعض العرب بحرب اميركية اسرائيلية، للقضاء على كل اشكال وفصائل المقاومة ضد المحتل الاسرائيلي لفلسطين، وهنا لا يمكننا وصف هذا الزمن الا بالحاضر اللئيم.
المصدر: بريد الموقع