يلعب الكيان الصهيوني في موضوع المفاوضات البحرية مع لبنان لعبة مكشوفة جدا، ففي حين يعتمد على وسائل الاعلام كأداة لتسريب او بث بعض المواقف والاقتراحات، يبدو جليا الصمت وسياسة الغموض الرسمي إزاء الموقف من المطالب اللبنانية، وهو أمر مفهوم في دلالاته. فإن أظهر العدو موقفاً رافضاً للمطالب اللبنانية يكون قد أنهى المفاوضات. ويدرك أنّ ذلك سيُسرِّع من ردود فعل حزب الله مع كلّ ما يترتّب على ذلك من نتائج وتداعيات. وإن أبدى قبولاً رسمياً للمطالب اللبنانية قبل نهاية المفاوضات، تكون هذه الحكومة قد خضعت لتهديدات حزب الله، مع ما يستبطن ذلك من نتائج في أكثر من اتجاه وليس من مصلحة الكيان والحكومة الحالية أيّ من النتائج السابقة.
رغم ذلك فان الاداء الصهيوني يبقى ضمن الهامش المسموح من قبل الولايات المتحدة، الذي تم تحديده بشكل واضح خلال الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الصهيوني يائير لابيد، الذي بدأ هوكشتاين في أعقابه جولته الأخيرة. ومن الواضح أنّ محدِّدات الموقف الأميركي ترتبط بشكل رئيسي بقراءتها لتداعيات أيّ اتفاق على مجمل المخطّط الأميركي ضدّ المقاومة في لبنان، وعلى خطة إبقاء لبنان تحت الضغط المالي والإقتصادي من أجل استنزافه وإخضاعه.
مع وصول المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين إلى المنطقة، توالت التقارير في كيان العدو حول مواعيد استخراج الغاز التي بدأ أنّها متضاربة وتتراوح بين 20/09، ومنتصف شهر 10 وآخره، بعدما كان الحديث عن مطلع شهر 10 سابقاً، ويعود هذا التضارب بحسب موقع غلوبس الاقتصادي الى اعتبارات الشركة المالية والغازية التي تملي عليها الاتزام بموعد الاستخراج، فالشركة تصر على موعد 20/09 لاستخراج الغاز في حين ان الجهات السياسية والامنية في الكيان تطالب بأن يتمّ تمديد الفترة الزمنية إلى منتصف أو أواخر شهر 10/2022 من أجل إفساح المجال للمفاوضات.
يعود رفض الشركة، بلسان مالكها ورئيسها التنفيذي ماثيوس ريغاس، في تأجيل الإستخراج (كما ورد في تقرير غلوبس) إلى شهر 10/2022، إلى التزام الشركة بجداول سبق أن حدَّدتها لاستخراج الغاز من حقل كاريش، ولكن من المؤكد ان ريغاس يدرك المخاوف الصهيونية من تعثر المفاوضات مع لبنان، ولذلك يبدو انه يحاول انتزاع بعض التعويضات، حيث من المنطق الافتراض انه سيرضخ للمطلب الصهيوني الاميركي خاصة ان هذا الامر يصب في مصلحة الشركة نفسها ايضا.
وبحسب موقع غلوبس يبرز الخلاف في الموقف من استخراج الغاز بين المؤسستين الامنية والسياسية في الكيان، ذلك بسبب عدم امكانية تقدير ما هي الخطوات العملية التي من الممكن ان ينفذها حزب الله وكيفية التعامل معها، حيث يجد الكيان نفسه امام خيارين:
• الاول هو عدم الرد، وهو ما تعتبره جهات داخلية في الكيان رسالة ضعف ازاء حزب الله كون هذا الموقف سيُظهر إسرائيل على أنّها حريصة على تجنُّب الصدام العسكري مع حزب الله. والنتيجة أنّ ذلك سيشجّعه على خطوات مشابهة، ويعزّز لديه الرهانات على إمكانية تحقيق أهدافه.
• الثاني هو الرد العسكري، وحول هذا الخيار تعتبر جهات أخرى أنّ أيّ ردّ سيؤدّي إلى تدحرج نحو مواجهة عسكرية، قد تطيح بمنشآت الغاز وكلّ مشروع استخراجه، وإلى حرب كبرى في المنطقة.
الخلاصة الأهمّ في هذا المجال، أنّ الكيان الصهيوني يرى في تصدير الغاز فرصة لتحقيق أرباح كبرى وتحوّله إلى قوّة إقليمية رئيسية من بوابة الطاقة، وبأن يكون له موطئ قدم على الخارطة الدولية في هذا المجال ولكن من ابرز التحديات التي تواجهه هو ازمة الطاقة التي يعانيها، التي تمثلت بطلب وزيرة الطاقة كارين الهرار من شركة شبرون التي تُشغِّل حقلي “تمار” و”لفيتان” أن تعطي الأولوية للإقتصاد الصهيوني.
اخيرا، تؤشر المعطيات الى ان الكيان الصهيوني معني بمحاولة استخراج الغاز باسرع وقت ممكن، وهو ما يضيق هامشه في المماطلة واضاعة الوقت ويفرض عليه قيودا في حرية اتخاذ القرار والتوجه الى مواجهة عسكرية تطيح بكل طموحاته، وفي الجهة المقابلة يؤكِّد على الفرصة الإستراتيجية والتاريخية للبنان والمقاومة من أجل إنتزاع حقوقه في البحر.
المصدر: موقع المنار