ما طرح دُعاة التقسيم أو الفدرلة يوماً إقتراحات تطبيقية لتوجهاتهم، لأن دكتاتورية الجغرافيا في تداخل التوزُّع الديموغرافي للنسيج اللبناني هي التي تحكُم أي تغيير في الكيان السياسي لأي بلد، ولهذا السبب، تبقى كل طروحات التقسيم والفدرلة مواد تجييشٍ مجاني تُدفع أثمانها من الاستقرار الوجودي للأقليات الطائفية المُتناثرة خارج حدود الكانتونات المزعومة والتقسيمات الوهمية الواهية.
وبصرف النظر عن الفارق بين التقسيم والفدرلة بالمعنى السياسي، ليست هناك في لبنان طائفة واحدة متواجدة في منطقة واحدة، إلا إذا كانت أفكار الداعين الى التقسيم أو الفدرلة، قد ذهبت إلى حتمية قيام حروبٍ داخلية تهدف الى الفرز الديموغرافي وفق الجغرافيا المُفترضة للكانتونات التي يتصوَّرونها، مع ما قد ينتج عنها من خسائر هائلة لا بل مُرعبة في الأرواح والأرزاق، وتداعيات “النقل القسري” على المجموعات البشرية، وما يلي ذلك من عداوات عابرة لحدود الكانتونات!
المشكلة لدى دُعاة التقسيم والفدرلة، هي في غياب الواقعية عن طروحات كانتوناتهم الإفتراضية، وكيف لهم على سبيل الأمثلة “صُنع” الكانتونات الطائفية في مواقع محددة، وترسيم حدود كل كانتون، وكيفية جمع الغالبية من كل طائفة داخل كانتونها.
نتجاوز ما لا نرغبه في الخطاب الوطني ونتحدث طائفياً ومذهبياً ونسأل جماعة هذه الطروحات:
كيف لهم أن يجمعوا السُنة من أبنائنا المنتشرين بين عكار وطرابلس وبيروت والإقليم وصيدا مروراً بالبقاعين الغربي والأوسط وصولاً الى عرسال؟، أو الشيعة المتواجدين في جبيل وبيروت والضاحية والجنوب وبعلبك الهرمل؟، أو المسيحيين على مختلف خرائط توزيعاتهم الحالية من زغرتا شمالاً الى الرميش والقليعة جنوباً مروراً بكسروان والمتن وبيروت وصولاً الى زحلة؟، وانتهاء بالدروز في أمثلتنا المختصرة وتواجدهم المتباعد بين الشوف والمتن ووادي التيم؟.
هذه الجولة السريعة المقتضبة لواقع التنوُّع في الإنتشار المناطقي للطوائف اللبنانية، بصرف النظر عن رأي أبناء كل منطقة ورؤيتهم الوطنية لمستقبل وجودهم في الأرض التي ولدوا ونشأوا فيها، نصِل الى خلاصة تقييم ما يطرحه “التقسيميون” أو “الفيدراليون” عسانا ننجح في تقويم البوصلة الخاطئة، أن كل هذه الطروحات من أي طرفٍ أتت، ما أنتجت سوى تقسيمات في النفوس والإنتماءات والرؤى الوطنية الواحدة الموحَّدة، وكفانا تقسيمات إفتراضية رغم عمق الخلافات الحالية وخطورتها، وقدرُنا العيش الواحد في وطنٍ واحد، وأن نحاول تحجيم الإختلافات تفادياً لتكبير الخلافات؛ والسلام…
المقالة تعبر عن وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة عن رأي موقع المنار