عجيبة هي اللحظة التي اختُتمت فيها كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء يوم الاربعاء ١٣ تموز ٢٠٢٢. بداية جديدة بدأت من تلك اللحظة التي ابتسم فيها السيد أمام الكاميرا في إشارة للمصور بأن الخطاب المتلفز عبر شاشة المنار قد انتهى. كانت مواقع التواصل الاجتماعي تضج في تلك اللحظة بوسوم الترند الأكثر تداولاً في لبنان: #الأمين #المسيرات #لبيك … إذاً، فعل الخطاب فعل عصا موسى حين استحالت ثعباناً أمام كل وكالات أنباء العالم التي حُشرت من كل المدائن لمواكبة مجيء الفرعون الأميركي إلى المنطقة لجمع سحرته على هدف التزام أمن “إسرائيل” ومواجهة محور المقاومة الرافض لعلوها في الأرض.
ألقى السيد عصاه في موقف واضح: إما حقوقنا وإما ستلقم قوتنا كاريش وما بعد كاريش وما بعد ما بعد كاريش.
كتب أحد الناشطين اللبنانيين على صفحته الشخصية على تويتر: “بكل تواضع أشعر بكرامة فوق الريح بعد خطاب السيد”، في نفس الوقت كانت وكالة رويترز تنقل عن مصادر إسرائيلية: “اعتدنا نحن ان نهدد بالحرب، فإذا بحزب الله يهدد بشنها علينا، وهذا مؤشر بالغ الخطورة”.
أكرر.. فعلت العصا فعلها، وشعر اللبنانيون المستضعفون في رغيفهم ومحروقاتهم وأقساط تعليم أبنائهم، بأنهم أمام فرصة خروج من ذل، لم يسبق لها مثيل. ولكن.. ماذا الآن؟
يوم خرَّ السحرة ساجدين، قال موسى عليه السلام لفرعون: أرسل معي بني إسرائيل، فقد آن أوان خروجهم من ذل القهر والتشرذم وقتل الأبناء واستحياء النساء. أمسك عصاه، تحدى فرعون وهامان وجنودهما، وسار ببني اسرائيل متحديا. فرعون منعه استكباره من الخضوع، جهز الجيش ولحق بموسى ومن معه..وعند شاطئ البحر، تراءى الجمعان. الخوف دفع بغالبية من خرج مع موسى إلى نسيان معجزة العصا وقالوا: إنا مُدرَكون.. مقتولون… مأسورون.. لكن موسى فاجأهم: إن معي ربي. مجدداً ضرب بعصاه وجه الماء، فانفلق البحر وعبر الخائفون المحررون من الذل بأمان، وغرق فرعون وجنوده، ومنهم من كان من بني إسرائيل الذين رفضوا الالتحاق بموسى.
في اليوم التالي للخطاب، انقسم على عادتهم اللبنانيون. غرّد رئيس حزب لبناني: “نحنا بدنا نحافظ على الكرامة الوطنية والسيادة… بدكن غازكن؟ بدنا غازنا!”، موجها كلامه للاسرائيليين.
بعد قليل، غرّد رئيس أحد الأحزاب الملتزمة بتوجيهات السفارة الأميركية والمأزومة في بيتها الداخلي: “بالأمس، نصّب (السيد) نصرالله نفسه مرة جديدة رئيساً، رئيس حكومة وقائداً للجيش في آن، مورّطاً شعب لبنان بمغامرة جديدة قد يدفع ثمنها دون استئذانه”.
فعل إذا الخطاب فعله، ومازَ التواقين للخروج من الذل عن المنخرطين في مشروع الإذلال، حتى وإن عرفوا في قرارة أنفسهم أنهم عبيد.
في تكملة القصة، بعد عبور البحر، ضرب موسى مجددا بعصاه الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، ليشرب منها كل بني اسرائيل بعد التعب والمواجهة التي لم تتطلب منهم سوى الموقف.
في حينها، فعلت تلك العصا كل ذلك الفعل، وعصا السيد تمتد من حقل كاريش قرب حيفا إلى ما بعد بعده، وصاحب اليد التي خرجت بعد كل مواجهة “بيضاء من غير سوء”، يعرف جيداً جداً كيف يستخدم الاستعداد للحرب لمنع وقوعها، أما إذا وقعت، فإنه موقن بأن معه رب سيغير برجاله الصابرين وجه المنطقة، فهؤلاء ممن (أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلِموا وأن الله على نصرهم لقدير). بالمناسبة، بهذه الآية بدأ السيد خطاب الثالث عشر من تموز، وفي الصورة الحصرية المرفقة التي حصل عليها موقع المنار من داخل استديو الخطاب، ظهرت صورة غير واضحة على يسار السيد فيها صورة طائرة مسيّرة مكتوب تحتها: “إسرائيل رأت بعض بأسنا، وسترى مستقبلاً كل بأسنا”…عجيب هذا الخطاب…كل ما فيه عجيب.
المصدر: موقع المنار