انشغل العالم بمتابعة تنفيذ بنود الهدنة المؤقتة، بعد 50 يوماً من الإجرام الإسرائيلي والقتل والتدمير الممنهج والتهجير الجماعي للفلسطينيين في غزة.
الهدنة دخلت حيز التنفيذ، وبهدوء تم تنفيذ المراحل المتفق عليها فيما خص تبادل الأسرى، بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، في مقابل إدخال المساعدات الإنسانية والاستشفائية إلى غزة.
في أعقاب عملية «طوفان الأقصى»، سارعت 100 دولة إلى إدانة حركة حماس وإبداء التضامن مع إسرائيل، ولكن بعد 6 أسابيع من الحرب على غزّة، بدأ الدعم الدولي لإسرائيل بعنوان حق الدفاع عن النفس، يأخذ اتجاهاً تراجعياً وظهر ذلك جلياً في مجلس الأمن، بعد تأييد 120 دولة في مقابل معارضة 14 دولة من بينها الولايات المتحدة الأميركية وامتناع 45 دولة عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتّحدة لقرار يدعو إلى هدنة إنسانية فورية في غزة.
لم تأت موافقة الإسرائيلي على الهدنة من باب الإنسانية، ولا التزاماً بقرار مجلس الأمن رقم 2712، فهذا الإجرام الإسرائيلي والإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين وقتل كل نفس وروح في غزة، دليل واضح بأن هذا العدو الصهيوني لم يُقم يوماً للقرارات الدولية والأممية أي قيمة، ولم يُدخِل مبدأ الإنسانية في قاموس ممارساته وطقوس معتقداته.
فالهدنة جاءت بعد العجز الذي أصاب العدو الصهيوني في تحقيق أي من أهدافه المعلنة، وبالتالي فإن قبوله مبدأ التفاوض غير المباشر لتبادل الأسرى، لهو دليل فعلي على هزيمة سياسية وعسكرية، أصابت كبد العدو الإسرائيلي بمقتل، وخصوصاً أن آلة القتل الإسرائيلية العسكرية فشلت في تحقيق أي إنجاز ميداني، تماماً كما فشلت آلة الدعاية الإعلامية الصهيونية والغربية بالترويج للرواية الصهيونية، بعد انكشاف الكذب والتلفيق الذي اعتمده العدو الإسرائيلي، وهذا ما يترجم خروج المظاهرات الحاشدة في مختلف بلاد العالم، احتجاجاً على الممارسات الإسرائيلية الوحشية وانقلاب الرأي العام لمصلحة فلسطين.
إذاً الفشل الإسرائيلي بات واضحاً وبائناً استناداً إلى التالي:
أولاً- إخفاق عسكري إسرائيلي ذريع في القضاء على المقاومة الفلسطينية بعد 50 يوماً من التدمير والقتل وارتكاب جرائم حرب في غزة.
ثانياً- إخفاق في كسر إرادة الفلسطينيين المدنيين الذين تشبثوا في غزة وأرضها مفضلين الاستشهاد على التهجير القسري.
ثالثاً- لم تتمكن إسرائيل من كسر إرادة المقاومة الفلسطينية التي حافظت على قوتها العسكرية، وبقيت تقاوم العدو الإسرائيلي مكبدة إياه الخسائر الفادحة مع استمرارها إطلاق صواريخها نحو تل أبيب وفي الوقت المحدد.
رابعاً- إخفاق إسرائيلي فاضح في تحرير أي من الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية إلا بعد رضوخ الإسرائيلي للتفاوض غير المباشر.
خامساً – إخفاق إسرائيلي أميركي غربي عربي في القضاء على المقاومة الفلسطينية، كما أخفق في تنفيذ التهجير القسري لأهل غزة وتوزيعهم على الدول العربية المجاورة، ما يعني الفشل في تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد وإعادة رسم خرائط المنطقة.
سادساً- إخفاق إسرائيلي أميركي غربي في الترويج الإعلامي للدعاية الإسرائيلية وانكشاف الكذب الإسرائيلي بعد لجوئه إلى ارتكاب جرائم حرب مروعة بحق الفلسطينيين، الأمر الذي أدى إلى تراجع الإعلام الغربي وحتى الأميركي عن الترويج للمنطق الإسرائيلي الذي اعتمد تلفيق القصص وتزوير الحقائق، ما أرغم العدو الإسرائيلي على النزول عن شجرة سقف مطالبه العالية، التي لم يستطع تحقيق أي شيء منها سوى القتل والدمار في غزة.
وبناء لما تقدم فالواضح أن المقاومة الفلسطينية قد حققت النصر البائن على سيف العدو الإسرائيلي بعد صمودها الأسطوري رغم الدمار والخسائر الفادحة في أرواح المدنيين الفلسطينيين في غزة.
صحيح أن المقاومة الفلسطينية حققت الانتصار، لكن علينا وبكل ما أوتينا من إمكانات، تدعيم هذا الانتصار وحمايته من محاولات أميركية إسرائيلية غربية وعربية بقصد سرقة مفاعيله الإستراتيجية، من خلال اتباع المسارات التالية:
أولاً – الترويج لإرسال قوات عربية دولية ونشرها في غزة، لتولي إدارة القطاع في ما بعد انتهاء المعركة مع العدو الإسرائيلي.
ثانياً- إبداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداد تركيا للمشاركة في إدارة قطاع غزة ما بعد الحرب، وهذا إن دلّ على شيء فهو دليل على إعداد طبخة مريبة، بهدف الالتفاف على الانتصار الفلسطيني، وبالتالي وضع غزة تحت الوصاية.
ثالثاً- إعادة الحديث عن حلّ الدولتين أو العودة إلى المبادرة العربية 2002 والتي تقضي بإقامة دولة فلسطينية وإقرار مبدأ السلام مع العدو الإسرائيلي على حدود 1967، أو على أساس العودة إلى اتفاق أوسلو بصيغة معدلة أي الموافقة على إلغاء حق العودة وفق القرار رقم 194، تماماً كما جرت المحاولات في قمة بيروت 2002 وقمة الخرطوم وقمة الرياض، لكن التاريخ سينصف الرئيس اللبناني الأسبق إميل لحود الذي رفض وبكل قوة أي مساس بقرار حق العودة رقم 194، وأصرّ على إدراجه ضمن مقررات القمم الثلاث رغم المحاولات الحثيثة من أمانة الجامعة العربية بالاشتراك مع وزراء خارجية معظم الدول العربية لشطب قرار العودة.
إن الدوائر العربية والأميركية والغربية بدأت الترويج للعودة إلى المبادرة العربية لعام 2002 وإقرار مبدأ السلام والتطبيع مع الإسرائيلي على أساس حدود 1967، أي الأرض مقابل السلام، لكن صيغة المبادرة العربية تجب عن الاحتلال الإسرائيلي كل ما فعلته لفلسطين قبل 1967، وكأن ما اغتصبته إسرائيل من الأراضي الفلسطينية ما قبل 1967 صار من حق إسرائيل، وبالتالي فإن أي مقاومة فلسطينية مستقبلاً ضد العدو الإسرائيلي على الأراضي المحتلة قبل 1967، سيوصف بالاعتداء على إسرائيل فيما إسرائيل هي المغتصبة والمحتلة للأرض الفلسطينية منذ عام 1948.
أما العودة إلى اتفاق أوسلو بصيغته المعدلة، أي بشطب حق العودة، يعني حرمان الفلسطينيين من العودة إلى الوطن الأم، وتكريس توطينهم في أماكن تهجيرهم، وبالتالي حرمانهم من أي حق بالمقاومة لتحرير فلسطين كل فلسطين من النهر إلى البحر.
نحن بحاجة إلى تدعيم الانتصار الفلسطيني، وحماية نتائجه الإستراتيجية، ومنع أي التفاف أو تحوير أو هضم لكل التضحيات الفلسطينية وتجييرها لمصلحة حل الدولتين، وعلينا الإدراك بأن القضية الفلسطينية قبل «طوفان الأقصى» ليست نفسها كما بعد «طوفان الأقصى»، وتحقيق هذا الانتصار الإستراتيجي للمقاومة الفلسطينية.
الحذر كل الحذر من سرقة الانتصار الفلسطيني، والحذر من محاولات الالتفاف على المفاعيل الإستراتيجية لهذا الانتصار، وهنا نؤكد بأن على محور المقاومة من فلسطين إلى لبنان إلى اليمن والعراق، تقع عليه المسؤولية الإستراتيجية الملزمة، بتدعيم هذا الانتصار الفلسطيني، من خلال تأمين سبل التصدي لأي ضغوط عربية أميركية غربية، هادفة إلى هضم أو التفاف أو تضييع الانتصار، ومهما كانت التضحيات.
إسرائيل قبل «طوفان الأقصى» لن تكون كما بعده، فالكيان الصهيوني صار أوهن من بيت العنكبوت، وآيلاً للسقوط ومن داخل مطبخه، فلا تمنحوه الفرصة لترميم بيته.
المصدر: بريد الموقع