منذ نحو ثلاثة عقود؛ تنتشر الخنازير البرية في جميع أنحاء البرازيل، فتقتلع النباتات المحلية، وتُلحق الضرر بالتربة، وتُدمر المحاصيل، فضلاً عن تقارير بشأن هجومها على المواشي. ولكن؛ ورغم أنها تُعتبر مصدر إزعاج بالغ لدى معظم الكائنات، يبدو أن هناك مجموعة واحدة على الأقل تنتفع بوجودها؛ وهي الخفافيش البرازيلية المستوطنة مصاصة الدماء.
فقد دعمت ورقة بحثية نُشِرت الأسبوع الماضي بمجلة “آفاق في علم الإيكولوجيا والبيئة”، فكرة أن الخفافيش مصاصة الدماء تنجذب لدماء الخنازير، ويحذر العلماء من أن هذه قد تكون مُشكلة أكبر مما تبدو عليه، بحسب ما نشرت صحيفة واشنطون بوست الأميركية، 4 نوفمبر/تشرين الثاني.
حيث أعرب الباحثون عن قلقهم من أن تعداد الخنازير آخذ في الزيادة، وهو ما سيزيد من أعداد الخفافيش مصاصة الدماء بدوره، وهذا قد يعني تزايداً في انتشار داء الكَلَب لدى البشر.
وبعبارةٍ أُخرى؛ يعد هذا نموذجاً كلاسيكياً للكيفية التي يقود بها فعل بشري -وهو إدخال فصيلة تغزو النظام البيئي وتحتلّه بطريقة مدمرة- إلى آثارٍ مدمرة تنعكس في نهاية المطاف على البشر أنفسهم وتؤذيهم.
“الخفافيش مصاصة الدماء تحمل أمراضاً معدية، الكثير من الأمراض المعدية” هكذا يقول فيليب بيدروسا، طالب الدكتوراه بجامعة ساو باولو الحكومية، وأحد القائمين على الورقة البحثية الصادرة مؤخراً، والذي أضاف أن “أحد هذه الأمراض هو داء الكلب”.
وتُعرف الخفافيش مصاصة الدماء عادة بافتراس الماشية؛ ولكنها تتغذى أيضاً على الحيوانات البرية، وحتى على البشر، إن كان الوصول إلى هؤلاء أسهل.
ففي عام 2005؛ اجتاحت سلسلة هجمات شنّتها الخفافيش على البشر في البرازيل عناوين الصحف العالمية، حيث أسفرت آنذاك عن وفاة 23 شخصاً بداء الكلب خلال شهرين، فضلاً عن تلقّي أكثر من 1300 شخص علاجاً طبياً من المرض نفسه.
وعادة ما تحدث عضات الخفافيش في الليل، بينما الناسُ نيامٌ، وتكون هجماتها أكثر شيوعاً على الأطفال، الذين يميلون للنوم على نحو أكثر هدوءاً ولا يُرجّح أن توقظهم الخفافيش.
وعلى الرغم من أن عام 2005 كان إنذاراً استثنائياً بخطر مرض الكلب، إلا أن العدوى البشرية بهذا المرض لاتزال نادرة الحدوث بشكل عام.
ويشير الباحثون إلى أن ذلك ربما قد حدث بسبب التغيرات التي أحدثها الإنسان في المشهد البرازيلي. حيث تم تحويل مساحات واسعة من المراعي السابقة مُؤخراً جنوب شرق البرازيل إلى مزارع لقصب السكر، وهو ما يعني وجود أعدادٍ أقل من الأبقار والكثير جداً من الخنازير.
وطالما وجدت الخنازير البرية في البرازيل لأكثر من 200 عام حسبما أشارت دراسة سابقة. وقد بدأ ذلك عندما هربت أعدادٌ قليلة من الخنازير المحلية وذهبت للبرية في منطقة بانتانال. ولكن على نطاق واسع؛ فإن الغزو الممتد على مستوى البلاد قد يرجع لفترة التسعينيات من القرن الماضي، عندما تم استيراد الخنازير البرية من أوروبا وكندا كي يتم استخدامها في منتجات اللحوم عالية الجود
مع ذلك، وبحسب الباحثين؛ تعد الخفافيش مصاصة الدماء جزءاً من البيئة الطبيعية المحلية في البرازيل، وقد تمت الاستفادة منها في بعض التطورات الطبية الحديثة.
حيث أن لعاب تلك الحيوانات يحتوي خصائص تمنع الدم من التخثر وهو ما يمكنها من التغذّي على الدم -وهو أمر شبيه بالأثر الذي يُلاحَظ لدى الديدان من فصيلة العلق- وتمكن العلماء من دراسة تلك الخصائص وتجسيدها في أدوية مضادة للتخثر تساعد في منع الجلطات الدموية أو علاجها لدى المرضى المعرضين لخطر الجلطة.
وقد حاولت الحكومة البرازيلية معالجة مشكلة داء الكلب في الماضي، من خلال التشجيع على تطعيم الماشية وعمليات إبادة الخفافيش، على الرغم من أن بعض العلماء قد أشاروا إلى أن محاولات الإبادة لم تفعل شيئاً يذكر لوقف انتشار المرض، بل ربما قد شجعت استمرار انتشاره في بعض الحالات. ويقترح بيدروسا نهجاً مختلفاً في ضوء المخاوف الجديدة المتعلقة بالخنازير، مُشيراً إلى هاشتاغ “اقتل الخنزير”.
فقال إن الحكومة البرازيلية قد أسست برنامجاً يسمح بقتل الخنازير البرية، ولكنه أضاف أن القيود الصارمة المفروضة على شراء الأسلحة النارية قد حصرت أعداد المشاركين في نطاق صغير إلى حد ما حتى الآن، ويشارك بيدروسا وعدد من العلماء في مساعدة السلطات بالتوصل إلى خطط أفضل لمعالجة مشكلة الخنازير في المُستقبل.
وبينما يحدث ذلك “قد يُنظر إلى الخفافيش مصاصة الدماء التي تتغذى على الخنازير البرية ذات الانتشار المُستدام باعتبارها خطراً محتملاً على الحياة البرية والحيوانات والبشر”، بحسب ما أورد الباحثون.
المصدر: هافينغتون بوست