“أرى سيناريوهات عدة، التفكك هو الأسوأ بينها… قد تفقد قوى الأمن والجيش السيطرة وتكون هناك هجرة جماعية، هناك العديد من السيناريوهات الكارثية”.. للوهلة الأولى يخيل للقارئ أن العبارة هي لأحد متنبئي توقعات ليلة “رأس السنة” ، لكن الواقع انه جاء على لسان مساعدة وزير الخارجية الاميركية باربرا ليف. اتى ذلك في سياق تصريحات جاءت بعد أسبوع فقط على إنجاز اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وفلسطين المحتلة، والذي ينتظر اللبنانيين تسييله على شكل صفقات مع شركات التنقيب والاستخراج مما يعيد الثقة بالاقتصاد اللبناني.
وريثة عرّاب الحصار الاقتصادي على لبنان وملقي العباءة الأميركية على حاكم المصرف المركزي رياض سلامة ديفيد هيل، أطلقت وابلاً من الصواريخ النفسية على الأجواء التفاؤلية التي سادت أوساط اللبنانيين الإقتصادية والإجتماعية بعد اعتراف العدو الإسرائيلي بالخضوع للشروط اللبنانية، فأمعنت في النفخ ببوق البروباغندا الأسود بهدف اضعاف لبنان وحصاره وممارسة المزيد من الضغط على عملته، بل وتحريض اللبنانيين على بعضهم البعض، في مؤشر على السياسية الأميركية تجاه لبنان في المرحلة المقبلة.
وفي تجريب للمجرب، رأت باربرا ليف أن لا حل داخلي في لبنان إلا بانفجار الشارع الذي “عاجلاً أو آجلاً سوف ينفجر ويضغط على السياسيين لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات”. لكن الأخطر أنها نعقت بكل وقاحة لتعيد ما قاله ديفيد شينكر – مساعد ديفيد هيل سابقاً – لتقول “إن إضعاف حزب الله يستدعي تحويل لبنان إلى رماد ثم بناءه من جديد”.
ولكن في نظرة متأملة، تسير الإدارة الأميركية من فشل الى فشل في السنوات الأخيرة في المنطقة، وخصوصاً في لبنان. قد تملك مكنسة الساحرة الخبيثة لوزارة الخارجية الأميركية القدرة على التخريب والتدمير، ولكنها أثبتت عجزها عن بناء أي شيء وفقاً لمشاريعها. وبعد خسارتها الرهان في العراق بعد تشكيل حكومة جديدة برئاسة مرشح الإطار التنسيقي محمد شايع السوداني، تحاول استعادة المبادرة في لبنان بالتعاون مع السعوديين، الذين وإن اعترفت “ليف” بوجود توتر معهم، إلا أنها في ما يتعلق بلبنان “توجد تقاطعات مشتركة” حسب تعبيرها.
وكما “الوعد الكاذب” للسفيرة الأميركية في بيروت باستجرار الكهرباء من مصر إلى لبنان، فإن مساعدة وزير الخارجية الأميركي كذبت في الإدعاء بأن النفط الإيراني لإعادة الكهرباء في لبنان يتم تهريبه ولا يصل لمحطات التوليد، لأن الاتفاق بين الحكومتين اللبنانية والايرانية بهذا الشأن لم يصل أصلاً إلى خواتيم بعد.
تقول باربرا ليف ضمن تصريحاتها “لبنان بحاجة عاجلة لانتخاب رئيس وتسمية رئيس وزراء، ثم تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات لتعمل على بعض القرارات المهمة، بينها إصلاحات جوهرية والموافقة على قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الخاصة بتمويل صفقات الطاقة”، لكن هذا طبعاً يجب أن لا يتم بالطرق “الديموقراطية” أو بالتواصل الديبلوماسي، بل “ليس عمل الديبلوماسيين الأجانب الذهاب إلى مجلس النواب والضغط على النواب لانتخاب رئيس. أعتقد أنه يجب أن تسوء الأمور أكثر، قبل أن يصبح هناك ضغط شعبي يشعر به النواب. نحن نضغط على القادة السياسيين ليقوموا بعملهم ولكن لا شيء يؤثر مثل الضغط الشعبي، وعاجلاً أم آجلاً، سيتحرك ذلك من جديد”.
لم تنس ممثلة الادارة الاميركية ان تحرض بشكل مباشر على حزب الله فقالت أن “هناك طروحات تقول إن انهيار لبنان سيمكّن بطريقة ما إعادة بنائه من تحت الرماد، متحرّراً من اللعنة التي يمثّلها حزب الله له ، ولكن شعب لبنان، وجيرانه في اسرائيل والأردن وسوريا سيتحملون العبء الأكبر لانهيار الدولة، لذلك فنحن نتجنب حصول ذلك”..
وفي وقت حاولت الترويج لضرورة حصول لبنان على قروض البنك الدولي، حاولت التقليل من اهمية انجاز الترسيم وضمانات التنقيب بالقول “هناك اعتقاد خاطئ بين معارضي إصلاح قطاعي المصارف والكهرباء، بأننا لسنا بحاجة إلى قرض الثلاثة مليارات دولار، بوجود الغاز الطبيعي. هذا عمل يحتاج سنوات من الاستكشاف والتنقيب ومعرفة ما الإمكانات التجارية… ليست نقوداً في المصرف”.
إذاً، هي جولة جديدة من العدوان تريد الولايات المتحدة بدأها في لبنان، ولكن بأدوات سبق واستخدمتها. في جميع الأحوال، المواجهة مع الأميركي وجهاً لوجه على الساحة اللبنانية يبدو أنها مستمرة، لكن الغريب في غراب الشؤم “باربرا ليف” أنها لم تأخذ من أسلافها أي دروس مستفادة، وهذا المستقبل سيبقى مفتوحاً على كل الإحتمالات، لكن السؤال: بعد المصارف، والكارتيلات ومنظمات العمل غير الحكومي، أية أوراق متبقيّة بيد الأميركيين يحرقونها على الساحة اللبنانية؟
المصدر: موقع قناة المنار