بين الحقلِ والمعملِ وتحتَ أشعّةِ الشّمسِ السّاكنةِ على الوَجناتِ تجتهدُ أكثرُ من عشرينَ سيّدةٍ ” بتحويشِ ” ( قطف ) الزّعترِ ليُصار بعدها إلى تجفيفهِ ودقّهِ وغربلتهِ ومن ثمّ طحنهِ، وبعد مرحلةِ الطّحنِ يُخبرُنا أبو قاسم – مزارع جنوبي- أنّهم يُضيفونَ السّماقَ والملحَ والسّمسمَ ليُعلّبَ ويُصبحَ جاهزًا للبيعِ محليًّا وخارجيًّا.
تُعدُّ زراعةُ شتلةِ الزّعترِ من مصادرِ رزقِ عشراتِ المُزارعينَ اللّبنانيّين ومصدرِ دخلٍ لمئاتِ الأُسرِ في مختلفِ المناطقِ اللبنانية . وتُولي وزارتا الصّناعةِ والزّراعةِ أهميةً لهذهِ الشّتلةِ الّتي تُصنّفُ ضُمنَ المشاريع الصّغيرةِ والمتوسّطةِ وأساسيّة للاندماجِ في الحركةِ الاقتصاديّة حيث أنّ تفعليها يُساهمُ في تأمينِ فرصِ عملٍ وَيُنشّطُ حركةَ التّصديرِ ولكنّ الاهتمامَ ليس بالمستوى المَطلوبِ كما يقولُ الحاج أبو قاسم , حيث أنّ هناك تعدٍّ على هذا القطاع ويلخّصُها بالنّقاطِ التاليةِ:
1- أوّلًا يحتاجُ إلى رُخصَةٍ . حيث يلجأ البعض الى قطفه ضمن مناطق المشاع والتي من المفترض أن تستفيد منها البلديات وتقوم بتلزيمها واستثمارها فهي مصدر دخل مهم يعود بالفائدة على الصندوق البلدي والمواطن على حد سواء .
2- الرّقابةُ غيرُ مفعّلةٍ من قبلِ الوزراتِ المعنيّةِ على ما يتمُّ إنتاجه من الزّعتر وبيعهِ، فعلى سبيل المثال هناك من يضعُ بدلَ السّماق حامضَ الليمون!
3- الاحتكارُ في الأسعارِ وهنا نصل إلى بيت القصيد، فاليوم يكلّفُ كيلو الزَعتر الجاهزِ للبيع ما بين 200 إلى 225 ألف ليرة لبنانية لكنّه يُباعُ في بعضِ المناطقِ اللبنانيةِ بقيمة تصلُ إلى حدود 400 ألف ليرة .
4- طُرقُ القطفِ غير السّليمة فيلجأُ البعضُ إلى قطف الشتلةِ قبل أن تُزهرَ، ما يُؤثّرُ على جودتِها ونوعيّتها .فمعظم المواطنين يلجأون الى قطف الشتلة في شهري أذار ونيسان والأصح أن تقطف في شهري أيار حزيران وهي الفترة التي تزهر خلالها الشتلة واثناء القطف “يهر الزهر” – بحسب تعبير المزارعين -على الارض وهذه العملية تساعد على إعادة نمو شتلات جديدة لموسم آخر.
عوائقٌ كثيرةٌ أمام تنشيطِ القطاعِ كما يجب، ولكن بالرّغم من ذلك استطاعَ أبو قاسم أن يحجزَ لإنتاجه مكاناً في الأسواقِ الأوروبيّة والأمريكيّة وحتّى في بعضِ البُلدانِ العربيّةِ يقولُ لنا أنّ هناك بعضَ التُّجارِ الأجانب الذين يتواصلون معهُ عبر وسائلِ التّواصلِ الاجتماعيّ ويطلبونَ منه الزّعتر بكمياتٍ كبيرةٍ وأصبحوا من الزّبائن الدّائمين . ويؤكّدُ على أنّنا نستطيعُ في لبنان الاهتمام بهذا القطاعِ وتشجيعِ المواطنين على زراعة الشّتلاتِ ضمنَ الطُّرقِ القانونيةِ المرخّصة خصوصًا أنّ الشّتلةَ لا تقف فقط على إنتاجِ الزّعتر للمونةِ فهي أيضًا تعتبرُ زراعةً طبيةً تدخلُ في كثيرٍ من الأدوية وهناك اهتمام من قبل المواطنين من مختلف المناطق اللبنانية بزراعة شتولها.
وعلى عكسِ غياب اهتمام الدّولة ودرايتها بأهميّة الزّعتر وهذه الثّروة البريّة، لم يغبْ عن بالِ أمّهاتنا أبداً فوائده وأهميته فلقد كَبُرَ وتربّى أجيال وأجيال على عرائس الزّعتر الجنوبيّ .
المصدر: موقع المنار